من الذي يثير الاشمئزاز!؟

نصار إبراهيم

بعد كلّ عملية من عمليات المقاومة… درجة العادة أن تصدر بيانات وكلمات عن قيادات وقوى فلسطينية وأيضاً عربية «تدين وتستنكر وتشجب…» أما لماذا؟ فذلك لأنّ تلك المقاومة حسب وجهة نظرهم أولاً «تضرّ» بسمعة الشعب الفلسطيني وثانياً لأنها تجري بدون «طلب الإذن» من القيادة… فهي صاحبة القرار النهائي في الحرب والسلام لا أدري عن أي حرب يتحدثون… فعلى حدّ علمي أنّ الفلسطينيين تحت الاحتلال، وبالتالي فهل هناك شعب تحت الاحتلال بحاجة لإعلان حرب كي ينهي الاحتلال!؟ …

المهمّ وفق هذا المنطق أنّ على من يريد أو يفكر بالمقاومة عليه أن يطلب الإذن أولاً وثالثاً لأنّ هكذا عمليات «تضرّ» عملية السلام… أي والله هكذا «تضرّ»… والبديل هو أنّ على الفلسطينيين أن ينتظروا مئة عام أخرى فقد يحصلون على خمس سنوات انتقالية جديدة… وبعدها سنرى… يا سلاااااام!

على أية حال، هذا النمط وهكذا ردود فعل لا تغري في النقاش ولا في الردّ… لأنها باتت معروفة ومتوقعة… والساذج فقط هو من ينتظر غير ذلك… لأنّ هذا الخطاب هو خطاب بنية ومصالح وخيارات باتت واضحة… فلمَ الغرابة ولمَ الاستغراب ولمَ الشتائم؟

ليس هذا ما يثير استغرابي… ما يدهشني أكثر من ذلك بكثير هو الخطاب الذي يأتينا نحن الفلسطينيين، من هناك من بعيد… من وراء البحار… مما يُسمّى بالدول «الديمقراطية» أو «المتطورة» راعية وحامية «حقوق الإنسان… والحيوان أيضا»… فقد درجت العادة واستقرّ الحال أمام كلّ عمل فلسطيني مقاوم على وصفه هكذا: «عمل مثير للاشمئزاز… وعمل مقرف… عمل وحشي… ودنيئ… وحقير… وكريه…» و… يا سلام!

في الحقيقة ما أريد أن أقوله لهؤلاء… إنّ كلّ هذه البلاغة في الوصف لا تعني ولن تعني الفلسطينيين في شيء… ويجب أن لا تعنيهم في شيء… هذه هي الحقيقة… فخذوها مني ولا تبالغوا حفاظاً على صحتكم الجسدية والنفسية وأنتم تبحثون في القواميس عن كلمات أكثر هولاً.

فالمعادلة في وعي وتجربة الفلسطينيين أكثر بساطة ووضوحاً مما تعتقدون، لقد أثرتم أنتم و«احتلالكم» قرف الفلسطينيين واشمئزازهم على مدار قرن ولا تزالون… ومارستم وغطيتم ودعمتم كلّ عمل وحشي ودنيء وحقير ومقرف ضدّ الفلسطينيين: القتل، والمجازر، والحرق، والتدمير، والتهجير، وسرقة الأرض، والمياه، وقطع الأشجار… ومحو التاريخ واغتصاب الجغرافيا… وبعد كلّ ذلك ماذا تنتظرون من الفلسطينيين… ها…؟ أن يبوسوا أيديكم وأيدي الاحتلال… ما هو قائم فعلاً هو معادلة سياسية بسيطة من الدرجة الأولى… وبالتالي فإنّ ردّ الفلسطينيين الطبيعي والمنطقي حتى النهاية هو بالضبط هذا، أيّ أن يجعلوكم أكثر قرفاً واشمئزازاً وبصورة دائمة… ذلك هو هدفهم…

فأنتم وسياساتكم أصل القرف وأصل الاشمئزاز وأصل الوحشية وأصل العنصرية وأصل الكراهية والموت في حياة الفلسطينيين… هذا هو نبع القرف الأصيل… فاشمئزوا أكثر فأكثر وصولاً إلى الحد الأقصى… واقرفوا بقدر ما تريدون… فهذا بالضبط ما يريده الفلسطيني رداً على ما سبّبتموه له من ويلات وقرف وموت على مدار الساعة والدقائق والأيام والشهور والسنوات والعقود والقرن…

أما إذا أردتم أن تتخلصوا من اشمئزازكم وقرفكم… فليس هناك سوى طريق واحد أوحد: توقفوا عن سياساتكم وخطابكم المقرف… ليرحل الاحتلال وليستعيد الشعب الفلسطيني وطنه وحقوقه وذاته وكرامته… وغير ذلك… ليستمرّ القرف والاشمئزاز… وليفيض حتى يغمركم… ليس هذا فحسب بل وبإمكانكم أن تضيفوا ما تشاؤون من شتائم وأوصاف للفلسطينيين ومقاومتهم: إرهابيون، قتلة، مجرمون، وحوش، ليس لديهم إحساس، صراصير… قولوا ما تشاؤون… فقد يكون ذلك مفيداً لاستمرار تخدير الرأي العام والنفاق في مجتمعاتكم… كي تواصل قبول ودعم سياساتكم الغبية… أليس هذا ما تريدونه؟ حسناً… استمرّوا إذن ما دام لم يعد بمقدوركم أن تعيشوا بدون القرف والقذارة في السياسة والأمن والاقتصاد والسلوك… أما بالنسبة إلى الفلسطينيين فإنهم سيهزون أكتافهم استخفافاً وسيواصلون نضالهم ومقاومتهم… ومع كلّ ذلك وقبله وبعده لن تنتهي المقاومة ولن يتوقف الصراع وفق الشروط التي تحلمون بها… إذن ليستمرّ قرفكم حتى يفيض فهذا لا يهمّنا ولا يعنينا… تلك هي الحكاية… فلا تنتظروا من الفلسطينيين غير ذلك… أم تتوقعون منهم أن يجري اغتصاب وطنهم وقدسهم أمام عيونهم فيزغردوا؟ أي حماقة هذه!

عنوان الكاتب:

https://www.facebook.com/pages/Nassar Ibrahim/267544203407374

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى