مؤتمرات… مؤتمرون مؤامرات… متآمرون!

محمد ح. الحاج

أقرأ في الزمن البائس صفحات صفراء بيضاء أو مزركشة بالصور، أو ربما ملوّنة بالأحمر القاني، السوريون أصبحوا على كلّ الصفحات، سوريون بلا حدود…!

مؤتمرات قومية عربية قومية إسلامية! أحزاب عربية ومنظمات مدنية أغلبها يحمل يافطة الإنسسانية، أطنان من الكلمات لو كان للكلام مكيال أو وزن، رغم ذلك تتفاقم الأزمة السورية وتتجه إلى المجهول، ملايين البسطاء من هذا الشعب أصبحوا سلعة تتاجر بها العصابات والدول، وبعضها يضع شروطاً تحدّد سنّ قبول المُهاجر وكمية الدولارات أو اليورو التي يحملها وإتقان اللغة! لينال نعمة اللجوء… أما الدول التي فتحت مصاريعها، وهي هنا دول الجوار، فقد باشرت المتاجرة منذ اللحظة الأولى وربما قبل أن تبدأ الأزمة، السوريات جميلات، مثقفات، والدنانير الخليجية أكداس أكداس، وتجار الرقيق الأبيض لم يبتعدوا عن حدود المخيمات، شرف ما بعده شرف، يفاخر به من يسمّون أنفسهم قادة المعارضة في الخارج، لا يعرف معنى الكرامة من لا يعرف معنى الشرف! اقلب الصفحة.

أنا شاب سوري وصلت أوروبا… تعرّضت للنصب، فقدت أموالي، النجدة! بل نحن مجموعة من الشباب، حوالى العشرين نتجمّع في الاسكندرون، نخطط لاستئجار مركب خاص يبحر بنا غرباً، من يرغب في المشاركة يمكنه التواصل معنا عبر الواتس أب! وآخر يصرخ: دخلت حدود… وعندما تفاجأت بالبوليس أرادوا التدقيق في أوراقي، هربت، وما إنْ أمسكوا بي حتى نلت علقة ساخنة بالهراوات، لم يبق معي مال… هل من يساعدني؟

في غربستان مؤتمر لأصدقاء سورية، وفي شرقستان مؤتمر لأصدقاء سورية… الغربستانيون يبحثون عن مخرج وحلّ سلمي للأزمة، والشرقستانيون كذلك وفي نفس الاتجاه! ما الذي يمنع أن يجتمع هؤلاء وأولئك للاتفاق على هذا المخرج، والطرفان يؤكدان على السلمية…، لا، أكيد أنّ أحدهما يكذب، يقول عبد الودود، في غربستان مؤامرات ومتآمرون، وفي شرقستان… مؤتمرون، أما في قلبستان فالأمر مختلف تماماً، لا أحد يبحث عن حلّ سلمي أو غير سلمي، هناك ما هو أكثر أهمية، البحث عن اللقمة، عن الدفء، عن ملجأ آمن يطرد الخوف من الموت أو الخطف، وعلى الهامش نمت طفيليات من كلّ الأنواع، حيتان للمتاجرة بكلّ شيء بما في ذلك الإنسان، الكهرباء، الغاز، المازوت، وحتى البنزين، أسواق سوداء… لقد نجحت الحكومة في توفير مستلزمات المواطن بعد بذل جهود جبارة… يقول وزير التموين! يعلق أحد الحضور نعم سيدي… اسطوانة الغاز متوفرة دوماً مقابل أربعة آلاف ليرة وأحياناً أكثر، والمازوت… اغرف ما شئت بمائتي ليرة! أسعار الدولة ليست سارية المفعول حتى في المناطق الآمنة إذ امتهن البعض أسلوب وضع اليد بقوة السلاح على نصف الكمية المخصصة للمنطقة لتنتقل إلى مخازن تجارة حرة… تحت حراسة مشدّدة، وإن لم يعجبك… روح بلط البحر! أما الكهرباء فالخزانات لا تحتمل ساعة وصل يا زمان الوصل لأنّ الحمولة التي تنتظر أكبر من طاقتها فتنفجر، كلّ الأدوات تنتظر لحظة الوصل، السخان والمدفأة والغسالة كلها قيد الانتظار، ويعجز جمل الكهرباء عن النهوض بحمل هو أضعاف طاقته… وهكذا يبقى جاثياً على ركبتيه… يقول حمدان! البطاريات لا تعمل لأنّ أجهزة الشحن لا يصلها التيار الكهربائي لزمن كاف، والمولدات المحلية لا تجد ما يسدّ رمقها من الوقود…، الماء كلّ أسبوع مرة، فالخزانات لا تمتلئ بسبب انعدام وقود المحركات، والكهربائية منها لا تجد التغذية الكافية… دائرة مغلقة! اقلب الصفحة.

على المقلب الآخر، الحال ليست بأفضل، صراع الاخوة الألداء، العقيدة ليست هي الرباط المقدس، هي المصالح والصراع على النفوذ و… الثروة، وحده المواطن المسكين الذي بقي في بيته يدفع الثمن مضاعفاً، إما يُساق إلى السخرة أو يدفع كلّ ما يملك ليسلم بنفسه وبأسرته، ودولة «داعش» تتقدم في بعض مناطق العراق، وتتمدّد في الشام وتعلن أنّ هذا هو الردّ على التحالف الغربستاني… قادة «داعش» يدركون أنها المسرحية وأنّ نصوص الفصل الراهن تبعث على الفرح في أوساط الحلف الغربستاني… يقول عبد الودود: أنا أدرك الحقيقة منذ ما قبل البداية، لكن أحداً ما كان ليصدقني، عليكم اليوم أن تستغفروا ما لم يستغفره أحد من قبل، وأن تعوذوا بما لا تعرفون! هي المرثاة، لكنها سورية بحتة، هي مقطوعة من موسيقى حزينة أقرب إلى معزوفة نينوى، لكن الفرقة ليست ألمانية بل هي متعددة الجنسيات، السوري، صفة تبعث على…!! هل أقول الخوف، الرعب أم القرف؟ حتى عند بعض الأشقاء اللبنانيين أصبح السوري ضيفاً غير مرغوب فيه، تراه يتجه نحو الحدود بسيارته الفخمة، يحمل عائلته، جيوبه عامرة بأنواع العملات، يقصد بيروت أو غيرها ليرتاح بضعة أيام، طبيب، محام، أستاذ جامعي، رجل أعمال، صناعي، تاجر… هؤلاء الذين يحركون أسواق بيروت ومولاتها، ويعودون إلى الشام بما يفتقدون في أسواقها، أصبحوا يتلقون المعاملة غير اللائقة، وكلمات الإهانة وربما بعض الشتيمة، قلنا قبلاً ونقولها ثانية، ليس كلّ سوري يتجه نحو الحدود اللبنانية هو متسوّل أو طالب معونة، وليس بالعسير استكشاف القادم وهويته وسويته من نظرة أولى، القادمون هؤلاء لا يشكلون عبئاً على الاقتصاد اللبناني، على العكس، تعمر بهم فنادق بيروت، ينفقون الأموال في مقاهي ومطاعم العاصمة أو باقي المدن اللبنانية، وما علينا إلا أن نحسن معاملتهم فالسياحة الداخلية مردودها ليس أقلّ من السياحة الخارجية، حتى بعض المهاجرين الذين يحملون بطاقات سفر على خطوط تقلع من مطار بيروت لم تكن معاملتهم على سوية مقبولة، فالفتاة التي تسافر للتحصيل العلمي لا بدّ أن يرافقها الأهل للوداع والاطمئنان، وربما تسافر للمرة الأولى، فكيف يفرض عليها متابعة السفر وحيدة ويتمّ رفض دخول الأهل، أيها السادة… هؤلاء سيعودون حتماً، بل هناك حل بسيط… تحديد مدة الزيارة لأسبوع مع ضمانة… البعض يراجعون للاستشفاء… وهكذا… الأمثلة كثيرة… اقلب الصفحة.

لن نتخلى عن مسؤوليتنا في ضمان أمن العالم! يقول هاغل وزير الدفاع الأميركي المستقيل ! هل يكون ضمان الأمن العالمي عن طريق إشعال الحروب وإسقاط الحكومات الوطنية، وفرض قيادات على الشعوب لا يرغبون بها؟

بالأحرى لماذا تكون أميركا هي من يفرض أمن العالم وليس التعاون بين دول العالم، والجواب هو: المصالح، الاحتكارات، النهب العالمي، رأس المال الجشع، اقتسام مناطق النفوذ… وهذه الأخيرة أصبحت مرفوضة بموجب شريعة الغاب الأميركية المستندة إلى حق القوة، حكومات الظلّ، المتنورون… العائلات السبع، الماسونية العالمية، الصهيونية التي شعارها الوحيد ضمانة واستمرار المشروع الصهيوني ولو أدّى إلى احتراق العالم بعيداً عن الكيان، هكذا نقرأ في تلمودها… احرقوا «بابل الزانية»، والمعادلة النهائية: لا لسورية الطبيعية، نعم «لإسرائيل الكبرى»، ألم تتضح الصورة يا معارضات الخارج؟ أيها الوالغون في العمالة والتواطؤ؟ وبماذا تختلفون عن تجار الهيكل الذين باعوا أنفسهم بثلاثين من الفضة؟

أغلق الدفتر فالقراءة عادة طارئة، لكننا يجب أن نعتادها ونمارسها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى