فلسطين وتأثير الدومينو

عامر نعيم الياس

اعترفت مملكة السويد بفلسطين، تلتها بريطانيا، وإسبانيا، فيما نواب الحزب الاشتراكي الفرنسي الحاكم والصديق الأهمّ لـ«إسرائيل» وحكومتها، يفتحون الباب أمام الاعتراف بفلسطين في الجمعية الوطنية الفرنسية. هو تأثير للدومينو بدأ في أوروبا، ويبدو أنه لن ينتهي قبل اعتراف من جانب غالبية دول الاتحاد الأوروبي بفلسطين. أمر أكّدته المفوضة العليا للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني خلال زيارتها قطاع غزّة، بقولها إن «الوسيلة الوحيدة لإنهاء هذه المعاناة ووضع حدّ لهذا الصراع، إقامة دولة فلسطينية تعيش بسلام الى جانب إسرائيل… يعتقد الاتحاد الأوروبي بضرورة تفعيل السلطة الفلسطينية وحكومة الوفاق الوطني في قطاع غزة، وأتمنى أن يكون ذلك ممكناً في المستقبل القريب».

موقف أوروبي كان صداه واضحاً في موقف وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أحد أهم أصدقاء الكيان الصهيوني في الحكومة الفرنسية، عندما ترك الباب موارباً أمام إمكانية اعتراف بلاده بالدولة الفلسطينية، فما الهدف من وراء هذه الحملة الدبلوماسية المكثّفة والمنسّقة؟

يرى المؤرّخ الفرنسي فنسنت لومير وصاحب كتاب «القدس 1900» في مقابلة مع صحيفة «ليبيراسيون» الفرنسية، أن «ما يجري في خصوص فلسطين ليس أمراً رمزياً، بل هو ناتج عن عمل دبلوماسي مكثّف… حتى فرنسا التي فيها أكبر جالية يهودية في أوروبا والعضو الدائم في مجلس الأمن تتجه إلى الاعتراف بفلسطين».

هنا، وفي نقطة الاعتراف الدولي تحديداً، إن التقليل من أهميتها ليس بذي جدوى، فمكامن القلق عند الكيان الصهيوني تعود إلى الآثار المترتبة على هذا الحراك الدبلوماسي الدولي لجهة مفاهيم المشروعية والشرعية الدولية ومعنى الاعتراف الدولي وتأثيراته على وضعية الدولة المرجوة حتى لو لم تكن تتمتع بحدود واضحة. أمر تدركه «إسرئيل» جيداً استناداً إلى تجربتها على هذا الصعيد. فقد ولد الكيان الغاصب على أرض فلسطين المحتلة عبر تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني عام 1947، وبهذا المعنى فإن «إسرائيل» وجدت نتيجة اعتراف دوليّ، فضلاً عن أن خطة التقسيم عام 1947 والتي صُوّت عليها، تضمنت وجود دولة فلسطينية إلى جانب أخرى صهيونية، وهو أمر بدأ العمل به في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات عام 1989، ومستمر مع الرئيس عباس الذي يفعّل الآن ورقة الشرعية والقانون الدولي، في ضوء التعنّت الصهيوني غير المسبوق في الملف التفاوضي، والتوتر المتصاعد بين الحكومة الصهيونية والبيت الأبيض.

وفي هذا الإطار يحضر مثال الاعتراف بفلسطين كدولة مراقبة في الأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني عام 2012، إذ صوّتت 138 دولة لمصلحة القرار، مقابل رفض تسع دول وامتناع 41 عن التصويت. فالتصويت في صلب الاستراتيجية الفلسطينية الحالية.

على الجانب الآخر، من الواضح أن الحراك الأوروبي يعود في الجزء الأساس منه إلى الحرص على مصلحة الكيان الصهيوني العليا، والرغبة في عدم حرف الأنظار عن المخطط الذي يستهدف تفتيت المنطقة في الحرب المعلنة على تنظيم «داعش»، إضافةً إلى تعويم مبدأ القدس عاصمة مشتركة للدولتين، فالنزوع إلى الاعتراف بفلسطين يأتي على أمل استئناف مفاوضات السلام بين الجانبين الفلسطيني والصهيوني، واحتواء الغضب الفلسطيني المتصاعد والذي يتجلّى بما يجري في القدس المحتلة، وينذر بوقوع انتفاضة ثالثة. إذ يرى لومير أن «جنوج إسرائيل نحو اليمين وسياسات التهميش والإقصاء والحركات التبشيرية الدينية، عوامل أدّت إلى تفجّر الأوضاع في القدس وهو ما من شأنه أن يهيّئ الظروف لانتفاضة ثالثة، خصوصاً إذا عرفنا أن الانتفاضة الأولى اندلعت عام 1987، والثانية بعد 14 سنة عام 2001، ويبدو أن الوقت قد حان للانتفاضة الثالثة».

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى