ثقافة الاستشهاد

إلى شهداء «المنار» حمزة وحليم ومحمد

نظام مارديني

لا يبدأ الاستشهاد من الشجاعة على رغم أنه لا يكون إلا بها.

ولا ينتهي فقط إلى البطولة على رغم أنه لا يكون إلا بممارستها.

بين الشجاعة والبطولة قرابة الوعي.

بين الشجاعة والوعي قرابة الثقافة.

بين الثقافة والوعي قرابة العقيدة.

الشهادة إذاً بطولة واعية، وإيمان بقضية تخفق في وجدان المرء ليصير في لحظات الوجد طاهراً شفافاً نفاذاً كالضوء.

الشجاعة من دون البطولة تهوّر مجاني، ولا بطولة من دون شجاعة.

والشهادة الشجاعة البطلة هي إحساس بقيمة الذات وأهميتها في المجتمع، وإحساس بالمجتمع… قيماً ومناقب ومصالح حياة أفضل.

إنها فعل إيمان بقيمة الأمة وأهمية وجودها، ولأنها تنطلق من سمو الغايات وتمضي إلى سمو النهايات. فهي فعل الإيمان المؤيّد بصحة القضية، وفعل القضية المؤيدة بصحة الإيمان.

الشهادة هي جمال التضحية وإنكار الذات إكراماً لقيم الحياة وفلسفتها، متى كانت الحياة طريقاً إلى عز المجتمع وشرف الأمة ومجد راياتها، لذلك، الشهيد يختصر كل معاناة شعبه في وقفة عز جليلة.

كثيرون هم الذين يموتون، لكن القليلين منهم يظفرون بشرف الموت من أجل قيم الحياة.

شهداؤنا هم براهين نيّرة على عقيدة عشق الموت متى كان الموت طريقاً إلى الحياة. فنداء الأرض هتاف مقدس لا يتلقاه إلا أولئك الذين تخفق في صدورهم قيم الحق والخير والجمال، حق الأمة في عزة أبنائها وخير مجتمعها، وجمال وجودها، تصنع التاريخ والحضارة، وتعطي للإنسانية فضاءها الجديد.

شهداؤنا… نبتوا كالرياحين في أرض الوطن، أزاهير طاهرة في سهوله وجباله. عندما ناداهم الواجب طاروا إلى الجهاد بأجنحة الوعي والعقيدة، أمطروا تراب الوطن بذكي دمائهم، وحلّقوا بعيداً، هناك في السماء، نجوماً وأقماراً تنير للأجيال المقبلة الطريق إلى الحرية.

شهداؤنا هم رموز قيمنا. شرف دمائهم يعلمنا في كل لحظة أن الحياة وقفة عز لا يعرفها الأذلاء والضعفاء. وأن الاستشهاد ثقافة مجيدة، وقيمة راقية من قيم الشعوب الناهضة إلى قمم المجد والخلود.

خلجة

في وداع شهداء المنار، شهداء معلولا:

لا، لا، لن ينتصر شبح الموت على ضوء الحياة… صحيح أن براثن الموت لا يستطيع كبحها أحد، ولكنها الحياة الأبدية التي تمنح فسحة كبيرة للملائكة، كي تجهز بسرعة الضوء على كبار النفوس وهم يحلمون بغد أفضل.

أقول هذا ليس لأن الروح ما عاد فيها متسع للحزن أو أن العين ما عاد فيها متسع للبكاء، بل لأن حمامات الجنة وأحبة الناس ورموز الإبداع لا يموتون.

في وداع زملاء المهنة، حمزة الحاج حسن وحليم علوه ومحمد منتش، ليس لنا إلا أن ننحني احتراماً لشهادتهم ورحيلهم الصاخب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى