السيسي وجيش مصر… بين الحرب على الإرهاب واتّهامهما بالعودة إلى «الأسلمة»!

إعداد وترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق

لم تكد مصر، تعلن نيّتها تشكيل تحالف من أجل ما يحصل في ليبيا المتاخمة لها، حتّى بدأت التقارير الصحافية تنهال عليها من كلّ حدب وصوب. ومصر التي شاركت ـ ولو على نحو قليل ـ في التحالف الدولي ضدّ «داعش» في العراق وسورية، تواجه اليوم حرباً من نوع آخر… الحرب الإعلامية.

في تقرير نشرته «فورين آفيرز»، يحاول الكاتب جيلاد وانيغ، زرع إسفين بين نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي وشعب مصر الذي ملّ الدكتاتورية زمن حسني مبارك، وجرّب الحكم الإسلامي لنحو سنة فأطاح بالإخوان والرئيس محمد مرسي.

أما ما يحاول تقرير وانيغ اجتراحه في هذا الخصوص، فيتلخّص في البنود التالية:

ـ اتهام السيسي بأسلمة الجيش، وحجّة وانيغ هنا استناد بعض الخطب الرئاسية والعسكرية إلى آيات قرآنية.

ـ نفي صفة العلمانية عن الجيش المصري، وحجّة وانيغ هنا أيضاً إطلاق اسم «بدر» على أكبر التدريبات المصرية العسكرية.

ـ إلصاق تهمة «الإسلام» بالسيسي، لأن الأخير تربّى تربية إسلامية بحسب وانيغ.

في المقابل، نستعرض ما ينفي تقرير وانيغ جملة وتفصيلاً، وذلك من خلال ما نشر في عدد من الصحف المصرية، ومن خلال تقرير نشرته صحيفة «هاآرتس» العبرية.

أكبر جيش عربي ليس علمانياً

كتب جيلاد وانيغ في «فورين آفيرز»:

شارك عبد الفتّاح السيسي قبل أسابيع من استقالته من منصبه كوزير للدفاع بهدف التحضير لحملة رئاسية ناجحة في 27 آذار، في صلاة الجمعة في مسجد سلاح الدفاع الجوي في مدينة نصر في القاهرة. وقد رافق السيسي في صلاته قائد الجيش صدقي صبحي، وغيره من القادة العسكريين والسياسيين والمؤسسات الدينية. استهلّ مفتي مصر السابق علي جمعة خطبته بالقول: «مصر بلاد لا مثيل لها، ذكرها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم»، ويتابع: «نحن جيش رسول الله، الذي أنعم ببركته على جنودنا، فهم الأفضل على وجه هذه البسيطة».

أكدت تصريحات جمعة الحقيقة التي غالباً ما يُساء فهمها من المراقبين الخارجيين: الجيش المصري، بصيغته الحالية، ليس قوةً علمانية. فالإسلام يتغلغل في قواعد الجيش، كما في المجتمع المصري الأوسع. بداية القوة المسلّحة تروّج لنفسها على أنها خليفة قوات صلاح الدين الأيوبي، القائد الإسلامي الكبير في القرن الثاني عشر الذي قاوم الصليبيين واحتلّ القدس، وبنى امبراطوريته في القاهرة. ففي ساحة المعركة، غالباً ما يستعين الجيش بالمراجع الدينية: أُطلق على أكبر التدريبات المصرية العسكرية اسم «بدر»، وهي معركة حدثت في مكة المكرّمة في القرن السابع الميلادي بين النبيّ محمد وأتباعه وبين قبيلة قريش.

ويستدعي ضباط الجيش في خطبهم الله، القرآن، والنبي بهدف تعزيز الشعور بالشرعية الروحية.

وعلى رغم أنّ السيسي لم يشرّع الصحوة الدينية في الجيش، لكنه شجعها من دون شك. فالرئيس محمد مرسي ـ قائد جماعة إخوان المسلمين ـ والذي أصبح رئيساً لمصر عام 2012، وجعل من السيسي وزيراً للدفاع، كان الإعلام المصري يؤكد دوماً أن أسباب اختياره كانت دينية. والجدير ذكره أن زوجة السيسي ترتدي الحجاب الإسلامي، في إشارة أيضاً إلى وزير الدفاع السابق عبد الحليم أبو غزالة الذي كان متديّناً ويدعو علناً إلى ضرورة ارتداء الحجاب .

يبدو أن مرسي لم يكن على صواب كما سيبرهن لنا الوقت أن الرابط الديني سيكون كافياً لانتخابه قائداً عسكرياً جديداً. فبعض المحلّلين والمعلّقين، كالأستاذة السابقة في الجامعة الأميركية في القاهرة زينب عبد المجيد، لم تستبعد فرضية أن يكون السيسي هو نفسه عضواً في جماعة الإخوان المسلمين. وقد ترافق عددٌ من المخاوف مع زيادة قوة السيسي الحديثة من «أسلمة»، أو لنقلْ «أخونة» القوات المسلّحة.

كتب ابراهيم عيسى، الصحافي وصاحب الشخصية المؤثرة إعلامياً، يقول: «تكمن الكارثة في أننا قد نجد أنفسنا نشكّل جيشاً كذلك الذي في باكستان، يُطلق اللّحى ويقاتل من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية».

وعلى رغم من نفي كلّ من الإخوان المسلمين والقادة العسكريين هذه التهمة التي ما لبثت أن عُزّزت بعد صدور تقارير تفيد بأن السيسي ـ في الأسابيع التي تلت تعيينه ـ قد ألغى الحظر المفروض على إقامة الصلوات خلال المناورات العسكرية… فكان أن أعلن التالي: «صلّوا كما يحلو لكم». وهي خطوة لاقت استحساناً كبيراً من الإسلاميين على اختلاف مشاربهم. غير أن خطاب السيسي انتُقد دينياً. فعلى سبيل المثال، وفي العام 2012، أخبر السيسي حشداً من العسكريين وضباط الشرطة يفوق عدده المئات، أن «الله سبحانه وتعالى قد خصّهم للقيام بمهمة عظيمة»، مشيراً إلى آيتين من سورة قريش ـ وهي فصلٌ من القرآن ـ تؤكد «ضمان الله أمنهم ضدّ الخطر».

لكن السيسي لم يكن الرئيس المصري الأول الذي يستعمل مثل هذه الخطابات، إلّا أنه يدلّل على صعود نجم رئيس إخواني مسلم تتبعه غالبية المصريين. وقد أعلن ـ في الوقت نفسه ـ مدير الأكاديمية العسكرية في القاهرة أن المدرسة العسكرية ستبدأ في قبول الطلبة الذين تنتمي عائلاتهم إلى الإخوان المسلمين، بمن فيهم ابن أخ محمد مرسي. وقبل مضيّ عقود، حافظت المؤسسة العسكرية على سياسة رفض كلّ طلبات التجنيد لأولئك الذين يعلنون ولاءهم لمعتقدات الإخوان الدينية والسياسية للحدّ من تسلّل الإسلاميين الذين كانوا يهدفون إلى تطبيق أجندتهم الخاصة.

وطوال فترة خدمته كوزير للدفاع، قاوم السيسي بعض المطالب التي تقدّم بها مرسي والإخوان المسلمين. وقد تسرّبت تقارير تفيد بأن مرسي كان يريد تحييد السيسي ونائبه صبحي، بسبب رفضهما قبول طلبات المجنّدين الإسلاميين ويُقال إنّ هذا أدّى إلى استياء عارم في صفوف العسكريين.

وفي آذار، وبعد صدور قانون يسمح للمجنّدين بإطلاق لحاهم كعلامة على تديّنهم، قام السيسي بحظر هذا القانون. وما لبثت العلاقة بين الرئيس ووزير دفاعه أن تدهورت بحدّة صيف العام 2013، ووصلت إلى طريق لا عودة فيه، وأدّت في نهاية المطاف إلى الإطاحة بمرسي في تموز عام 2013.

وعلى رغم معارضة السيسي الجهود المقدّمة من جماعة الإخوان والقاضية بدمج الجيش تحت سيطرتها، إلّا أنه يبدو ميّالاً إلى الاعتقاد بالدور الأكثر مركزية وفعالية الذي يجب أن يُناط به الإسلام داخل القوة المؤسساتية. ويعود هذا في جزءٍ منه إلى تنشئة السيسي الدينية فهو قد تربّى في كنف عائلة إسلامية محافظة في القاهرة. وقد يكون انجرف نحو المؤسّسات الدينية التي بدأت مطلع السبعينات من القرن الماضي، عندما كان السيسي لا يزال جندياً مبتدئاً. وقد حرص الرئيس أنور السادات على بناء ثقلٍ إسلاميّ مصريّ يوازي الثقل الناصريّ آنذاك، وبقيامه بذلك، سمح لهم في كسب موطئ قدم في المجتمع، وبالتالي في عديد القوات المسلّحة. ويبدو أنه اختار هذا الاتجاه كمَيلٍ متأصل لديه، في الفترة التي تلت الثورة، خصوصاً بعدما ساند الجيش الحكومة في محاولتها فرض شرعيتها بعد انقلاب السنة الماضية والحملة ضدّ الإخوان.

نظّمت إدارة الشؤون المعنوية للقوات المسلّحة المصرية بقيادة الجنرال محسن عبد النبي، هذه الجهود إلى حدّ كبير. فهي تشرف على الأنشطة الدينية، إضافة إلى إدارته شؤون الدعاية والإعلام لمكتب القوات المسلّحة. وقد أوكلت مهمة الإشراف على النشاطات الدينية للموظفين القيّمين على مكتب الشؤون المعنوية، بما فيها الاجتماعات التنسيقية مع الأقليات المسيحية في مصر إلقاء الخطابات نيابة عن الجيش في الأعياد الإسلامية استضافة رجال دين مسيحيين في حلقات دراسية تتناول مواضيع دينية مختلفة مثل «الإيمان والأمن» أو «سيناء في القرآن» تحديد ما إذا كان على المجنّدين حفظ القرآن وإمكانية تقصير فترة الخدمة العسكرية تنظيم مسابقات تحفيظ القرآن الكريم توزيع الطعام والوجبات الغذائية السريعة خلال شهر رمضان وتنظيم رحلات للحجّ إلى مكة المكرّمة. وهذا ما حصل خلال الشهر الحالي، إذ نُظمت رحلة للحجّ ضمّت ضباطاً ومتقاعدين مع عائلاتهم، إضافة إلى عائلات الجنود الجرحى والقتلى خلال العمليات العسكرية .

ووفقاً لمجنّد سابق، فإن إدارة الشؤون المعنوية في القوات المسلّحة مسؤولة عن صوغ الخطب الدينية التي يسمعها المجنّدون أسبوعياً خلال صلاة الجمعة.

يتّسق النمط الإسلامي الذي تروّج له إدارة الشؤون المعنوية مع أهداف السيسي السياسية، التي تحاول فرض صيغة الدولة الإسلامية المعتدلة في مصر. فهذه الإدارة تتعاون مع الأزهر، أعلى مؤسسة إسلامية في البلاد، تعدّ لـ«تطبيق إيديولوحيا راديكالية ونشر التفكير التنويري المعتدل». وقد تعاون الجيش أيضاً مع عددٍ من المرجعيات الدينية البارزة، بمن فيهم سالم عبد الجليل، شريف السيد خليل، وخالد الجندي، للمساعدة في تبرير سياساتهم من وجهة نظر إسلامية وتفهّمها.

يعمل كلّ من جليل وخليل كواعظين في إدارة الشؤون المعنوية، ويشاركان في المناسبات العسكرية بانتظام، وكذلك يفعل خالد الجندي. ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، وصف الجليل المتظاهرين المؤيّدين لمرسي بـ«المعتدين الذين يجدر بهم أن يتوبوا إلى الله»، مع العلم أنه ما لبث أن تراجع عن تصريحاته هذه بعد اتهامه بالتحريض على العنف. وقد اعترف جليل في وقت لاحق بأن زوجته وأولاده كانوا قد شاركوا في الاحتجاجات المناهضة للانقلاب في ميدان رابعة العدوية .

وفي فيديو نُشر على موقع الأهرام الإلكتروني، حذّر نظيره خليل المتشدّدين من مهاجمة الجيش، مستنداً في ذلك إلى آية قرآنية تقول: «ومن يقتل مؤمناً حقيقياً مصيره جهنم».

كذلك تصدر إدارة الشؤون المعنوية مجلة «المجاهد»، التي يديرها الجندي وتُعنى بالمسائل والمقاربات الدينية. ووفقاً لدار نشر وزارة الدفاع، فإن «المجاهد» تبيع حوالى 45.000 نسخة شهرياً، تصل إلى الجمهورين العسكري والمدني على حدّ سواء. ولم يكن ضباط إدارة الشؤون المعنوية الوحيدين الذين سعوا إلى نشر الشعائر الإسلامية والخطابة. فالدوافع الدينية أصبحت أمراً شائعاً في جميع مراكز وقيادات الجيش. وقد أسرّ لنا أحد المجنّدين السابقين، أن الملصقات التحفيزية الداعية إلى الجهاد منتشرة بكثافة في الثكنات. وفي الوقت عينه، في أيلول الماضي، راقب السيسي التدريبات السلوكية لقواته المسلّحة، واللافت وجود اقتباس لآية قرآنية كريمة، الاقتباس نفسه الذي يستعمله الإخوان المسلمون في شعارهم ، يزيّن الحائط خلفه: «واستعدّوا لهم بكلّ ما أوتيتم من قوة ورباطة جأش ترعب أعداء الله وأعداءكم وآخرين قد لا تعرفوهم لكن الله يعرفهم».

وبعد مضيّ أسابيع قليلة، وأثناء الاحتفالات الرسمية للجيش في ذكرى حرب تشرين الأول 1973، ناشد صبحي «أصحاب الفكر المتطرّف» بأن «يمتنعوا عن اتباع أهواء الشيطان، عملاً بما أمرهم به الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم».

يتشابك الدين مع الحياة العسكرية إلى حدّ بعيد، فالمشايخ المسلمون يعظون المجنّدين العسكريين في المساجد، وتستخدم الشخصيات العسكرية الإشارات الدينية عندما تتحدّث أمام الجماهير. فبعد الانقلاب الذي أطاح بمرسي، دعا المتحدّث بِاسم الجيش آنذاك أحمد محمد علي، الشعب المصري إلى الاقتداء بالرسول محمد في إظهار الرحمة وجاء هذا التصريح مشابهاً لآخر لفت الانتباه قبل أيام من قبل علماء الأزهر. وكان اللواء محمد المصري ـ قائد المنطقة العسكرية الغربية ـ قد خلُص في الشهر عينه في إحدى خطبه في محافظة مطروح، نقلاً عن القرآن: «وتختفي الحثالة عن وجه المعمورة بينما يبقى من هو خيرٌ للبشرية على الأرض».

وبمعنى من المعاني، يبدو غير مفاجئ احتضان الجيش المصري الإسلام، نظراً إلى ما يلعبه الدين من دور حيوي في حياة المصريين وثقافتهم. وعلاوةً على ذلك، فإن الجنرالات يدركون قوة الدين في الحفاظ على التماسك، تعزيز الروح المعنوية، وكسب تأييد الرأي العام. لكن، وفي ضوء الانقلاب ضدّ مرسي، يُنظر إليها على أنها عنصر هام من معركة إيديولوجية الدولة المصرية لاستعادة عباءة الإسلام من الإخوان المسلمين. ويبدو أنّ الحكومة نجحت في هذا إلى حدّ بعيد. وكما تعلّم المصريون بعد اغتيال السادات عام 1981 من قبل ضباط إسلاميين، أن التلاعب بالدين لتحقيق مكاسب سياسية سيكون له حتماً تأثير عكسيّ.

وجهات نظر أخرى

ولو سلّطنا الأضواء على مصادر أخرى، لوجدنا حكماً اختلافاً في وجهات النظر. فالصحف المصرية تؤكّد عكس ما ورد في المقال الماضي. وإذا اعتبرنا الصحف المصرية مصادر ضعيفة من حيث الموضوعية بحكم أنها تصدر تحت عيون نظام السيسي ، فما بالنا إن قرأنا تقارير واردة في صحف عبرية؟

كمّ الأفواه وتثبيت الحكم الرئاسي

كتبت صحيفة «هاآرتس» العبرية في عددها الصادر في التاسع من تشرين الثاني الحالي:

قتلت قوات الأمن المصرية أربعة اسلاميين أطلقوا قذيفة هاون نحو المتحف في العريش. وتعرض للاعتداء القطار قرب مدينة المنوفية وقتل خمسة أشخاص، وانفجرت عبوة ناسفة صغيرة قرب القصر الرئاسي في شمال القاهرة وأصيب ثلاثة أشخاص. ويكاد يكون كل يوم يبلّغ فيه الناطقون بلسان الجيش المصري عن اعتقال متطرّفين، الكشف عن مخزونات سلاح وذخيرة، تدمير المزيد فالمزيد من الانفاق التي بين قطاع غزة وسيناء وعن استمرار إخلاء المباني التي على طول الحدود.

ويشرف على الحملة الجيش من خلال المروحيات التي يسمح لها منذ أشهر بالدخول إلى المنطقة التي تعتبر مجردة من السلاح في اتفاق كامب ديفيد.

وكانت مصر قد أغلقت معبر رفح من دون قيد زمني، لا بل أن حتى طلب السلطة الفلسطينية فتحه مرة واحدة في الأسبوع على الاقل لم يستجب بعد. والمداولات عن إعمار غزّة بعد حرب «الجرف الصامد» والذي كان يفترض أن تكون الان في ذروتها تأجلت وفي القطاع لا يعرفون القول متى ستستأنف. مصر، الغارقة في الحرب ضد الإرهاب في ثلاث جبهات سيناء، المراكز السكانية، وعلى الحدود الغربية مع ليبيا ، ليست متفرغة لمعالجة الموضوع الفلسطيني، بحيث أن حتى الاحداث في الحرم لا تحتل عناوين كبرى في الصحف.

ولا يتلخص التجند المصري ضدّ الإرهاب في عمل الجيش. فحتى تظاهرات الطلاب في مؤسسة الازهر وفي جامعات أخرى تحظى بمعالجة متصلبة. فبحسب التعليمات الرئاسية، يمكن أن يطرد من جهاز التعليم كل طالب أو معلم يشارك في التظاهرات ويخلّ بالنظام شريطة ألا تكون هذه تظاهرات تأييد للحكم .

وفي الشبكات الاجتماعية يحظى الرئيس عبد الفتاح السياسي بتأييد كبير، ولكن منظمات حقوق الانسان تخشى، وعن حق، من أن يصبح الصراع ضد الإرهاب معركة ضدها وضد المعارضة.

وبينما تلقى حرب الإبادة ضد الاخوان المسلمين التفهم بل والتشجيع، فإن اعتقال المدوّنين وغيرهم من النشطاء المدنيين، العلمانيين وحبسهم، يثير الغضب والخوف. فبعد وقف نشاط حركة «6 إبريل»، من رجالات الثورة في 2011، بأمر من المحكمة في شهر نيسان، وبعد أن حكم بالسجن على عشرات المدونين والنشطاء، جاء المرسوم الذي يخوّل الجيش بالدفاع عن سلسلة طويلة من المؤسسات العامة المدنية. ويجعل هذا المرسوم هذه المواقع مواقع عسكرية رسمية كل من يمس بها تنتظره محاكمة عسكرية.

هذا الاسبوع بُشر المواطنون المصريون بتعيين فايزة أبو النجا في منصب مستشار الامن القومي. وهذا تعيين غير مسبوق. فمنذ أكثر من 40 سنة ليس هناك في مصر مستشار للامن القومي، فما بالك أن تكون إمرأة. ظاهراً تعتبر هذه خطة مشجعة، ولكن أبو النجا التي تسمى المرأة الحديدية المصرية، التي تولت منصب وزيرة التعاون الدولي هي أيضاً الشخصية التي تقف خلف الحملة ضد جمعيات حقوق الانسان.

أبو النجا، التي تولت في الماضي مناصب دبلوماسية رفيعة المستوى، كشفت «قناة التمويل الدولية» التي تساعد هذه الجمعيات، بما فيها حركة «6 إبريل»، وتسببت في إدانة عدد من النشطاء بتلقّي تمويل أجنبي. كما وقفت أبو النجا على رأس المعارضين لتدخل الولايات المتحدة «في الشؤون الداخلية لمصر».

وإضافة إلى أبو النجا، عيّن وزير الداخلية السابق أحمد جمال الدين في منصب مستشار مكافحة الإرهاب.

وسواء فايزة أبو النجا أم جمال الدين خدما في عهد حسني مبارك وترى حركات الاحتجاج في عودتهما إلى الساحة السياسية الأمنية عودة زاحفة للنظام السابق إلى صفوف الاجهزة القيادية العليا. «هذه تعيينات تصريحية»، يقول لـ«هاآرتس» صحافيّ مصري كبير، «شخص أم اثنان، مهما كانا كفؤين، لا يمكنهما أن يطهّرا مصر من الإرهاب في كل جبهاته. فالسبيل إلى التغلب على الاقل على قسم من هذه الهجمات، يكمن في المصالحة مع الاخوان المسلمين وتوثيق التعاون مع القبائل البدوية في سيناء».

وعلى حدّ قول الصحافي، فإنّ كل اقتراح علنيّ للمصالحة مع الاخوان المسلمين يجعل مقترحه خائناً، ولكنه يشير إلى أن هذه المحاولات لم تتوقف تماماً. فبين الحين والآخر يبلّغ الاخوان المسلمون عن اتصالات يجرونها مع مندوبي النظام في محاولة لصوغ اقتراحات مشتركة للمصالحة. وفي الاخوان المسلمين أنفسهم نشأت صدوع عميقة بين الجيل القديم، الذي زج بمعظمه في السجون، وبين الجيل الشاب الذي يسعى إلى إقامة شبكة علاقات جديدة مع النظام.

لا يسارع السيسي إلى تبنّي هذه المبادرات مثلما بقيت وعوده لتنمية سيناء الاقتصادي في مصلحة البدو حتى الآن على الورق. فقادة القبائل البدوية الذين التقوا به هذا الاسبوع طلبوا منه بناء «رفح الجديدة» بدلاً من مئات البيوت التي هدمت وستهدم على طول الحدود مع غزة. وقد استمع السيسي إليهم، وهو مليء بالابتسامات والمدائح، ولكن البدو خرجوا من اللقاء من دون وعود.

ويخيّل أن الرئيس المصري يميل أكثر إلى الانشغال بالسياسات العربية منها في إيجاد حلول سياسية بتهديد الإرهاب في بلاده. وهو يفضل ان يودع هذا الموضوع في أيدي رجال الجيش ووزارة الداخلية. ولم يتقرر موعد الانتخابات للبرلمان بعد وذلك لأنّ صوغ قانون الانتخابات لم تستكمل بعد. ويبدو أن مصر تسير بخطى ثابتة عائدة إلى فترة الرئاسة «الكلاسيكية» فيها.

في ساحة مكافحة الإرهاب نجد أن السيسي أكثر نشاطاً وهو الذي اقترح تشكيل التحالف العربي ضدّ «داعش». وقد قام هذا التحالف بالفعل، ولكن بعد المشاركة الرمزية للطائرات السعودية ومن اتحاد الإمارات في الخليج، يبدو أن «القسم العربي» فضّل الانتقال إلى التحكيم. فقد نشر هذا الاسبوع أنّ مصر، السعودية، الكويت واتحاد الامارات، دول تبحث في إمكانية اقامة قوة مشتركة لمكافحة الإرهاب الاسلامي المتطرّف. ولكن منذ بداية المداولات تبيّن أنه لا يوجد توافق في مواضيع مبدئية مثل حجم القوة، من يقودها، من يمولها، وفي الأساس ما أهدافها. وأفادت مصادر مصرية بأنّ النيّة هي للعمل في ليبيا وفي اليمن لا في سورية والعراق، الجبهتان اللتان يعالجهما التحالف. والنشر عن القوة العربية يؤكد تخوف هذه الدول من أن تكون الولايات المتحدة تكتفي بالاعمال في سورية وفي العراق ولن تساعد الكفاح ضد الإرهاب في الساحات الأقرب إليها.

«مانشيتات» مصرية

وفي ما يلي استعراض لأهم «مانشيتات» في صحف مصرية، من ضمن أعدادها الصادرة في الآونة الأخيرة، والتي ربما تؤكّد حملة السيسي على الإرهاب، ومن ضمنه جماعة الإخوان.

قالت «الأهرام»: «الرئيس يدعو الشباب إلى تقديم رؤية شاملة لتطوير أجهزة الدولة، ويطالب بالاهتمام بأبناء سيناء والنوبة والصحراء الغربية»، ونشرت الصحيفة صورة للسيسي أثناء لقائه مع شباب مبدعين.

وجاء أيضاً في مانشيت «المصري اليوم» خلال الأيام القليلة الماضية: «الآباتشي تقطع رؤوس الإرهاب في سيناء»، وأضافت الصحيفة أن القوات البحرية المصرية فرضت طوقاً عسكرياً قرب شواطئ مدن رفح والشيخ زويد والعريش في شمال سيناء لمنع تسلّل أيّ عناصر إرهابيين إلى سيناء بعد استهداف جماعة «أنصار بيت المقدس» التابعة لتنظيم «داعش» أحد «اللنشات» الحربية أمام سواحل دمياط.

ونقلت صحيفة «الشروق» عن مصادر مطّلعة قولها إن اللواء أحمد جمال الدين مستشار رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي لشؤون مكافحة الإرهاب ووزير الداخلية السابق، أبلغ وزير الداخلية محمد ابراهيم أن دولاب العمل في وزارة الداخلية ومؤسسّاتها ليس على رأس أولويات مستشار الرئيس الذي يعتبر مهمته الأساسية، كيفية التعامل مع الجماعات الإرهابية بدءاً من جماعة الاخوان المسلمين، وصولاً إلى ما يسمى بـ«تنظيم داعش» ومن والاهما ومن تطوّع في صفوفهما.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى