أهذه معارضةٌ سوريةٌ أم جهازُ استخبارات أميركي؟

د. وفيق ابراهيم

أعلنت الولايات المتحدة الأميركية أنها بصدد تنظيم وتدريب «معارضة سورية» في تركيا، عددها ألفا رجل، يتولون مساعدة التحالف الأميركي في الهجمات البرية. ونسيت أن تعلن فتح باب التوظيف للراغبين على صفحات الإنترنت وفي الساحات العامة للدول الكبرى و«إسرائيل».

هكذا يتم تأسيس الثورات على الطريقة الأميركية، في حين أنّ المعارضة تاريخياً، هي سياق لديه برنامج عمل سياسي ينمو ويكبر ويتطور تحت ضغط الأحداث الداخلية والخارجية. قد يتقاطع حيناً مع تحالفات دولية، لكنه لا يبتدئ إلا من أراضيه الوطنية.

انظروا إلى الفييتناميين الذين أسسوا مقاومتهم على أراضيهم، ورغم أنهم تلقّوا في ما بعد دعماً روسياً وصينياً، إلا أنّ ذلك لم يمنعهم من الاحتفاظ بوطنيتهم، ولم يتحولوا إلى عملاء تابعين لاستخبارات «كي جي بي» أو الاستخبارات الصينية في ذلك الوقت.

هذه المعارضة المنتحلة صفة «سورية»، ابتدأت بعكس السياق الطبيعي، برنامج عملها هو التماهي الكامل مع الأنظمة «الطليعية» في السعودية وقطر والقرون الوسطى، وفقهها فقه غلاة الإخوان المسلمين في تركيا وخراسان، وتمويلها خليجي، وتدريبها وسلاحها ومراكز استشعارها من الأميركيين «الأبرياء» الذين يريدون إسداء خدماتهم المجانية «للمسلمين» الفقراء. فهل هذه معارضة تريد مصلحة بلادها أم جهاز استخبارات؟

بموضوعية مطلقة، يبدو أنّ ما يجري هو تدريب لجناح عسكري صغير تابع لجهاز استخبارات أميركي يُجسّد بدوره مصالح دولة عظمى فيها نُخَبٌ اقتصادية تهيمن على التفاعلات الاقتصادية والسياسية في العالم. والمؤشرات التي تثبت موضوعية التحليل هي التالية:

– أنّ تأسيس المعارضات يكون على أراضيها، وبعد أن تحقق إنجازات في بلادها، يتولى الحلفاء دعمها.

– أن يكون لديها برنامج عمل يتعلق بوطنها وكيف تراه وتريده.

– أن تكون موجودة في بعض أنحاء بلادها في شكل فعلي اجتماعياً.

– أن تكون هي الناطقة باسمها حصرياً، لا أن تتولى واشنطن والدوحة والرياض وأنقرة إصدار الأوامر إليها وتحديد أولوياتها.

– أن تحدّد هذه المعارضة ما يهمّها، على مستوى التحرك فلا تدع تركيا تقرّر ما هو المهم: عين العرب أم حلب؟ «داعش» الإرهابي التكفيري ـ القاتل أم النظام الرسمي الذي يدافع عن سيادة سورية منذ أربع سنوات؟ القصف الجوي كما تفعل واشنطن، أم الاجتياح البري كما يريد السعوديون والقطريون والأتراك وفريق 14 آذار في لبنان وعلى رأسهم «الأبطال الذين لا يشق لهم غبار»، فارس سعيد وخالد الضاهر وأشرف ريفي وغيرهم؟

يحقّ للمواطنين أن يسألوا عن عنوان هذه المعارضة وأين تقيم، على أن يضيفوا إلى أسئلتهم ملاحظات من أنواع جديدة عن قيمة الرواتب والأعمال الإضافية والشهادات المطلوبة، «للعمل» في إطار «القوة السورية»التي تعدّها واشنطن للمشاركة في الحرب البرية.

يسخر المراقبون من هزالة العدد المنوي تدريبه، ويسألون: هل يكفي لمحاربة نحو مئة ألف إرهابي ينتشرون على أكثر من مئة ألف كيلومتر مربع؟ لذلك، يُرجِّحُ هؤلاء المراقبون أن يكون هذا العدد طليعة استخباراتية لها هدفان: تزويد الأميركيين بمعلومات عن الحركة في الداخل التركي، وإرضاء الغرور العثماني المطالب بالتدخل البري لإسقاط الرئيس بشار الأسد كما يتوهّمون.

ولا بدّ في المحصّلة من إجهاد المتابعين لاستخلاص صفة «سورية» بسيطة في ملامح هؤلاء المعارضين. فالأرض التي يقميون عليها أجنبية وأيديولوجيتهم سعودية، وتمويلهم خليجي، وإدارتهم أميركية، وحليفتهم غير المرئية «إسرائيل».

ويتبين مدى التناقض الموجود في هذا «الهجين»الذي يُطلق على منظمته اسم «معارضة سورية». وهذه ملاحظة ذكرها وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر حين أبدى تعجبه، في كتابه الأخير «النظام العالمي»، من تحالف أنظمة غربية ناتجة من ثورات ديمقراطية مع أنظمة قبلية وثيوقراطية إسلامية متخلفة، مشروعها العودة إلى القرون الوسطى حيث عصر النخاسة والجواري.

وفيما برّر كيسنجر هذا التناقض بوجود الأهداف الإيجابية المشتركة بين الفريقين الأميركي والسعودي، تناسى أنّ حركة التاريخ تسير إلى الأمام لتلبي الحاجات المستجدة للناس، وهذا لا يكون بالعودة إلى عصر المماليك، بل بالتقدم إلى القرن الثاني والعشرين.

فما هي إذاً هذه المعارضة التي تملك رأساً مملوكياً من القرون الوسطى وقوة أميركية ـ تركية وطاقة من أموال البترو ـ دولار وعديداً من نحو ثمانين دولة؟ أهذه معارضة تريد تحقيق التقدم في سورية؟ أم مافيات تريد تدمير المنطقة؟ لذلك أقرّ المحللون أنّ النظام السوري متماسك لأنه يعكس اهتمامات القسم الأكبر من السوريين، ما أسقط حملات إعلامية عمرها أربع سنوات، مُوّلت بمليارات الدولارات لشيطنة نظام الرئيس بشار الأسد وتصويره على أنه نظام يقتل المدنيين ولا يريده السوريون. وكانت النتيجة الإقرار بشعبية النظام وإرهابية «داعش»و«النصرة»، اللذين يمثلان 95 في المئة من المعارضة السورية، باعتراف الأجهزة الغربية نفسها.

لذلك فإنّ تدريب ألفي عنصر في تركيا وربما في دول عربية أيضاً، لا يندرج في إطار الإعداد لعمليات قتالية، بقدر ما يدخل في أعمال استخبارات مشبوهة، لن تضيف أبداً قيمة نوعية إلى مجريات الأحداث. ويبقى الرهان كبيراً على الجيش السوري وتحالفاته القومية والإقليمية والدولية، لبناء نصر مؤزّر يخنق ظاهرة الهجانة، مستعيداً أصالة هذه الأرض العظيمة المنتجة لمقاومات فعلية وحضارات تقلدها الأمم والشعوب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى