موسكو ـ دمشق: الدستور والرئاسة والجيش والانتخابات ثوابت التسوية الثلوج تدخل «النصرة» موجة التصعيد الجديدة… تهديدات وقطع طرق

كتب المحرر السياسي:

دخلت محادثات دمشق موسكو مع زيارة الوزير وليد المعلم والوفد المرافق، في صياغة أسس الحلّ السياسي، انطلاقاً من تبنّي ودعم الإطار الذي رسمه تفاهم الرئيس بشار الأسد مع المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا للحلّ الأمني، وتقديم مشروع خاص بحلب كنموذج قابل للتعميم.

إطار الحلّ الأمني يعطي الأولوية لضبط الحدود الدولية وفقاً للقرارات الصادرة عن مجلس الأمن، المعادلة لا مال ولا رجال ولا سلاح من دول الجوار إلى سورية، وانسحاب المسلحين ومظاهرهم وتسلّم الشرطة مسؤوليات الأمن، ودخول العملية السياسية والتسويات الشخصية لمن يرغب، وتسهيل الرحيل لمن يرغب، أو الاندماج في الحرب على الإرهاب التي يخوضها الجيش السوري.

أما الحلّ السياسي، فمعياره الشأن السيادي الذي يكرّسه الدستور السوري، والذي يشكل منطلقاً لاستيعاب أيّ تسوية وفقاً لتنظيمه للمؤسسات وآلية انبثاق السلطة وما لحظه من آليات لتعديل الدستور نفسه، المحطة السياسية الفاصلة هي الانتخابات النيابية في ربيع عام 2016 بعد عام ونصف، وهو الوقت اللازم للاستعداد الانتخابي لمن يرغب فعلياً بحلّ سياسي، ووفقاً لحصيلتها، تملك الأطراف الممثلة في البرلمان الجديد وفقاً لأحجامها أدواراً ولها أن تستثمر الأدوار التي خوّلها الدستور بالقيام بها بمعيار أحجامها ليسير كلّ شيء بسلاسة، فمن يحصل على ثلثي البرلمان يمكنه الشروع في تعديل الدستور بأيّ من مواده، ومن يملك النصف وما فوق دون الثلثين يستطيع تسمية رئيس حكومة والتحكم بالغالبية الحاكمة في البرلمان تشريعاً والحكومة تنفيذاً، ومن يملك أقلية ما دون هاتين الغالبيتين، تفتح له أبواب المشاركة بحجم ما يمثل في حكومة ما بعد الانتخابات للمشاركة في مصالحة وطنية شاملة.

الرئاسة السورية حسمتها صناديق الاقتراع ويكرّسها الدستور وليست موضوعاً للمفاوضة، من يملك ثلثي البرلمان المنتخب يملك حق التحرك لتعديل الدستور عندها، ومن ضمن مواد الدستور الولاية الرئاسية، والصلاحيات الرئاسية، وفي ما عدا ذلك يكمل الرئيس ولايته الدستورية بصلاحياته، وحتى من يحوز الغالبية المطلقة أيّ النصف زائداً واحد دون الثلثين، عليه ارتضاء التعايش مع الرئاسة وفقاً لمدة ولايتها بانتظار الانتخابات الرئاسية المقبلة، وبكامل صلاحياتها الدستورية.

حتى تحين الانتخابات مهمة الحوار تكريس الحلول الأمنية التي تقدّمها مبادرة دي ميستورا، والتمهيد لحكومة موسعة تضمّ ممثلين للمعارضة، تتولى الإعداد القانوني والعملاني اللازمين تمهيداً لانتخابات عام 2016 وعندها الصناديق هي من يقرّر.

الرئاسة والجيش والدستور والانتخابات هي مسلّمات الحلّ السياسي والأمني، هذه هي خلاصات تفاهمات موسكو وما دونها قابل للبحث.

الرئاسة في لبنان أيضاً محور البحث لكنها ليست من المسلمات ولا الدستور كذلك، ولا الجيش أيضاً، وصناديق الاقتراع مخطوفة بالتمديد النيابي، ويبقى الحوار طريقاً لنافذة أمل محورها عدم الوقوع في الفتنة ولو فشلت مساعي الحلول وبقي الجمود.

هذا الجمود السياسي على المستوى الرئاسي، بدأ يشهد فكفكة باردة مع الآمال المعقودة على الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل، الذي أعلن الرئيس سعد الحريري أنه موضوع على نار حامية، بلا شروط لكن بلا آمال كبيرة، بينما حسم إطار البحث الرئاسي بمرشح توافقي لكلّ من العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع الكلمة الفصل فيه وفقاً لمعادلة «طريق بعبدا تمرّ من معراب والرابية»، مستبعداً عملياً الرئيس أمين الجميّل كناخب وليس فقط كمرشح، على رغم تعابير المواساة التي مرّرها له في سياق الحديث.

في قلب هذا التطوّر المتوقع، مع المناخات الدولية والإقليمية الجديدة، المواجهات العسكرية مع المجموعات المسلحة تتصاعد في أطراف حلب ودرعا، والضغط الذي يمثله موسم الثلوج بدأ ينتج مفاعيله على الجبهة اللبنانية لحركة «النصرة» و»داعش» نحو الخارج، فعادت التهديدات بذبح العسكريين، والضغط على أهاليهم بقطع الطرق بدءاً من اليوم.

في هذا السياق تواكب تهديد أهالي العسكريين المخطوفين بتصعيد خطواتهم اليوم عبر قطع طرق في العاصمة، مع تصعيد مماثل لـ«جبهة النصرة» التي أمهلت الحكومة 24 ساعة «للبدء بمفاوضات جدّية وإلا نفذت حكم القتل بحق أحد الأسرى».

واعتبرت النصرة في بيان تحت عنوان «الإنذار الأخير»، أن «مطالبة الحكومة اللبنانية بالحفاظ على سرية المفاوضات يهدف إلى المماطلة وإخفاء هيمنة الحزب على القرار الحكومي أمام الشعب اللبناني».

وتابعت: «إن أرادت الحكومة أن تثبت جديتها في المفاوضات فعليها إطلاق سراح جمانة حميد كبادرة حسن نية، متهمة حزب الله بأنه «الطرف الوحيد الذي يعرقل المفاوضات بملف العسكريين».

بدورهم أكد أهالي العسكريين أنهم سيقطعون كل مداخل العاصمة بيروت عند الساعة الثامنة من صباح اليوم، مطالبين الحكومة بأن «تتعاطى مع تهديد جبهة النصرة بمسؤولية وأن تعلن عمن يعرقل المفاوضات وسنحملها مسؤولية قتل العسكريين».

الحكومة: لا مقارنة بين العسكريين وأسير حزب الله

أما الحكومة فردت على الدعوات للتعاطي مع قضية العسكريين مثلما تعامل حزب الله مع قضية أسيره الذي حرره قبل يومين، فاعتبر رئيس الحكومة تمام سلام، خلال جلسة مجلس الوزراء في السراي الحكومي، أنه «لا يمكن المقارنة بين مقايضة أسير حزب الله وملف العسكريين المخطوفين»، مؤكداً في الوقت عينه «الاستمرار بالمفاوضات في ملف العسكريين بغية تحريرهم».

بدوره، أكد وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمد فنيش لـ«البناء» هذا الموقف، مشيراً إلى «أن عدد العسكريين المخطوفين أكبر والجهات الخاطفة مختلفة»، لافتاً إلى أن «هدف جبهة النصرة وتنظيم داعش تحصيل مكتسبات من الدولة اللبنانية، وهذا يظهر من خلال المطالب والشروط التعجيزية التي يضعونها، في حين أن موضوع تحرير الأسير عماد عياد محدود وميداني، ولا يمكن للجيش الحر أن يطلب أكثر مما حصل عليه».

وأكد فنيش «أن الحكومة ليست مقصرة، فخلية الأزمة برئاسة الرئيس سلام تعمل، ومدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، لإطلاق سراح العسكريين»، ومن الخطأ الإيحاء أن هناك مشكلة بين أهالي العسكريين والحكومة، لأن المشكلة الحقيقية هي ضد الخاطفين في مطالبهم غير المعقولة».

ووسط تمايز المواقف بين الحكومة والأهالي يبقى الانتظار سيد الموقف حتى جلاء صورة التطورات في هذه القضية خلال الساعات المقبلة.

من جهة أخرى، وفي إطار مواكبته الحملة التي فتحها وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور على المؤسسات المخالفة لمعايير السلامة الغذائية، قرر مجلس الوزراء تشكيل لجنة تتابع المواضيع المتعلقة بهذا الموضوع وما تقتضيه من تنسيق وتدابير.

مشادة بين المشنوقين حول النفايات

وشهدت الجلسة بحسب ما علمت «البناء» مشادة بين وزير البيئة محمد المشنوق ووزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق على خلفية ملف سوكلين الذي طرح في بداية الجلسة من خارج جدول الأعمال. فقد رفض وزير الداخلية كل ما قامت به اللجنة الوزارية في خصوص دفتر الشروط المتعلق بجمع وكنس النفايات، ليتدخل الوزيران أكرم شهيب وأبو فاعور ويؤكدان ما كان شدد عليه النائب وليد جنبلاط في الأسبوع الماضي وهو رفض المزيد من التأخير في بت ملف مطمر الناعمة. ولفت شهيب وأبو فاعور إلى أن الحزب التقدمي الاشتراكي لن يتدخل بعد الآن لمنع الاعتصامات الشعبية التي ستتحرك بهدف الضغط لإنهاء هذا الملف الذي تأخر كثيراً. في حين أشار وزير التربية والتعليم العالي الياس بوصعب إلى «أن النقاش الدائر أعادنا إلى نقطة الصفر، لأن وزير الداخلية غير موافق على ما قامت به اللجنة». وقال: «إذا كنتم تريدون التمديد لعقود سوكلين، فإن لا مطمر تذهب إليه سوكلين، وهذا يعني أننا ذاهبون إلى كارثة».

وتم تأجيل بند الجامعات الخاصة مجدداً عتراض وزراء الكتائب على قاعدة «خالف تعرف»، إذ أشارت مصادر وزارية لـ«البناء» إلى «أن وزراء الكتائب آلان حكيم وسجعان قزي ورمزي جريج، اعترضوا على إنشاء كليات للصيدلة في الجامعات الخاصة بحجة أن المتخرجين الصيادلة أكبر من سوق العمل، مع الإشارة إلى أن الكثير من المتخرجين يسافرون للعمل في الخارج».

ولفتت المصادر إلى لقاء سيعقد بين حكيم وبوصعب بعد أسبوعين للبحث في هذا البند، متوقعة أن يتم الترخيص لكليات الصيدلة في جلسات مجلس الوزراء المقبلة، واعتبرت أن «ما يطرحه الكتائب ليس منطقياً، فهناك نسبة 50 في المئة من الصيادلة في لبنان أتوا بشهادتهم من روسيا وأوكرانيا».

الحريري: لا شروط للحوار

أما على صعيد الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله، فقد حاول الرئيس سعد الحريري خلال مقابلته مع محطة «أل بي سي» مساء أمس الإيحاء بأنه يقدم تضحية بجلوسه مع الحزب «من أجل حماية البلد» وأنه «ليس مع المواقف الشعبية ولكن مع المواقف التي تخدم المصلحة الوطنية» التي هو «مستعد أن يدفع من أجلها».

وأشار إلى أن «هناك ملفات خلافية ستبقى موجودة كالسلاح وغيره، ولكن هناك انتخابات رئاسية وانتخابات مجلس نواب، وسنبقى نطالب حزب الله بالخروج من سورية وأعرف انه لن يسمع لنا».

وإذ لفت إلى أن «هناك أجندة للحوار ستتحضر مع حركة «أمل ورئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط»، أوضح أننا «ذاهبون كي نتحدث أن الرئيس التوافقي هو الحل، ونحن مع إجراء الانتخابات وإقرار قانون انتخابي»، مشيراً إلى أن «لا موعد محدداً لهذا الحوار».

وقال: «نريد حواراً جدياً مع نتائج، وإحدى وظائف الحوار احتواء الاحتقان السني الشيعي وهذا أهم أسباب الحوار». وأضاف: «لا نريد الحديث عن شروط للحوار، ومن المبكر جداً الحديث عن لقاء بيني وبين الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله».

وعن الاستحقاق الرئاسي، اعتبر الحريري أن «هناك لعبة ديمقراطية يجب أن نمشي بها لرئاسة الجمهورية كما كان الوضع مع انتخاب بري لرئاسة المجلس ورئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة». وقال: «نحن مع أي مرشح من 14 آذار يستطيع أن يحصد 75 صوتاً، ولا مانع من انتخاب رئيس حزب الكتائب أمين الجميّل رئيساً للجمهورية في حال حصوله على الأصوات اللازمة».

واعتبر «أننا أخطأنا بعدم حديثنا مع رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون في المراحل السابقة، وكان يمكن أن نفتح آفاقاً مختلفة لمصلحة البلد مع عون لو بدأنا بالحوار سابقاً»، لافتاً إلى أن الأخير «قادر على الفعل للبنان ومصلحة اللبنانيين أكثر بكثير مما يتخايل، وطريق بعبدا تمر في الرابية ومعراب».

وأشار إلى انه «من الواضح أننا نتجه إلى انتخاب رئيس من خارج 8 و14 آذار»، مؤكداً أنه «لن نذهب إلى انتخاب شخص من دون العودة إلى حلفائنا».

وأوضح الحريري «أنه لم يتحدث في اجتماعه مع عون منذ سنة بملف الرئاسة، بل بتقريب وجهات النظر والحوار استمر بين الفريقين»، لافتاً إلى أن «علاقته الشخصية مع عون ممتازة ويتمنى أن تبقى هكذا، وهناك مصلحة أن يتعاون التيار الوطني الحر مع تيار المستقبل».

لا تقدم في قانون الانتخاب

في غضون ذلك، عكست أجواء جلسة اللجنة المكلفة دراسة قانون الانتخاب عجز النواب عن التقدم إلى الأمام نتيجة استمرار تباعد مواقف الأفرقاء من الاقتراحات المطروحة. وسألت مصادر نيابية عبر «البناء» هل ثمة إمكانية للتوافق على قانون انتخابي بمعزل عن التوافق على الملفات الأخرى وفي طليعتها الانتخابات الرئاسية؟ وهل أن الأمور ستفرض نفسها باتجاه تسوية شاملة تنتظر حوار المستقبل – حزب الله؟ وأين سيكون الموقف المسيحي عندئذ؟ وكيف سيرتب كل فريق موقفه وحساباته مع حليفه المسيحي؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى