دار الكتب

رولان رياض مشوح

ننطلق من رحلة الكتب إلى دار الكتب، حيث تقطن الكتب وتتخذ مكان إقامة لها. نجول في أروقة المكتبات، تلك المجموعات المنظمة من مصادر المعرفة، والمتاحة للمجتمع للبحث والاطلاع والاستعارة. ولعلّ دراسة المكتبات جزء مهمّ من دراسة التاريخ الفكري للحضارة الإنسانية، فتاريخها يبدأ مع بداية الحضارة ويسير معها. وقد يكون أعظم ما عني به الإنسان هو الكتابة والتوثيق والعلم، فقد تركت الأمم والحضارات السابقة مصنفات ومجلدات ومخطوطات ملأت رفوف وخزائن مكتبات الدنيا التي أنشئت من لحفظ هذه الذاكرة والتراث العظيم ونقله إلى الأجيال القادمة الذي طالما اهتموا بتصنيفها وتنظيمها وتسهيل الوصول إلى هذه الكنوز.

في المدلول الأوسع للمكتبة، غالبا ًما نتجاوز الكتب المطبوعة بمعناها والمواد الورقية الأخرى مثل الجرائد والنشرات الدوريات على اختلاف أنواعها والخرائط والأطالس والرسوم الهندسية، كما تضم المخطوطات التراثية القديمة والمراسلات والمذكرات الحديثة وغيرها من المواد الورقية غير المطبوعة، فالمكتبة بوصفها مركزاً لتجميع المصادر وخدمات المعلومات، ومنظمة للاستعمال العام، ومباحة للجمهور ترعاها هيئة سياسية أو مؤسسة أو مجموعة أشخاص لتؤمن مواد لا يعقل وجودها لدى أحد، أو الذين يحتاجون إلى معلومة معمقة في أبحاثهم، فتعدّ نطقة وصول للخرائط والمطبوعات أو الوثائق الأخرى والأعمال الفنية على مواد التخزين المختلفة مثل الميكروفيلم، والكاسيت، والأقراص المضغوطة وشرائط الفيديو،وتوفر تسهيلات عامة للوصول إلى أجهزة الكمبيوتر والدخول إلى الإنترنت.

والمكتبات، كغيرها من بوابات المعرفة، تشتمل على عدة أنواع: المكتبة العامة، والمتخصصة، والوطنية، والمدرسية، والجامعية، والرقمية، إلخ.

تسعى المكتبة العامة التي تقدم خدماتها بالمجان لفئات المجتمع إلى نشر الثقافة والوعي الفكري في اتجاهاته الإيجابية، وإلى تنويع مصادر معرفة المواطن العادي والموظف والتلميذ، صغيراً أو كبيراً، على مستوى المنطقة أو المحافظة أو المركز، والاهتمام بتنظيم المحاضرات العامة والندوات وجماعات مناقشة الكتب والأفلام وعرضها فتتبع المكتبة جميع الأساليب التي من شأنها تحقيق اللقاء المباشر بين الكتاب والمعلومات والجمهور العام، إلى إعداد معارض للكتب في مواضيع معينة، أو حسب مناسبات وطنية أو اجتماعية أو غيرها، كذلك تحديد ساعات للقصة .ومن هنا أهمية المكتبات العامة بكونها مؤسسة ثقافية وتثقيفية يحفظ فيها التراث الثقافي والإنساني الحضاري وتساهم في تربية جيل مثقف، واعٍ قادر على تحمل المسؤولية مستقبلاً من خلال انسجام الفرد في الإطار الثقافي العام على نحو يؤدي إلى تكيفه.

أما المكتبات المتخصصة ومراكز المعلومات فتهتم أساساً باقتناء الإنتاج الفكري في موضوع معين أو عدة مواضيع يرتبط بعضها ببعضها الآخر، لتخدم العاملين في مؤسسات وجمعيات نوعية، لذا تتركز في مراكز البحوث العلمية والتربوية والمؤسسات الصناعية والاقتصاد والوزارات وغيرها من الدوائر الحكومية، إلى جانب توافر الأقسام العلمية في الجامعات والمعاهد المتخصصة وتركيزها على المعلومات والبيانات وليس على مصادر تلك المعلومات. كما تتميز بصغر حجم مقتنياتها بالنسبة إلى المكتبات الأخرى. النسبة الكبرى من مجموعاتها هي الدوريات والتقارير والنشرات والأبحاث والمصغرات الفيلمية والرسوم الهندسية، فضلاً عن الكتب.

يُشار إلى المكتبات الوطنية الواردة في تقرير الإحصاء الدولي للمكتبات بأنها تلك المكتبة التي، بغض النظر عن تسميتها، تقوم تجمع التراث الفكري والوطني وتحفظه، سواء عن طريق الإيداع القانوني أو بأي شكل آخر،والإيداع القانوني هو الذي يلزم المؤلف أو الناشر بإيداع عدد من النسخ المجانية من المطبوعات أو الكتب الصادرة في المكتبة الوطنية، وفي المقابل تحمي الدولة لهؤلاء المؤلفين حقوقهم في أفكارهم، ومؤلفاتهم، ويأخذ المطبوع رقماً للإيداع قبل أن يتم نشره.

كما ورد تعريف المكتبات الوطنية أو القومية في مؤتمر اليونسكو الذي عقد عام 1958 بأنها «المكتبة المسؤولة عن جميع وحفظ المطبوعات القومية لخدمة الأجيال الصاعدة، وهذه المكتبات تشرف الدولة عليها وتموّلها وتنفق عليها وتحتوي عدة أقسام منها الشؤون الإدارية والعلاقات العامة وقسم الإجراءات الفنية وقسم الخدمات المكتبة. في الحديث عن أنواع المكتبات لا بد من أن نضيء على المكتبات المدرسية التي لطالما كانت تجذبنا في طفولتنا حيث ارتبطت المكتبات المدرسية بالتعلم والدراسة كملحقة بالمدارس لخدمة المجتمع المدرسي من طلاب ومدرّسين، وتعتبر جزءاً من المنهج المدرسي والأداة التي تتحقق بواسطتها أهداف المدرسة التربوية،بل إن الأهداف الرئيسية للمكتبة هي أهداف المدرسة نفسها.

من المدرسة إلى الجامعة تغدو المكتبات أكاديمية متخصصة للبحث والدراسة، وهي من أقدم الأنواع ظهوراً في التاريخ، مثل مكتبة نينوى الملكية في الحضارة الآشورية والإسكندرية المشهورة ومكتبات أثينا. والمكتبة الجامعية هي للطلاب وللبحوث ومركز إيداع البرامج وخطط الأبحاث المتعلقة بالمنهج والاهتمام بالخطط التعليمية والبرامج الدراسية والمطبوعات الجامعية، وتعتبر مكتبة الجامعة متميزة لأنها تقدم المراجع التي تخدم الدراسات العليا والمراجع المهنية المتقدمة. في عصرنا، ومع انتشار وسائل الاتصال الحديث والإنترنت والعولمة ظهرت المكتبة الرقمية أو المكتبة الإلكترونية كمجموعة مواد نصوص وصور وفيديو وغيرها بصيغة رقمية يمكن الوصول إليها بعدة وسائط مثل الشبكات الكمبيوترية، وبصفة خاصة الإنترنت، ولا ينحصر محتوى المكتبة الرقمية على الكتب الرقمية فقط بل يتعدّاه إلى غيرها من الوسائط، وبذلك تكون مواقع مثل Flickr و YouTube وغيرها مكتبات رقمية أيضاً وإن تكن متخصصة، فالصور لـFlickr والفيديو لـ YouTube. حتى إن البعض لا يتوانى في وصف الإنترنت بأنها المكتبة الرقمية العالمية.

بعد هذه النظرة السريعة لما سبق من أنواع المكتبات يتبيّن لنا أنه وعلى مر التاريخ كله لم توجد كتب ولا مكتبات إلا مرتبطة بالحضارة عامة، وبالعلم والتعليم والبحث خاصة، أمّا الأمر المؤلم الذي نعيشه اليوم فهو: أين مكتباتنا اليوم من مكتبات أسلافنا؟ وهل حافظنا عليها وطوّرناها أم تخلينا عن صروح العلم وهجرناها؟ وهل لا يزال حب الكتاب والمطالعة والعلم بصفة عامة مغروساً فينا؟ أم أننا تخلينا عن مكتسبات آبائنا وأجدادنا الذين صنعوا الحضارة والتاريخ ووهبوا المكتبات بأنفس الكتب والمؤلفات؟ أسئلة عديدة برسم الإجابة.

محامية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى