«الإرهابي» سعيد فخر الدين

وليد زيتوني

نعم، سعيد فخر الدين إرهابي. بل هو الإرهابي الأول في تاريخ هذا الكيان اللبناني. سعيد فخر الدين، لم تتبناه الدولة شهيداً، لأنه قاتل واستشهد في بشامون ضدّ المستعمر الفرنسي. ولم تتبناه الطائفة لأنه قاتل عن الوطن كل الوطن. ولم يتبناه التاريخ لأنه خارج عن مسار التاريخ المزوّر. فالتاريخ «اللبناني» ومنذ كان رضيعاً، تغذّى على زجليات «ابن القلاعي» ووثائق القناصل الغربيين وأساطير الهجرة والفتح والملاذ. ولم يزل يقتات على ما يرسمه المستعمر من دور ورسالة «بموضوعية».

نعم سعيد فخرالدين إرهابي، لأنه لم يسر بركاب التعليمات الإنكليزية أمثال رياض الصلح وبشاره الخوري وكميل شمعون. نعم إنه إرهابي لأنه قاتل خارج إرادة الكتلة الوطنية، الفرنسية الهوى. وخارج إرادة الكتائب الفرنسية التوجه، التي سارت بالتظاهرات بناء على رغبة الاستخبارات الفرنسية بعد أن أسقط في يدها، أن تبقى في لبنان. وخارج إرادة النجادة الصنيعة الفرنسية ذات «الجذور العربية» والإسلامية.

نعم سعيد فخرالدين إرهابي، لأنه لم يأخذ في الاعتبار حقوق الإنسان الفرنسي والإنكليزي وحتى «العربجي» في أرضنا وثروتنا وعرضنا. ولم يأخذ بمفاهيم الغرب والعرب الحضارية في القتل والذبح والسبي وأكل القلوب وتدمير المتاحف والبنى الثقافية والقيم الخارجية. ولم يأخذ بأسباب الحياة «الديمقراطية» وضرورات «البيروقراطية» التي وصلنا إليها الآن بفضل رجالات الاستقلال الميامين ومن ورثهم وورث علاقتهم المجيدة بالخارج.

كنت أعتقد للأمس القريب، كما غيري من الذين سمعوا بسعيد فخر الدين، أنه الشهيد الوحيد لاستقلال لبنان. غير أن الدولة والإعلام في لبنان أثبتا غير ذلك. وتبيّن لي كما لغيري، من المطلعين وغير المطلعين أن هناك من استشهد في سبيل استقلال لبنان، قبل أن يستشهد لأسباب معلومة أو مجهولة. فرفيق الحريري مثلاً، كرّمته الدولة بشخص وزير داخليتها باعتباره صانع استقلال لبنان، وهو الذي لم يكن قد ولد بعد عندما هاجم سعيد فخر الدين الدبابات الفرنسية. وكرّمت الدولة أيضاً من كلّف خاطره ووقع على علم، أو من تفتقت له فكرة استبدال الجانب الأزرق من علم الاستعمار الفرنسي باللون الأحمر. وكرّمت من بكى في قلعة راشيا من خوف الاعتقال.

غير أن الدولة في لبنان، أثبتت قدرتها السياسية الفذة، فألغت تكريم شهداء 6 أيار الذين سقطوا شنقاً بساحة الشهداء على يد جمال باشا السفاح. الدولة «لعبتها سياسة» ولم تغضب الدولة التركية الطورانية، بل عززت العلاقة معها سياسياً واقتصادياً وأمنياً.

الدولة أثبتت وبالفعل استقلاليتها. فهي لا تنتظر المفاوضات الإقليمية والدولية لانتخاب رئيس جمهورية. أخذت قرارها ومشت في التمديد للمجلس النيابي، وفرضت على الأطراف الدولية تسليح جيشها وحماية حدودها، ويكفيها فخراً أنها أجبرت السفير البريطاني على إنشاد النشيد الوطني باللغة الأم وداخل أسوار السفارة.

عظيم استقلال هذه الدولة المحمي بأكثر من ثلاثين جيشاً على أرضه، وبحنكة بالغة عنوانها النأي بالنفس عن المحاور، إلا عن المحور الأميركي، وبعدل دولي أثبت صدقيته بملايين الدولارات المسروقة من عرق الناس وتعبهم.

عظيم استقلال هذا البلد الذي يكتب تاريخه الشهيد الحيّ في لاهاي على مدى زمني لم يحصل في التاريخ نفسه، ربما وضع في موسوعة غينس إلى جانب استقلال أكبر صحن تبولة وأكبر صحن حمص، وإلى جانب كم أرزة «عاجقين الكون» يغنيها المغتربون والمهاجرون اللبنانيون إلى أصقاع الأرض.

سعيد فخرالدين لماذا قمت بهذا الفعل الشنيع؟ لماذا أفسدت علينا رهجة عيد الاستقلال بدمك الذي سال على تراب الوطن؟ نحن شعب مسالم، نقبل بالأمر المفعول. نتقاسم فتات الاستعمار من دون صراع على الثروة النفطية والمياه والسياحة والمراكز القيادية. نحن طوائف وملل ونحل وعشائر وعائلات، شركاء في الاستقلال عن الوطن.

عميد ركن متقاعد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى