مكتبة «البناء»

يعرض الباحث الدكتور محمد صالح الهرماسي في كتابه «الواقع العربي والتحديات الكبرى» لواقع الأمة العربية السياسي والاجتماعي، وما تواجهه من تحديات والعدوان الخارجي المستمر ضدها، وسبل بناء مستقبل عربي للخلاص من معوقات المرحلة الراهنة. ويعتبر أن الأمة العربية تعيش في الوقت الراهن أسوأ أيامها بسبب تزايد العدوان الخارجي الذي تحوّل من التهديد إلى التدخل المباشر وزرع الفتن في العديد من الدول العربية، إضافة إلى تحدي الاحتلال الدائم الجاثم على فلسطين. ويشير الهرماسي إلى جرائم الاحتلال الصهيوني في حق الشعب العربي الفلسطيني تحت أنظار العرب والعالم الذي فقد ضميره، إذ حوّل الاحتلال الأرض الفلسطينية إلى سجن كبير وملعب يمارس فيه «هوايته» في القتل والتعذيب.

يحصل ذلك كله بحسب الهرماسي أمام نظام عربي يعيش حالة من التنابذ والتشرذم وقوى سياسية وحزبية حركتها «خجولة» بل مشلولة ولا تتناسب البتة مع حجم التحديات الخارجية، ممثلة في العدوان المباشر، والتحديات الداخلية ممثلة في الأمية والاستبداد والفقر والتخلف. ويرى أن المجتمعات العربية تعيش في أغلبها حالة من «الإحباط والتلهي» بسبب ما تعانيه من سياسات الاستبداد والتهميش من ناحية، وما تخضع له من ثقافة الاستهلاك من ناحية أخرى، لذا تبدو كأنها استقالت من واجباتها ومهمّاتها.

عن المستقبل العربي المأمول في التحرير والوحدة والعدالة يقول الهرماسي إنه رغم المظاهر المعوّقة وحجم الصعوبات الجسيمة التي تحول دون تحقيق هذه الأهداف فإن العرب ما زالوا قادرين على العبور إلى المستقبل إن آمنوا به وبنوا «جسور العبور» إليه متسلحين بالمعرفة والإرادة واستيعاب ووعي ما يحاك لهذه الأمة من شرور تهدف الى إلحاقهم بمشاريع الصهيونية والإمبريالية. ويستعرض واقع الدول العربية بعد نيلها الاستقلال السياسي.

يؤكد الهرماسي في كتابه أن الإعلام العربي الفاسد الذي أحدث تحت عنوان الانفتاح أحدث قطيعة جذرية مع الإعلام الملتزم، وحاول انهاء لغة الاستنهاض الوطني والقومي التي اعتبرت لغة خشبية، مركزاً على تسفيهها وإقصاء رموزها لتمسي مرادفة للتخلف والتعصب ومعاداة العصر والتقدم، كما عمل على تلميع لغة الاستزلام والاستسلام واستخدم شعارات الواقعية والسلام المشرف في تبرير التفريط والتنازل والتخاذل وقلب المفاهيم حتى بات التطبيع مع العدو سلوكاً حضارياً والخيانة «وجهة نظر»!

صدر الكتاب في منشورات «الهيئة العامة السورية للكتاب» في وزارة الثقافة، في 96 صفحة قطعاً كبيراً.

مقصورة ابن دريد جمعاً وشرحاً لعبد القادر الجزائري

يبحث كتاب «شرح مقصورة ابن دريد» لجامعه وكاتبه عبد القادر بن محمد المبارك الحسني الجزائري صدر لدى «مجمع اللغة العربية» في دمشق في أغوار لغة الضاد عبر تبيان الفروق بين المفردات وتفسير مقاييس الألفاظ وتصحيح نسبة الإشعار إلى أصحابها، مع التمثل بالمعاني القرآنية، مستقياً شواهده من أمهات الكتب ومضيفاً على شروح ابن هشام وابن خالويه وآخرين.

يقول محقق الكتاب الدكتور ابراهيم عبد الله إن القصيدة المقصورة هي ضرب شعري يأتي حرفها الأخير الذي يسمى الروي على شكل ألف مقصورة، وليست كل قصيدة تنتهي بمثل هذا الروي معدودة في القصائد المقصورة، فلهذه القصيدة خصائصها وليست كغيرها، مشيراً إلى أن ابن دريد لم يكن أول من نظم المقصورة وهناك من سبقه أمثال مقصورة نصر بن نصير الحلواني أبي المقاتل التي مدح فيها محمد بن زيد الداعي الحسني بطبرستان أولها:

قفا خليلي على تلك الربى… وسائلاها أين هاتيك الدمى

ومقصورة أبو صفوان الأسدي ومطلعها:

نأت دار ليلى وشط المزار… فعيناك ما تطعمان الكر

غير أن ابن دريد من المقدمين في نظم القصائد المقصورة من حيث بنائها وأحكام نظمها وسلاسة أسلوبها وجمال سبكها ورفعة مواضيعها، إنسانية كانت أو حِكماً أو أمثالاً أو مشاعر وأحاسيس، لذا نالت مقصورته شهرة واهتماماً بالغين عند أهل العلم إذ تميّزت بسهولة ألفاظها ونبل أغراضها وثقة منشئها واستفادة قارئها واشتمالها على نحو الثلث من المقصور ولما فيها من مواعظ وحكم وأخبار نادرة.

يوضح عبد الله أن ابن دريد نظم مقصورته بين عامي 295 و 301 هجري ومدح فيها عبد الله بن ميكال وابنه ابا العباس اسماعيل فدفعا له مقابل مدحهما عشرة آلاف درهم، إضافة إلى تضمينها الفخر والحكمة والغزل وسرد حوادث تاريخية. والهدف من مقصورة ابن دريد بحسب محقق الكتاب الدكتور عبد الله هو صنع منهج يقوم على النظر في المفردات اللغوية الواردة في كل بيت من أبيات المقصورة ونقل المعاني اللغوية لهذه المفردة من كتب اللغة، ثم يترك للقارئ أن يصطفي من هذه المعاني المعنى اللائق بالبيت. ويشير إلى أن الاستفاضة والتوسّع في شرح مفردات المقصورة يبدو أكثر ما يبدو في الجزء الأول من الشرح، إذ شرح المفردات شرحاً لغوياً وافياً بالغرض من غير استطراد بالمعاني. ويوضح عبد الله أن ما أتى به الشيخ عبد القادر بن محمد المبارك الحسني الجزائري في شرحه للمقصورة عبارة عن جمع، وأنه كان ينقل معاني المفردات من أمهات كتب اللغة ومعاجمها مثل «تاج العروس» و»لسان العرب» و»القاموس المحيط» و»المصباح المنير» و»أساس البلاغة» وغيرها الكثير .

يقول الدكتور مروان المحاسني رئيس مجمع اللغة العربية في مقدمة الكتاب إن المقصورة يبلغ عدد أبياتها 250 بيتاً، وقد أملاها ابن دريد وكان عمره إذ ذاك أربعاً وسبعين سنة فاشتهرت لما فيها من فن واقتدار وتسجيل لحوادث التاريخ والحكم والأمثال، وأثارت ضجة صاخبة حول اسمه ورفعته إلى مصاف الشعراء الكبار حتى قال الأسدي «إن أبا بكر ابن دريد أعلم الشعراء وأشعر العلماء». ويلفت المحاسني إلى أن الشيخ عبد المبارك كان فرداً من ذلك الجيل الذي استهوته اللغة العربية فأكب على دراستها بشغف وتعمق حتى غدا أحد أعلامها وأئمتها فتولى تعليمها في مدارس دمشق بعدما عادت العربية لغة التعليم على جميع المستويات في سورية، موضحاً أنه ساهم مساهمة بحركة التعريب التي أطلقها مجمع اللغة العربية لاستبعاد الألفاظ الأعجمية من اللغة واقتراح البدائل لها لتستقيم اللغة لغة فصيحة لا تشوبها شوائب الألفاظ الغربية.

«عشرة طاولة» لمحمد الشاذلي عن تناقضات المجتمع المصريّ

يلخص الكاتب الروائي والصحافي محمد الشاذلي في روايته «عشرة طاولة» الصادرة حديثاً لدى «الدار المصرية ـ اللبنانية»، حياة المواطن المصري على مساحة المجتمع وتقلباته وتناقضاته، فهو مجرد «زهر» يرميه اللاعب في إحدى دفتي الطاولة، يتخبط بين الجنبات وعلى المساحتين الممتلئة بـ «الأحجار» والفارغة، حتى يستقر ويفرغ دوره إذ يتكشف ويقرأ، وهذا تماماً ما يحدث لبطل العمل الذي لم يسمه لكنه يعمل موظفاً في مصلحة الضرائب، على عتبة الخمسين، ذكي ولماح ويملك ثقافة تليق بموظف لا يشغله شيء بعد أداء واجباته الوظيفية. يتقلب من مقهى إلى مقهى ومن صديق إلى آخر ومن مغامرة حب أو شبه مغامرة إلى أخرى، «حريف» في لعبة الطاولة، خبير بمقاهي وسط القاهرة وشوارعه. يلخص رؤيته للحياة بكونها أرقاماً وخطوطاً وأشكال هندسية: «وإنني أرى حياتي وربما حياة معظم الناس في ثلاث دوائر الأولى دائرة العائلة والثانية دائرة العمل، والثالثة البلد الذي نعيش فيه».

هكذا يأخذنا البطل إلى ساحة المجتمع المصري ليضع خطوطها الرئيسية بين ثورتي 25 يناير و30 يونيو، ليكاشفنا بحقائق وتناقضات كثيرة موجعة تعانيها الشخصية المصرية، فنحن بين شخوص تتراوح بين الحكمة والثقافة والاندفاع والانحراف، قلقة ومتوترة وخائفة، تخفي أكثر مما تظهر، تحاول الإفلات من تخبطات الواقع فتواجه بتخبطاتها الروحية والجسدية.

تبدأ الرواية بقرار البطل السفر، من دون إعلان موعد نهائي، إلى مدينة بلبيس بعد أن يبلغه أحد أصدقائه أن ثمة شخصاً في بلبيس يدعى صلاح أبوالخير يستطيع تحديه وهزيمته في الطاولة. وبين القرار والسفر نعيش حيوات لكل منها نسيجها الخاص وعالمها الخاص ورؤيتها الخاصة للحياة أيضاً، لكن أبرز تلك الشخوص شخصية عبدالله سعيد ابن حي السيدة زينب والموظف الذي خرج إلى التقاعد وكان زميلاً للبطل في مصلحة الضرائب، ويعيش دوامة تساؤلاته الروحية مع العالم ومشاكل وهموم الأسرة والأهل وهمومهم في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تشهدها البلاد بين ثورة 25 يناير والثورة القادمة 30 يونيو، ويتمتع بثقافة وحكمة وخبرة في الحياة تضفي عليها قوة معرفية وروحية عالية فرادة في رؤية مجريات الأمور وتفسيرها.

وهكذا شخصية آلاء مهندسة الديكور المطلّقة التي استطاعت تجاوز أزماتها بدءاً بأزمة الطلاق وانتهاء بحادثة أجرت بسببها ست عمليات جراحية بالدخول إلى عالم التصوف، وهي تملك نقاء وقوة تجعلانها قادرة على ممارسة الحياة والتصدي لعقباتها.

وكلتا الشخصيتين يعتبرهما المؤلف نسخة متشابهة: «شعرت بأنني أجلس أمام النسخة النسوية من الأستاذ عبدالله سعيد». وتنضم إلى هذه الشخصيات شخصية الفلاح صلاح أبوالخير، مالك مزرعة في السبعين من عمره، ولا تتجاوز مساحة مزرعته فداناً من الأرض، وهي كل ما بقي له من إرث والده، بعدما باع فداناً تلو الآخر لينفق بثمنها على الشرب والمخدرات، وشكلت ابنته المصابة بإعاقة في الدماغ مصدر هداية له.

رغم أن ثمة شخوصاً هناك أخرى مثل صديقي البطل المهندس كمال راشد والمحامي خالد الشيخ، وصديقه عاطف الذي تزوج ثلاث مرات وعرف أكثر من ذلك من النساء، وفقد الأمل في الإنجاب، مثلما فقد الأمل في الكف عن الشرب، ويشارف على الموت بمرض القلب، وشخصية سحر تلك المرأة المتزوجة المحرومة عاطفياً والحالمة بالتمثيل في الإعلانات… إلاّ أنها تظل شخوصاً مساعدة لاستكمال تحقيق تركيبة المجتمع المصري المضطرب الذي استهدفته الرواية أساساً، معرية ذاك الاضطراب على مستوى حيوات شخوصها روحياً وجسدياً وسياسياً واقتصادياً، وفي خلفية تلك الحيوات يرزح البلد تحت الفوضى والانقسام وعدم توافر رؤية مستقبلية حتى على المستوى الفردي.

لا يقدم الشاذلي هنا رصداً أو تأريخاً لفترة بقدر ما يسرد بعنفوان جمالي يتجلى في انسابية الجملة وعمق دلالاتها، متناولاً حياة مجتمع ربما صادف مرّ في فترة حرجة هي فترة حكم جماعة «الإخوان المسلمين» ومحاولتها سوق المجتمع إلى هوة الرجعية والتخلف والظلام، لكن الحقيقة أن هذه الفترة ما هي إلاّ استكمال لفترات سابقة كان فيها المجتمع ينزل فعلاً في هذه الهوة، والجماعة «الإخوانية» لم تفعل إلا استكمال التردي في الهوة.

تلك الشخصيات التي حفلت بها الرواية نشأت واكتمل نضجها ووعيها وثقافتها ووجودها الحياتي داخل فترات سابقة، ربما فترة الحكم «الإخواني» أو لنقل فترة ما بعد ثورة 25 يناير بما فيها عام حكم «الإخوان المسلمين» أزاحت الغطاء عن تلك الهوة لكنها كانت موجودة.

سرد محمد الشاذلي، كما في أعماله القصصية، آسر في لغته وجملته الدقيقة والموحية، ينتقل بين حيوات شخوصه بسلاسة ويسر، يفتح العمق ويغلقه ويضيء من دون فجاجة أو افتعال، ما جعل الـ «زهر» المواطن المصري يتقلب كاشفاً عن مساحات شاسعة من المجتمع المصري. و»عشرة طاولة» هو العمل الروائي الأول للكاتب بعد المجموعتين القصصيتين «لمس الأكتاف» 1989 و»تعاسات شكلية» 1998 .

«مارك توين ـ سيرة ذاتية» مترجماً إلى العربيّة

صدر كتاب «مارك توين سيرة ذاتية»، في ترجمة لسعيد رضوان حران، في منشورات «كلمة».

يخاطب توين القارئ في مقدمة الكتاب قائلاً إنّه يتحدث إليه من القبر، حرّاً طليقاً، بعيداً عن قيود هذه الدنيا، إذ طلب هو نفسه أن تنشر سيرته الذاتية، بعد مرور مئة عام على وفاته. ويشرع توين في الحديث عن ولادته في قرية وادعة من قرى ميزوري، وعن عائلته وما واجهته من ظروف عصيبة وترحال، بعدما كانت ميسورة الحال، ويستذكر أيام الطفولة والصبا، خاصة تلك التي أمضاها في منزل عمه ومزرعته، مقدماً وصفاً رائعاً لها. كما يتحدّث عن وفاة والده واضطراره إلى الذهاب إلى سان لويس، لتعلم الطباعة والعمل في الصحف هناك والمساهمة في نفقات أسرته، ومع الوقت أضحى مراسلاً صحافياً في إحدى صحف كاليفورنيا، فضلاً عن عن تجربته الأولى في عالم التأليف والنشر بأسلوب فكاهي جميل، إذ تكشف سيرته أن والدته وزوجته كانتا من الشخصيات الرئيسية في حياته، وأن بينهما شبه كبير، فكلتا المرأتين رقيقة الجسد وضعيفة، عانت من المرض طوال حياتها وتجمعهما مشاعر إنسانية عالية.

يطغى الجانب الفكاهي على الكثير من صفحات الكتاب، لكن في حياة الرجل من المآسي والآلام الكثير، فللقدر دوماً كلمته، إذ يموت ابنه البكر بسبب إهمال من والده الذي اصطحبه لجولة في العربة ذات صباح بعدما تركته زوجته في عهدته للقيام بأمر خارج المنزل، وكان الجو بارداً، ولم يحتمل جسد الطفل ذلك فمرض ومات. ثم ماتت ابنته سوزي، وبعد بضع سنوات فقد زوجته، وذهبت كلارا لتعيش بعيداً في أوروبا مع زوجها وتتركه مع جين، ثم تموت جين، ويبقى وحيداً.

يعتبر توين من رواد الكتابة والرواية في أميركا. اسمه الحقيقي صموئيل كليمنس. ولد عام 1835، وعرف بأسلوبه الرائع الذي تميز بروح الفكاهة، ثم بدأ يكتب للصحافة منذ الصبا، وعمل في مهن مختلفة بينها ربان باخرة. انتقلت أسرته بعد ولادته إلى هانيبال حيث توفى أبوه، ليبدأ صموئيل مارك كفاحه لأجل البقاء، وهو الكفاح الذي رسم كل خط في أدبه، وفي ما بعد شارك في الحرب الأهلية، وكان لذلك أثر عميق في شخصيته، إذ كانت حياته كانت سلسلة من المصائب، فهو الطفل المشاغب الذي ظفر بعداء الجميع، والاقتصادي الفاشل الذي يعاني الإفلاس، والبائس الذى رأى شقيقه يحترق، والزوج الذي فقد أفراد أسرته وظل وحيداً. وتميز توين بشعبية عالية بين الأميركيين، وكانت قصصه مرآة صادقة للمجتمع الأميركي. توفى عام 1910.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى