قانون «الدولة القومية لليهود» واستهدافاته

رامز مصطفى

في ختام جلسة الحكومة «الإسرائيلية» الأخيرة، صرّح بنيامين نتنياهو قائلاً: «القانون أكد أنه لا توجد حقوق قومية في إسرائيل، إلاّ للشعب اليهودي»، وأضاف: «جاء القانون لكي يخلق توازناً بين ديمقراطية الدولة ويهوديتها». تصريح نتنياهو جاء بعد مصادقة حكومته في جلستها الأخيرة على تعريف الكيان على أنه «الدولة القومية للشعب اليهودي»، بأغلبية 14 وزيراً في مقابل 6 معترضين ووزير ممتنع.

المصادقة على القانون في هذا التوقيت وتحويله إلى «الكنيست» من أجل إقراره ولو في قراءته الأولى كخطوة متقدمة على طريق إقراره في القراءة الثانية. إنما ينطوي على الكثير من المخاطر التي تستهدف الفلسطينيين بشكل مباشر. وبالتالي التعمّد في تأزيم وتعقيد الأوضاع التي وصلت إلى مستويات مرتفعة نتيجة السياسات والممارسات التعسفية الإجرامية لحكومة الكيان على امتداد الوطن الفلسطيني، في مناطق العام الـ48، وفي القدس والضفة، وقطاع غزة. ومن ثم لا يقف هذا القانون عند الاستهداف المباشر للفلسطينيين في عناوين قضيتهم وحسب، بل لا يخلو الأمر من استخدامه مادة انتخابية في الكيان، ومزايدة بين مكونات أحزاب الكيان وائتلاف حكومة نتنياهو.

ويذهب قانون «الدولة القومية» العنصري إلى ما هو أبعد من الحدود الجغرافية لفلسطين المحتلة، ليصل في رسائله إلى قاعة المفاوضات في جنيف، والتي انتهت قبل أيام بتمديد العمل في الاتفاق المبدئي بين إيران ودول 5 + 1 حول الملف النووي الإيراني. وفي مقدمة كلّ هؤلاء الولايات المتحدة الأميركية المعنية المباشرة في العلاقة التي لا تنفصم مع الكيان. بمعنى أنّ نتنياهو «وهو الذي يدرك أنّ الاتفاق النهائي مع إيران أصبح في حكم المنتهي والمتفق عليه» – أراد إيصال رسالة في مضمونها ابتزاز مكشوف، ومفادها أنه مقابل التوصل إلى اتفاق نهائي حول النووي الإيراني قبض أثمانا سياسية وعسكرية وإمكانيات مادية وتجديد الالتزام بأمن «إسرائيل» وإبقائها متفوقة، وصفقة تزويد الكيان بطائرات F 35 المتطورة تأتي في سياق التزام الإدارة الأميركية بالتفوق العسكري «الإسرائيلي» في المنطقة.

و«قانون الدولة القومية» بصيغتيه سواء «لنتنياهو أو إلكين وشاكيد»، وما يحمله في طياته من مخاطر، حيث يستهدف مباشرة فلسطينيّي مناطق العام الثمانية والأربعين، فالكيان يشهر بذلك سيف عنصريته، في تكريس فاضح وسافر لهذه السياسة العنصرية التي يمارسها الاحتلال منذ عقود ضدّ سكان المدن والقرى من الفلسطينيين، الذين يُعاملون سكان من الدرجة الدنيوية.

والقانون الذي يجهد أصحابه ومؤيدوه ويعملون لتسويقه داخل أروقة «الكنيست الإسرائيلي»، في حال نجاحهم وحصول الموافقة عليه، وإقراره في القراءتين الأولى والثانية، من شأنه أن يبدّد حقوق الفلسطينيين الجماعية التي سيحوّلها إلى حقوق فردية، والتي ستكون بدورها معرّضة للانتهاك والسلب عند أيّ حجة أو مسوغ يختلقه «الإسرائيلي» ضدّ أي مواطن فلسطيني بما فيها سحب الجنسية «الإسرائيلية»، وهذا ما حصل مع زوجة وأبناء الشهيد غسان أبو جمل أحد منفذي العملية البطولية ضدّ الكنيس اليهودي في القدس المحتلة، حيث قرّر وزير الداخلية الصهيوني جلعاد ارادن سحب بطاقة الهوية المقدسية منهم، وإسقاط مستحقاتهم المالية والاجتماعية، ومن ثم إبعادهم. لأنّ القانون يحفظ ويكفل فقط حقوق اليهود دون غيرهم. وهذا ما أشار إليه أيال غروس الأستاذ في القانون، حين قال: «عملياً قانون الدولة القومية، هو يشكل أساساَ قانونياَ للتميّز العنصري، لأنه يحرم الفلسطينيين من إمكانية الحصول على أراض من الدولة، وهو التفاف على قرار «محكمة العدل العليا في إسرائيل» العام 2000، الذي منع الدولة «أن تكون عنصرية في تمييزها لجهة حق الفلسطينيين في الاستفادة من هذه الأراضي». و»إسرائيل» بموجبه تشرّع الاستيطان والبناء لليهود من دون القوميات الأخرى. وبالتالي القانون اليهودي في بعده الديني، من شأنه أن يفتح الطريق أمام التشريعات والمحاكم أن تستند وتعتمد على هذا البعد. الأمر الذي سيُسرّع في تحويل الصراع من سياسي إلى ديني، وهذا ما تعمل عليه المدارس التلمودية والحاخامات في الكيان.

ولن يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل سيطال حق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم التي طردوا منها عام 1948، على خلفية أن الفلسطيني من حقه العودة إلى أراضي دولته الفلسطينية المفترضة، أو إلى أراضي السلطة، وهي بدورها عودة مشروطة في تنازل هذا الفلسطيني عن حقه في العودة. وهذا ما حاولت تمريره حكومة نتنياهو، عندما طالب رئيس السلطة السيد محمود عباس، السماح بعودة الفلسطينيين النازحين من مخيمات سورية بسبب الأحداث هناك. اشترطت «إسرائيل» أنّ الراغبين في القدوم إلى أراضي السلطة وتحديداً في الضفة الغربية، عليهم أن يوقعوا على وثائق يتنازلون بموجبها عن حق عودتهم إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها العام 1948. وهذا الأمر سيشرّع أبواب فلسطين أمام هجرة اليهود فقط، وسيلاحق هذا القانون حال إقراره اللغة العربية ليُسقط مكانتها الرسمية التي تمتعت بها على مدار 66 عاماً. وهذا بالتالي سيوغل عميقاً في المناهج التعليمية التي هي في الأساس عرضة لتزييف الحقائق التاريخية والدينية والثقافية، أنّ فلسطين وطن الشعب الفلسطيني، وبأن لا سند تاريخيا أو دينيا في أنّ فلسطين هي «أرض ميعاد اليهود»، بحسب إدّعاءاتهم الباطلة، وكأنّ الرب يعمل لديهم سمساراً أو دلالاً عقارياً.

المؤسف في هذا السياق أنّ اتفاقات أوسلو التي أرجأت البت في ملف العودة واللاجئين إلى مفاوضات الحلّ النهائي، وما تلاها من مبادرات ورؤى ومشاريع بخصوص حق العودة، ووثيقة «أبو مازن – بيلين»، ومبادرة السلام العربية العام 2002 وغيرها، قد يُسهل أمام «الإسرائيلي» مهمة شطب الحق التاريخي للفلسطينيين.

ومهما حاول نتنياهو والذين يقفون خلف القانون العنصري المقترح تزيينه، في أنه لا يتناقض مع القيم الديمقراطية «الإسرائيلية»، التي لطالما تغنّت بها، على أنها الواحة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة. ها هي اليوم وبعد ستة عقود على جريمة اغتصابها الأرض الفلسطينية، تكشف عن ستر عورتها، وتسقط القناع عن وجهها القبيح، وتؤكد على حقيقتها العنصرية البغيضة، وأنها كيان يعتمد سياسة الفصل العنصري «الأبرتهايد»، والحديث عن تقديم الضمانات في أنّ المساواة لغير اليهود ستبقى مصانة، ما هو إلاّ ذرّ الرماد في عيون المجتمع الدولي. لأنّ هذا القانون في محصلته النهائية يحوّل أرض فلسطين إلى «دولة للشعب اليهودي».

وإلى أن يُقرّ قانون «الدولة القومية لليهود» في الكنيست. يبدو أنّ الموقف الرسمي للسلطة ومنظمة التحرير سيبقى للأسف يتسم بالتردّد والتلكّؤ في الردّ على خطوة حكومة نتنياهو، التي ستزيد من حجم التحديات المتعاظمة في وجه الفلسطينيين وقضيتهم بعناوينها والمستهدفة مباشرة من وراء هذا القانون الذي سيُشرّع سياسة قائمة على التهميش والإقصاء للفلسطينيين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى