نقوش على جذع زيتونة… الحب سلّم موسيقي… مملكة أشجار وألوان

نصار ابراهيم

الحب سلّم موسيقيّ مفتوح على احتمالات القلب والروح والوعي. وفي سياقات الحياة نعزف عليه ما تيسّر من ألحان في محاولة لتأليف مقطوعاتنا الخاصة، نقترب منه نلامس مفاتيحه نداعبها… فيكون اللحن الذي قد يأتي على شكل مطر هادئ يدوم طويلاً أو كعاصفة تبرق وترعد وتعصف، تفجّر السيول وتجرف تربة القلب، وفجأة يخمد كلّ شيء… قد يشبه نيسان في حضوره، تحفّ به البهجة والألوان بعفويتها وطبيعتها، وأحياناً يتقدّم كأيلول ببهائه مع مسحة من حنين بين حضور ورحيل، أو يحضر كصيف تموزيّ فلا نستطيع معه الوقوف أو الجلوس أو النوم، وربما ينسدل كصقيع كانوني حيث يستنزفنا ونحن نحاول أن نسدّ الثقوب والنوافذ والأبواب كي نحتفظ ببعض الدفئ. وقد يكون إيقاعه سريعاً كجمعة مشمشية ثم يغيب بعدها حتى الموسم المقبل، وقد يكون حزيناً كناي شرقيّ أو متداخلاً ومعقداً كمقطوعة بيانو، وربما يكون حنوناً رشيقاً كرقص الكمنجات أو طروباً كهديل العود، ربما يصدع كطبل أو يحملك نحو الشوق على أوتار القانون. وفي حالات يختلط اللحن كفرقة نحاسية صاخبة، وهكذا نمضي بين إرهاق واستمتاع وحزن وبهجة وحنين وفرح وغضب ويأس وأمل وخيبة.

كما يشبه الحبّ أيضاً الأشجار، حيث يحتاج كلّ نوع منها إلى كمية ماء ونوع تربة وبيئة وحرارة ورطوبة وضوء معيّن، بعضها يكتفي بماء المطر، وبعضها يحتاج لأن تسقيه كلّ يوم. بعضها إنْ زدت الماء ذبُل وآخر يعشق ضوء الشمس إنْ زرعته في الظلّ رحل. فيما بعضها يحتاج إلى ظلّ ورطوبة لينمو، وبعضها تناسبه الثلوج، وبعضها لا يجد ذاته إلا في الصحراء وجفافها. بعضها استوائيّ وبعضها مداريّ، بعضها يهوى الجبال وبعضها يراوغ عند السفوح، والآخر لا يغادر السهول. بعضها يعطي ثماراً وبعضها جمالاً وبعضها خشباً، بعضها عطريّ وبعضها شوكيّ، بعضها يلقّح ذاته وبعضها يحتاج إلى تدخل خارجي، وبعضها كالعلّيق إنْ مددت يدك إليه أدماك. بعضها سامق وبعضها متسلق وبعضها زاحف وبعضها يغوص في التراب، بعضها طفيليّ وبعضها كريم.

والحب أيضاً مزيج مدهش يغطي مساحة الألوان كلها بظلالها وضوئها وتدرجاتها اللانهائية. إذن هو الحب هكذا، اشتغلت به الآلهة والكائنات وبقي منفتحاً على احتمالات الناس، منذ إنسان الكهف ذهاباً نحو أعماق المستقبل. هو الحبّ هكذا منفعل وفاعل، مشاغب وملتبس، قلق ومقلق لا يستقرّ على حال… والذكيّ الذكيّ من يدرك نوع الحب الذي يناسبه. فقد يكون اكتشافاً لنوع جديد، ومع ذلك ستبقى الاحتمالات والمراوغات مفتوحة على كامل المساحة الممتدة بين جنون قيس وأذن فان كوخ المقطوعة! وللنقوش بقية تتبع بالتدريج .

صفحة الكاتب: https://www.facebook.com/pages/Nassar-Ibrahim/267544203407374

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى