الصمود السوري في 4 سنين عجاف… سقوط مُدوٍّ للمعارضة وأحلافها
د. وفيق ابراهيم
هي أربع سنوات عجاف حتى الآن، أصابت سورية في إنسانها وحجرها بتدمير مخيف، اقترفته تنظيمات إرهابية بدعم مباشر من دول الخليج وتركيا وأميركا وأوروبا. ولأنّ نتائج الصراعات لا تُقاس إلا بإنجاز الأهداف، تعالوا نضيء على ما تحقق من شعارات رفعتها «المعارضات» السورية.
أجمعت على إسقاط النظام السوري كأولوية غير قابلة للنقاش، بدفع سعودي ـ قطري ـ تركي واستجلبت لها واشنطن تأييداً دولياً كبيراً، وبعد أربع سنوات أصبحت هذه المعارضة بالذات إرهابية بقرار أممي، وشكلت الولايات المتحدة حلفاً عسكرياً لإبادتها بالغارات الجوية. ولمزيد من الحيطة والحذر قرّرت أميركا تدريب ما يسمى «معارضة مدنية» في تركيا والسعودية. وهكذا انقرض الشعار الأول للمعارضة.
أما لجهة اتهامها النظام بالمذهبية فهذا أمرٌ مضحك، لأنّ النظام السوري مبني على أيديولوجية قومية واضحة في أداء قيادييه المنتمين أصلاً إلى معظم مذاهب سورية ومناطقها. فالمتهم بالمذهبية هو هذه المعارضة الوهابية التي تكفّر وتستخدم عشرات الأقنية الفضائية لتعميم الفتنة وكبح التقدم ونشر البغاء والشعوذة.
وبعد أن زعموا أنّ النظام متصدّع، لا يزال النظام يمارس حتى اليوم سيادته على القسم الأكبر من سورية، ويقدم الخدمات العامة والأمن. وتنكشف هزالة هذا الاتهام، من خلال تماسك الجيش والإدارة والحكومة، على الرغم من مئات مليارات الدولارات التي أُنفقت لتأمين حركة انشقاقات كبيرة لم تنجح إلا بشراء «حجاب واحد»، وتبيّن للدافعين أنّ سعر الشراء أعلى بكثير من قيمة السلعة «الحجابية».
وزعموا أيضاً، أنّ النظام قاتل للمدنيين، وفي عودة إلى إحصاءات المركز السوري لحقوق الإنسان في لندن المؤيد للمعارضة، نجد أنّ أكثر من ستين ألف جندي ورجل أمن استشهدوا على تراب سورية، إضافة إلى عدد مماثل من المدنيين المؤيدين للنظام. وسقط من المسلحين التكفيريين ومدنيين آخرين مؤيدين لهم أقل من ستين ألفاً. فمن هو المجرم؟ أليس الذي ذبح الأسرى المدنيين ونشر أفلام الذبح على وسائل التواصل كافة؟ أليس الذي يبيع النساء في سوق الجواري والرجال في سوق النخاسة؟ ومن الضروري هنا، إعادة إثارة موضوع استعمال المعارضة للسلاح الكيماوي، وكيف طمست أميركا الأمر.
ويقهقه المراقب عندما يستمع إلى اتهام المعارضة للنظام بالعمالة لروسيا وإيران، لأنّ الجميع يعرف أنّ النظام السوري يأخذ ما يرضيه من اقتراحات حلفائه، ويرفض ما لا يعجبه، وإذا كان النظام في حاجة إلى تقديمات روسية وإيرانية، فإنّ طهران وموسكو تعتبران دمشق حليفاً استراتيجياً لا غنى عنه، لأنه يمنع سقوط الشرق الأوسط في سلة السياسة الأميركية، ويحول دون الاستمرار في محاصرة إيران.
وإذا كانت هناك حاجات متبادلة بين الحلفاء، فما هي أهمية هذه المعارضة بالنسبة إلى أميركا وتركيا، وهي الوسيلة الحصرية لتدمير سورية وإلغاء دورها الإقليمي؟ ومن هو العميل؟ أليس الذي يستعين بالدعم «الإسرائيلي» لمهاجمة بلاده وأهله؟ أليس الذي يتحوّل إلى أداة في يد أجهزة استخبارات متعدّدة؟
ويتواصل السقوط المدوّي لهذه المعارضة في التحاقها بحلف مذهبي إقليمي يريد تأسيس دولة خلافة مزعومة ترفض كلّ المكونات العربية والعلوم الحديثة وأنظمة الحكم المعاصرة والقوانين الوضعية، وتستند إلى ما قاله «الماوردي» في عصر المماليك بأنّ «العلاقة بين الحاكم والمحكوم كالعلاقة بين الراعي والبهيمة»، فكيف يمكن السكوت عن طرح أيديولوجي يصل إلى هذا الدرك من الإسفاف والانحطاط؟
والدليل على انهيار المعارضة، ما يتردّد عن مبادرات تنطلق كالسيل من مصر وعُمان تحمل عدة بنود، وليس البند الأول إلا إعلاناً صريحاً بسقوط الحلّ العسكري ضدّ نظام الرئيس بشار الأسد، لأنه يركز على الحلّ السياسي، مع مرحلة انتقالية لسنوات يمسك خلالها الرئيس الأسد بالأمن الداخلي والوطني، ويشارك بعض أطراف المعارضة المدنية في هذه الحكومة بأسماء كثيرة منها: هيثم مناع، قدري جميل، ومعاذ الخطيب، وهؤلاء أعلنوا استعدادهم بشكل أو بآخر لمقابلة قيادات النظام. ألا يعني هذا ضرورة انتظار انتهاء الولاية الرئاسية للأسد لتنظيم انتخابات لولاية جديدة؟
في معظم الأحيان، نسمع المسؤولين الأميركيين يقولون إنهم لا يهتمّون حالياً إلا بتدمير الإرهاب ويصرّون على قيادة الأسد للعملية الانتقالية، وحين لا يتلقون ردّاً على اقتراحهم يعودون إلى لعبة مهاجمة النظام في تكرار مملّ وكوميدي.
انتهى إذاً عصر المطالبة بإسقاط النظام، وبدأ زمن إسقاط المعارضة، وانطلقت مرحلة التسويات، وإذا كانت دمشق حريصة على عدم مدّ اليد إلى الإرهابيين المتورّطين في سفك دماء السوريين، فإنها لن تقف جامدة أمام مشاركة بعض أنواع المعارضات التي أخطأت التقدير ولم تعتقد أنّ الأمور ستصل إلى هذا الحدّ. واستناداً إلى المنطق السياسي، على تلك المعارضات أن تثبت في أي جهة من سورية تستطيع أن تطبّق وقفاً لإطلاق النار وإنهاء للمعارك، وإلا فما لزوم معارضتها؟
بقي أن نترقب إعلان الانتصار الكامل في مراحل لم تعد بعيدة، وبعد هذه السنوات تستحقّ دمشق تحية احترام وهي تخوض المعركة عن كلّ الأمة، أما المعارضة فنسألها: أين أنتِ؟ وكيف يقبل سوريون وعرب أن يصبحوا أعضاء في كتائب تابعة للمخابرات الأميركية والتركية؟