إعلان يهودية «إسرائيل» يعادل نكبة 1948

د. وفيق ابراهيم

لن يأبه أبطال الضفة الغربية وغزة لإعلان يهودية «إسرائيل» الذي أقرّه مجلس وزرائها منذ أيام عدة.

فتهويد فلسطين المحتلة بالنسبة إلى الفلسطينيين، حدث بعد نكبة 1948 عندما طردت العصابات اليهودية أهلهم من أراضيهم. أما استعادة فلسطينية الدولة، فبدأت مع بدء الانتفاضات الفلسطينية على كامل أرض فلسطين، والتي استأنفت نشاطها المقاوم منذ أسبوع تقريباً، على قاعدة أنّ أرض فلسطين لا تتسع إلا لأهلها وهي الجزء الجنوبي من بلاد الشام.

والمحزن أنّ الدول العربية لم تهتمّ، بدورها، بالإعلان «الإسرائيلي»، ليس لأنها منهمكة في محاربة «إسرائيل»، بل بسبب التواطؤ بين «إسرائيل» والتكفيريين من جهة، والتقاطعات السياسية بين دول الخليج و«إسرائيل» على مستوى العداء لإيران وسورية وحزب الله من جهة ثانية. ولا يستطيع عاقل أن ينكر وجود دول تتقاطع مصالحها عند استعداء إيران وهي السعودية وتركيا و«إسرائيل»، فهذه الدول تعادي إيران بسبب ملفها النووي، ودورها السياسي في بلاد الشام والعراق واليمن، ولا تريد أي اتفاق أميركي ـ إيراني يحرّر طهران من الضغط الغربي.

هذه الدول الثلاث تريد استمرار مقاطعة إيران ومحاصرتها لأسباب تبدأ من خوف «إسرائيل» من استمرار الدعم الإيراني للفلسطينيين وحزب الله، ورعب السعوديين من النفوذ الإيراني في الخليج والمشرق.

أما تركيا، فهي لا تريد دولة في الجوار الجغرافي أقوى منها. والمريب أنّ هذا الإعلان «الإسرائيلي» تقاطع مع تعهّد مصري على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي، بحماية أمن «إسرائيل» إذا سمحت له بإدخال قوات مصرية إلى سيناء.

وفيما يواصل التكفيريون ذبح الناس كالنعاج في سورية ولبنان والعراق واليمن، تبدأ «إسرائيل» عملية تهويد كاملة لفلسطين المحتلة، يُعتقد أنها تتقاطع مع تسوية ترعاها الولايات المتحدة الأميركية، تبدأ باتفاق جديد بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وحكومة «إسرائيل» المغتصبة.

أول مبادئ هذا الاتفاق، إقرار تبادل بين فلسطينيّي 1948 والمستوطنين اليهود في الضفة الغربية، فتصبح «إسرائيل» دولة يهودية صافية. أما المبدأ الثاني، فهو يتعلق بتبادل أراضٍ تؤمّن لـ«إسرائيل» حدوداً مع الأردن مقابل توسيع أراضي الضفة في صحراء النقب، والسماح لها أيضاً بإدارة حدود غزة مع مصر.

أما المبدأ الثالث فيتعلق بحصر القوات المسلحة في الدويلة الفلسطينية بقوات من الشرطة و«الهجانة» لرعاية الشؤون الداخلية. وبوسع هذه الدولة أن تستقبل نحو مليون فلسطيني من أهل الشتات كحدّ أقصى، على ان يكون لـ«إسرائيل» الحقّ في الرقابة المسبقة على وسائل الإعلام الفلسطينية لمنعها من بثّ مواد معادية لها. كما يُمنع تدريس مواد تحرّض ضدّ «إسرائيل» في المدارس والجامعات.

هذا هو المشروع الأميركي الجديد الذي يحظى، كما يدلّ الإعلان «الإسرائيلي»، على موافقة نتنياهو وفريقه الإرهابي، ويبدو أنّ السعودية ومصر وتركيا موافقة عليه. أما الرافضون فهم الفريق «الإسرائيلي» المتطرف أفيغدور ليبرمان والحاخامات الذين يعتبرون كامل القدس والضفة «أراضٍ إسرائيلية توراتية».

وعلى الصعيد العربي، فإنّ حركة الجهاد الإسلامي هي أول الرافضين ومعها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الشعبية ـ القيادة العامة، أما حركة حماس فلا يزال موقفها غير معروف حتى الآن والمرتبط بالموقف العام لحركة «الإخوان المسلمين»، وقد تنضمّ إلى جبهة الرافضين، مهما اشتدّت الضغوطات عليها من الطرفين التركي والقطري، فهذه مسؤولية تاريخية لا تستطيع التقاطعات السياسية أن تؤثر فيها. وكيف يجرؤ فلسطيني على بيع بلاده باسم الدين؟ أليست فلسطين هي أرض المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وهل في الإمكان تجزئة القدس مسرى النبي محمد، وهي واحدة من أكثر المدن قدسية عند المسلمين والمسيحيين؟

للمرة الأولى منذ العام 1948، يسود شعور بالخوف على فلسطين وقضيتها، والسبب هو حاجة واشنطن إلى إقفال هذا الملف بالتضامن مع حلفائها الخليجيين والأتراك، وذلك للتفرّغ لإنتاج حلف عربي ـ إقليمي بما فيه فلسطين متعاون مع «إسرائيل» لتحقيق الأغراض التالية:

ـ التفرّغ لإسقاط النظام السوري.

ـ ضرب حزب الله.

ـ تهميش الدور السياسي الإيراني في الشرق الأوسط.

ـ إعادة العراق إلى الحماية الأميركية والفدرالية.

ـ هزيمة الحوثيين في اليمن.

ـ تشكيل كتلة عربية كبرى وشرق أوسطية للوقوف في وجه الروس والصينيين.

هذا ما يراد من يهودية الدولة «الإسرائيلية»، وهذا ما يسعى إليه الأميركيون والسعوديون، غير أنّ القوى الرافضة لا يُستهان بها، وهي قوى فلسطينية وسورية ولبنانية ويمنية وعراقية، مدعومة من الروس والإيرانيين والصينيين، هؤلاء يجتمعون لمنع جريمة تاريخية لن تقتصر أضرارها على فلسطين، بل قد تتعداها إلى مجمل المنطقة وقضاياها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى