النموذجان العماني والسعودي… أيهما أفضل لمنطقتنا؟

ياسين مدني

تتغير الحكومات في الدول في حين يبقى الجوار ثابتاً، لأنّ خلفياته تاريخية وجغرافية تمتد إلى عوامل ثقافية وأبعاد اقتصادية مشتركة لها امتداداتها في كثير من القضايا السياسية، على اعتبار أنها مجموعة متكاملة ومتداخلة العناصر. ويشكل «التعايش السلمي» بين الدول المجاورة أدنى مستويات الأنظمة التي ترقى إلى مستويات أعلى، وصولاً إلى مراحل «التعاون» و»الدمج» و»الاتحاد».

وإذا طبقنا هذا المفهوم على منطقة الشرق الأوسط، يمكننا القول إننا لم نصل بعد إلى «نظام إقليمي» في هذه المنطقة رغم الحدود المشتركة والخلفيات التاريخية والجغرافية والتشابه في الثقافة، وذلك لعدة أسباب تتجلى في الاعتبارات الاقتصادية والاختلافات السياسية والنظرة الأيديولوجية ووجود انطباعات خاطئة عند بعض الأطراف عن الآخر، وهذه كلها تحول دون الوصول إلى بناء نظام إقليمي حتى في أدنى مستوياته.

في هذه المنطقة، هناك أطراف أساسية مثل إيران والسعودية، وأطراف مستقلة تسعى إلى الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع الجميع، وأبرز نماذجها سلطنة عمان. وإنّ أكثر المسائل أهمية، في هذه المنطقة التي عانت خلال تاريخها المعاصر من كثير من التحديات ولا تزال عرضة لكثير من الأزمات، هي معرفة المصالح و تحديد أفضل الطرق لحفظ الاستقرار ورفع الأزمات. فهناك قضايا خلافية بين الأطراف الأساسية في المنطقة، وهذا أمر طبيعي لأنها تنشأ من الاختلاف في وجهات النظر، لكن يصعب على كل الأطراف تجنب هذه الاختلافات وأصعب منه التوافق على القضايا الخلافية.

لكن، هل يؤدي ذلك إلى تفاقم الأوضاع في ظلّ هذه الظروف؟ ليس بالضرورة، لأنّ هناك آليات يمكن أن يستخدمها الأطراف للخروج من هذا الواقع الخطير أو الحيلولة على الأقل دون تصاعد التوترات، ومن هذه الآليات تبنّي العقلانية في السياسات، واعتماد الدبلوماسية، وإعادة تعريف المفاهيم في المنطقة والتعلم من الأخطاء.

ومن هنا، تأكدت إيران، كطرف أساسي في المنطقة، أنّ الخروج من الأزمات رهن ببناء علاقات جيدة مع دول الجوار، فاتخذت خطوات إيجابية نحو إعادة بناء هذه العلاقات منذ أكثر من عام وجعلت تطوير العلاقات مع الجوار في أولوية سياساتها الخارجية. وفي حين رحبت غالبية دول المنطقة بهذا الاتجاه الإيجابي، أبدى بعض الدول تحفظه حيال ذلك، واستمر في القول بأنّ تصاعد الدور الإيراني في المنطقة يتم على حساب مصالحه.

وفي هذا السياق، استمرت الخلافات في المنطقة حيال قضيتين أساسيتين وهما الملف النووي الإيراني والأزمات الإقليمية الراهنة، وجاءت هاتان القضيتان لتصبحا الإشكالية الرئيسية التي يطرحها بعض الأطراف كمحورٍ لجميع الخلافات، وفي طليعة هذه الأطراف المملكة العربية السعودية التي لا تخفى خلافاتها مع إيران عن أحد.

من جهة أخرى، سعى أحد الأطراف، وتحديداً سلطنة عمان، أن يجعل من هذه التحديات فرصة للتقريب بين وجهات النظر في المنطقة. وقد بذلت السلطنة خلال السنوات الماضية كثيراً من الجهود لإزالة الخلافات الموجودة في المنطقة في إطار «دبلوماسية الوساطة» ونجحت في كسب ثقة الأطراف كافة، حتى استضافت مؤخراً اجتماعاً ثلاثياً لبحث الملف النووي الإيراني في المحطة ما قبل الأخيرة من المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة السداسية.

وفي المقابل، تبنت السعودية سياسة عدائية في المنطقة في كلا الملفين النووي والإقليمي، وسعت إلى تحقيق أهدافها في إطار سياسة غير مدروسة مبنية على الغضب وردود الفعل المتسرّعة والمواقف العدائية وغيرها من العناصر التي لم تؤدِ إلى نتيجة في المنطقة. وعلى سبيل المثال، إنّ الإلحاح السعودي على إسقاط النظام في سورية، وإرسالها كمّاً هائلاً من المساعدات المالية واللوجستية إلى ما يسمى «المعارضة»، ساهما في تشكيل حالة إرهابية تشكل تهديداً للمنطقة بأسرها، ورغم الجهود الكثيفة التي بذلتها السعودية لإفشال المفاوضات الإيرانية ـ الغربية إلا أنها لم تحقق مبتغاها، وأدت جهودها الرامية إلى إضعاف وتيرة الحوار بين إيران والغرب إلى توتر الأوضاع في المنطقة.

وفي هذا الإطار، هناك نموذجان في المنطقة: عماني وسعودي. يخطو الأول خطوات جادة في سبيل التقريب بين وجهات النظر في المنطقة، بينما يصرّ الثاني على وجود اختلافات واسعة بين الأطراف. يرى الأول أنّ أضرار الاستعداء في المنطقة هائلة على الجميع، بينما يصرّ الثاني على مواقفه العدائية. يستضيف الأول اجتماعات بين الأطراف الدولية لحلّ القضايا العالقة، كما جهد في توفير أرضية لحلّ القضايا النووية، في حين يتطلع الثاني إلى إفشال المساعي ويضغط على الدول الغربية لحسم الأوضاع في المنطقة، حتى وإن تمّ هذا الحسم بطرق غير سلمية.

يبدو أنّ هذين النموذجين قد تمّ تجاهلهما في الأوساط الدراسية والسياسية حتى في الأوساط العربية، رغم أنّهما يستحقان البحث والدراسة المقارنة. ورغم أنّ هناك تباينات في السياسة أساساً بين الدول، إلا أنّ المراقبين لشؤون المنطقة يجب أن يشخّصوا أي من هذين النموذجين أفضل لمنطقتنا في ظلّ الظروف الراهنة، وأي منهما يلبي حاجات المنطقة في حفظ السلام والاستقرار، وأيهما أكثر واقعية ويضمن مصالح المنطقة.

لقد أثبت تاريخ منطقتنا أنّ السياسات العدائية لا تخدم مصالح المنطقة وسكانها، بل تزعزع استقرارها وتقودها نحو التطرف والإرهاب، وعلى هذا الأساس، كلما سارت الأمور على أساس النموذج الثاني النموذج السعودي المبني على المعاداة، كلما تفاقمت الأزمات وتصاعدت التحديات.

أما إيران فقد وصلت الآن إلى نقطة اللاعودة في المفاوضات النووية. وحتى لو لم ينجز الاتفاق النهائي في 24 من الشهر الحالي، فقد أثبتت التزامها بالدبلوماسية كأفضل طريق سلمي لحلّ الخلافات وأظهرت براعتها فيها. ومعروف أنّ سياسة إيران في المفاوضات النووية هي سياسة «حياكة السجاد» وهي سياسة تتطلب صبراً كبيراً ومهارة عالية وهو تشبيه مناسب، لأنّ إيران أظهرت خلال أكثر من سنة أنّ حلّ القضايا المعقدة يحتاج إلى الصبر والمهارة وضبط النفس، في إطار العقلانية والدبلوماسية الفاعلة، ولا فرق هنا بين الملف النووي والقضايا الإقليمية.

كاتب ومحلّل سياسي إيراني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى