جهلة وجبناء لكلّ زمن!

جورج كرم

عملاء العدو الصهيوني وأدواته، أو كما يحلو لنا تسميتهم بيهود الداخلهم، هم قلة من «القياديين» السياسيين الطائفيين الوصوليين، أما أتباعهم من المحاربين فجلّهم من الجهلة البلهاء، أعطاهم بعض الإعلام صورة برّاقة كمقاتلين شرفاء، ونلحظ في هذا الإطار كيف تغيّرت سياسة الكيان اللبناني والإقليم بعيد اغتيال قيادي عسكري سياسي عميل للصهاينة تبوأ سدة رئاسة الجمهورية في ثمانينات القرن الماضي إسمه بشير الجميل، ورغم كثرة أتباعه واندفاعهم انتهت عمالته بمقتله وتبعثر المتطرفون من أتباعه في زوايا الدنيا المتجلدة، مثل كندا، أو ذات الشمس الحارقة، مثل أوستراليا. كما أن الأمر آل بالكثير منهم دونما خجل أو ندم في الكيان الصهيوني المغتصب، وهم للمناسبة مدعاة فخر وموضوع زيارة للبطريرك الماروني الجديد، أما السواد الأعظم منهم فوجدوا لأنفسهم حركات أخرى على الموضة للاتحاق بها والذوبان فيها، ليغطوا عورة جهلهم وانعدام البعد الإنساني في تحليلهم، وأكثر هذه الحركات إثارة للسخرية «قدامى القوات» فهم ما برحوا على تطرفهم وحقدهم الطائفي وعمالتهم للصهاينة منذ الحرب اللبنانية، لكنهم لسبب أجهله أضحى قياديّوهم ضيوفاً أعزاء في برامج «التوك شو» على المحطات المقاومة، كأنهم «مفكرون مخضرمون»، علماً أن أرقى درجات تفكيرهم وأكثرها تعقيداً منذ الماضي القديم كانت حساب «الخوة» أو الرسوم غير الشرعية على فاتورة المطعم وعلبة الدخان واقتسامها في ما بينهم، واليوم تغزو صفحات الجرائد مقالات عن جوسلين خويري «المقاتلة» أو القاتلة الكتائبية التي كانت عنواناً للمرأة «المسيحية المؤمنة المحاربة» في وجه «جحافل الصومال» كما روّج إعلام الكتائب المتصهين آنذاك، فيما الحقيقة أنها هي و«رفاقها» متكافلين متضامنين هم الذين ذبحوا سكان بلادهم على الهوية، لأن المقاتل الفلسطيني أو «الصومالي» كما تحلو لهم التسمية كان مناضلاً متدرباً على مقاومة الصهاينة وهو في حاجة إلى المئات من نوع جوسلين ليرف له جفن من التأثر بهيبتها ورفاقها في الانعزال. واليوم تنتفض جوسلين على جعجع وتبقى «متصالحة مع نفسها» في دفاعها عن بلادها من الاحتلال الفلسطيني في الماضي، بحسب تصريحها، وعلى حركة الثامن من آذار استيعاب قامة جوسلين لأسباب يعجز عن تفسيرها المنجم نوسترداموس نفسه لو عاش مجدداً!

جميع الحركات التي تدور في فلك التبعية للصهاينة من جبهة «حراس الأرز» أو «جحا» زمنذاك إلى «داعش» اليوم، وعلى مر نصف قرن غابر، ترتكز على عميل قائد حذق ومئات أو آلاف الفارغين فكرياً، بل البلهاء من أتباعه، ومن يريد إثباتاً على البلاهة والجهل فليتذكر أيام تدفق السلاح الصهيوني إلى المناطق الشرقية ومنها البلدة التي نشأت فيها وكيف تسلمت ميليشيا البلدة المرتكزة على العشاء المجاني في أحد الفنادق الفخمة مدفع هاون جديداً مع الكثير من القذائف فنصبوه في الحرج المواجه لبلدة أخرى ينتمي بعض أبنائها إلى طوائف «معادية» وشرعوا في القصف العشوائي وكانوا في اللحظة ذاتها يتعلمون بالممارسة كيفية تشغيل المدفع، وبعدما نجحوا في تركيز المدفع أصابت أولى القذائف الشجرة التي علت فوق مركز المدفع وكاد يقتل منهم الكثير وسقط بينهم جرحى، أما القذائف اللاحقة فخربت العديد من حقول الفلاحين وخزانات المياه في خراج البلدة نفسها التي ينتمي إليها المقاتلون «الأشاوس». وبعد نهار طويل من قصف نفسهم وخراج بلدتهم، نجحت الميلشيا في إصابة منزل في البلدة المقصودة وعلا صوت الرصاص ابتهاجاً بالحادث «المجيد» وخرجت «كتيبة الهاون الأحول» من الخندق قبيل موعد العشاء في الفندق الراعي لها إلى الشوارع بالسيارات وسط غيمة من رائحة كاوتشوك «التشفيط» وأصوات أبواق السيارات، كلٌّ إلى منزله للاستحمام قبل موعد العشاء. وحالما وصل قائد الكتيبة إلى منزل والدته استقبلته الأخيرة باكية بضربة مكنسة على وجهه، مبادرة إياه بالقول إن المنزل الذي أصابوه في البلدة المقابلة هو منزل جد والد أمه، ولم يتسنّ لقائد كتيبة الهاون في عماه الطائفي وبهجته بالمدفع الجديد أن يتذكر أن بيت جده يقع في البلدة المقابلة المختلطة. أما مرحلة «موريس البيرة» اسم حركي لأحد مقاتلي بلدتنا فكانت أكثر تطوراً من الناحية التقنية، وحلت بعد أشهر من «كتيبة مدفع الهاون الأحول» وكان قوامها مدفع دوشكا وآخر من طراز «ب عشرة». و«موريس البيرة» الذي أطلقت عليه هذه التسمية العسكرية كان يعمل نادلاً في إحدى حانات البيرة في البلدة واشتهر بحبه للكحول وتقديمه له فحاز اللقب بجدارة، وكانت لـ«موريس» استراتيجية عسكرية تتميز بعدم الاكتراث غير المسبوق، وكان يأتي بمجموعته النارية المركزة على شاحنتين ويركنها في منطقة مأهولة مكتظة بالسكان وبقصف البلدة عشوائياً لمدة عشر دقائق أو ربع ساعة، قبل أن يلوذ بالفرار ويترك ويلات استقبال الرد المدمر على كاهل أهالي المنطقة المأهولة نفسها التي أطلق النار من وسطها. ولا عجب أن يتصرف «موريس البيرة» بهذه الدرجة من الجبن وقد خلع بزّته العسكرية بعد أشهر من قيادته «كتيبة الدوشكا» والـ«ب عشرة» ورمى بها على حافة الطريق ولاذ بالفرار حالما سمع أن «جيش لبنان العربي» قادم لاحتلال القرية، وكانت شائعة لا أساس لها من الصحة. واشتهرت مرحلة «كتيبة موريس البيرة» بامتعاض الأهالي إلى حدّ أن الكثير منهم خرجوا من منازلهم فور وصول موريس إلى حيهم وبادروه بالقول: «موريس روح قوّص غير هون».

لا فرق بين «زعران» الكتائب زمنذاك و«زعران» طرابلس اليوم الذين يتميزون بالعقلية الإجرامية نفسها ودرجة البلاهة ذاتها، ولديهم قادة سياسيون يسوقونهم كالنعاج من موقع إرهابي فتنوي إلى آخر، من «النصرة» إلى «داعش» إلى الإسم الذي سيربح مزاد الإرهاب النفطي في الأيام المقبلة. وقصة معركة طرابلس الأخيرة تشبه كثيراً «موريس البيرة» ومصيره. وبعدما سمعنا أن الجيش سوف يحسم المعركة هذه المرة من دون أدنى شك، وأن القرار اتخذ بذلك ولبس مذيعو البرامج بزات الجيش العسكرية تأييداً وهبّ المتحمسون من السياسيين بالدعوة إلى الإعدامات الميدانية في حق الإرهابيين وما إلى ذلك من إجراءات فاشية ووعود بالغطرسة القادمة، نرى المعركة وقد ركدت رغوة فورانها مثل زجاجة من زجاجات «موريس البيرة» بعيد ساعات من فتحها وخروج الغاز منها، وانتهت بخروج المسلحين منها أحياء إرهابيين في انتظار المعركة المقبلة، على ما تستشرف الصحف في تحليلها، كأن أهالي طرابلس صرخوا في الجهتين قائلين: «روحوا قوّصوا غير هون».

كاتب سوري من جبل لبنان موقعه على الإنترنت:

www.gkaram.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى