دمشق وموسكو شراكة نفطية وعسكرية استراتيجية لقرن آتٍ

ناصر قنديل

– تعب خصوم سورية خلال أربع سنوات في محاولة تفسير موقف روسيا الداعم لسورية، وخصوصاً الواقف بثبات ضدّ أي تدخل عسكري أجنبي ينتهك سيادتها لفرض نظام يلبّي مصالح الغرب وأتباعه من الحكومات الإقليمية، إضافة إلى «إسرائيل»، وصولاً إلى ثبات روسيا على استخدام حق النقض في مجلس الأمن ضدّ أي مشروع قرار للتمهيد لمثل هذا التدخل.

– كانت التفسيرات تتراوح بين الحديث عن مصالح نفطية روسية من سوق إنتاج للنفط لا تصل إلى نصف المليون برميل يومياً، وروسيا الدولة الأولى في العالم في سوق النفط بإنتاج أحد عشر مليون برميل يومياً، وحوض في طرطوس تستخدمه السفن الحربية الروسية لدى مرورها في البحر المتوسط، وتجارة أسلحة لا يتعدّى متوسطها المليار دولار سنوياً.

– ذهب حمد القطري مرات عدة وسعود الفيصل مرات أيضاً ووصلت العروض إلى سلة تفاهمات قيمتها مئة مليار دولار، استثمارات وتبادل تجاري وعقود سلاح، وتعهّد بمنح الأسطول الروسي معاهدة تعاون دائمة مع أي حكم جديد في سورية، مقابل أن تغيّر روسيا موقفها، وفشلت المحاولات.

– ذهب بندر بن سلطان والأميركيون و«الإسرائيليون» على مستويات استخباراتية، وهدّدوا روسيا مرة بألعاب سوتشي واستهدافها من «القاعدة»، ومرات بالتلاعب بأمنها بالإيحاء لخطر من الشيشان مرة ومن أوكرانيا مرات، وصولاً إلى تمويل سعودي وتحريك «إسرائيلي» مكشوفين للنار الأوكرانية وتفجيرها في وجه روسيا ولم يتغيّر الموقف الروسي، بل زاد ثباتاً وإصراراً.

– تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الخلفية الاستراتيجية في مقاربة روسيا للملفات الدولية، وموقعها فيها وأهمّها كان أمام السلك الديبلوماسي الروسي في مؤتمر شهر تموز الماضي، فقال إنّ مكانة روسيا وتاريخها ووضعيها الاستراتيجي والجغرافي، إضافة إلى مواردها الاقتصادية والبشرية عناصر تفرض عليها التصرف كدولة عظمى في العالم، والتنازل عن هذه المسؤولية تجاه كرامة روسيا والروس قبول للإهانة، وارتضاء للذلّ، وتخلّ عن حق، لأنّ هناك من يهدّد ويضغط ويريد من الروس قبول التصرف كدولة درجة ثانية.

– شرح بوتين لسفرائه أنّ الكرملين قرّر خوض معركة إثبات المكانة الدولية التي تليق بروسيا دولة وشعباً، وأنّ ذلك له بعد لا يجب أن يحيد عن الدفاع عن قيم ديبلوماسية محورها التمسك بالقانون الدولي والتصدي لكلّ محاولة للانحراف عنه أو الاستئثار بتفسيره وفرض تطبيقات مصلحية وفئوية له، وأنّ واشنطن هي الجهة المتهمّة دائماً بهذا الجنوح، ولن ترتدع وتعود إلى التصرف كدولة عظمى وليس كدولة مستبدّة، إلا إذا وقفت لها روسيا وجهاً لوجه على رغم كلفة هذا الموقف، لكنه مسؤولية أخلاقية وفرصة تاريخية لمكانة قيادية، وأضاف بوتين أنّ الدولة التي تدافع عن قرارها المستقلّ في العالم هي الحليف الطبيعي لروسيا وليس حجم المصالح المشتركة هو الذي يقرّر، فمصلحة روسيا تتحقق بمجرّد فرض حضورها كدولة عظمى ولو خسرت مصالح آنية، والمصالح الكبرى ستضيع وتبقى روسيا تحت رحمة ما تتركه لها واشنطن من فتات، إنْ لحقت مصالح آنية ضيّقة وتخلت عن دورها القيادي ومسؤولياتها في إسقاط سياسات الهيمنة والتفرّد.

– وفّر صمود سورية وتجاربها في تقديم الحقائق الدولية المخفية للحرب عليها، ما يكفي روسيا لرؤية الأمور بطريقة مختلفة تشبه لحظة ثورة أكتوبر عام 1917، فإما الآن أو لن تكون الفرصة الثانية إلى الأبد، سورية صامدة بقدراتها الذاتية، وكلفة دعمها موقف فقط، أن يرفع المندوب الروسي يده في مجلس الأمن عند الحاجة بالرفض مستخدماً حق النقض، وسقوط سورية نهاية لمرحلة وبداية لمرحلة والخاسرون كثر بسقوطها وأولهم روسيا، التي عليها عندها أن تستعدّ للحرب المباشرة، وثبتت سورية وصمدت، وبدأ المشهد يتغيّر، وكانت إيران حالة مشابهة، دولة مستقلة لا تكلّف روسيا سوى الموقف السياسي، وتفهّمت الصين أهمية الحركة الروسية وتلاقيا، وثبت لروسيا أن سورية وإيران دولتان تملكان مقومات القوة ومعها حنكة ومرونة المفاوضة والمناورة وتحضير الأوراق، فكان التفاهم الكيماوي السوري ورقة قوة منحتها سورية لروسيا وجاءت النتيجة مظفرة وتراجعت الأساطيل الأميركية، وانكشفت حدود لعبة القوة الأميركية، وجاءت أزمة أوكرانيا، فخطف فلاديمير بوتين من فم باراك أوباما شبه جزيرة القرم ذات القيمة العالية استراتيجياً وصارت أمراً واقعاً جزءاً من روسيا غير قابل للبحث، على رغم التهويل الأميركي، فتكرّرت التجربة الروسية، ها هي حدود القوة، وجاءت توقعات الرئيس السوري في مكانها، مهما أنكر العالم خطر الإرهاب الذي يغذونه في سورية لإسقاطها سيجدون أنفسهم ولو متأخرين أمام خطر صنعوه بأيديهم، وحدث ذلك، وبدا أنّ الوضع في العالم يتغيّر، ووجهة الحرب تتغيّر، والتحالفات تتغيّر، والحسابات تتغيّر.

– العام يدخل ربع الساعة الأخير من حرب القرن الواحد والعشرين، وبعد أشهر ستكون روسيا والصين وإيران على تواصل جغرافي مباشر عبر أفغانستان للمرة الأولى منذ سقوط شاه إيران، وسورية تستعيد مصادر قوتها وإيران تنتزع مكانتها كدولة إقليمية أولى، والتسليم لروسيا بالشراكة الكاملة صار قاب قوسين أو أدنى.

– لقاءات موسكو السورية ـ الروسية هذه المرة ليست لديها وظائف مشابهة لما سبقها في توضيح الالتباسات أو تثبيت المواقف، المهمة تاريخية، بناء نواة قوة استراتيجية جديدة في الشرق الأوسط قاعدتها سورية، بجيشها المميّز بين جيوش الشرق الأوسط كجيش لا يقهر، وثروتها النفطية والغازية في البحر المتوسط المهيأة لوضعها في مصاف الدول الكبرى في سوق النفط والغاز العالمية، ومكانة جغرافية استثنائية، وقيادة تاريخية رؤيوية، والشريك الاستراتيجي هي روسيا.

– روسيا تعرف الآن معنى موقفها ووقفتها وتبدأ بجني ثمار صمودها، ومعها يدخل الشرق الأوسط مرحلة جديدة.

– روسيا وسورية وإيران حلف القرن المقبل.

سأتابع نشر «إفادتي في وجه إفادة مروان حمادة» وحلقاتها المتسلسلة مع عودة إفادات حمادة أمام المحكمة الدولية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى