في الذاكرة أعمال من قلب البيئة تدعو إلى الفخر

بسام موسى

منذ بداية عام 1960، وعلى مدى السنوات الماضية، قدمت الدراما السورية عشرات الأعمال الدرامية الرائعة التي سوف تبقى في البال والذاكرة. كانت تلكا لأعمال تكتب وتقدم إلى المشاهد السوري والعربي والمغتربين في العالم، متضمنة ما يدعو إلى الفخر. كان الكتّاب يقدمون أعمالاً من قلب البيئة التي تعيش فيها، وظهرت مسلسلات وبرز نجوم رحل قسم كبير منهم، ولا يزال بعضهم على قيد الحياة.

حتى الإخراج أيام زمان كان غير اليوم، رغم قلة المخرجين الناجحين، إلا أنهم تركوا بصمات، مثل الراحل شكيب غنام وسمير سلمون وخلدون المالح، ثم جاء هشام شربتجي الذي برز في بداية مسلسل «مرايا». والسؤال الذي يطرح نفسه: ماذا تغير بين الماضي والحاضر؟ الجواب سهل. تغير الكثير من الأشياء سابقاً رغم قلة الإمكانات المادية والإنتاج، كانت الأعمال أحلى وأمتع من اليوم. كانت الدراما السورية تنعم بـ»الجيل الذهب» الحقيقي وكنا نشاهد كبار النجوم مثل دريد لحام ونهاد قلعي ورفيق السبيعي ومحمود جبر وصلاح قصاص وعبد اللطيف فتحي ومحمد العقاد وعدنان عجلوني ومحمد خير حلواني ويوسف شويري ومحمد الشماط وفهد كعكاتي وأحمد أيوب وهاني الروماني وأسامة الروماني وزياد مولوي وياسين بقوش وناجي جبر وأحمد مسالخي وأنور البابا وعدنان بركات وغيرهم، ثم جاء الجيل الجديد مع بداية 1980 مثل سلوم حداد ورشيد عساف وأيمن زيدان وعباس النوري ونذير سرحان وغيرهم، والقائمة طويلة؟

هؤلاء النجوم كانوا الطريق الذي مهّد النجاح للدراما السورية لتكون الأولى في الوطن العربي بلا منافس، فقدموا إلى المشاهد أعمالاً دخلت كل بيت أيام التلفزيون في زمن الأسود والأبيض. ثم جاء الملون مطلع عام 1976. اليوم، الحاضر ضبابي وسلبي، فنجوم اليوم يتوافر لهم كل شيء من كتاب ومخرجين وشركات إنتاج تدفع المال بسخاء وقنوات فضائية لا تحصى وإعلام يسوّق للعرض وصحافة وإنترنت، ومع ذلك تشاهد أعمالاً سورية وعربية باهتة، حرام أن يهدر المال عليها. مسلسلات بلا فائدة وبعيدة عن الواقع وكلها مكررة.

على مدى السنوات الماضية قدم عدد كبير من الأعمال المحلية بين تاريخي وكوميدي واجتماعي ودرامي وسواها، لكن الناجح منها عدد قليل جداً ويعد على الأصابع، رغم الإنتاج الضخم وحشد كبار النجوم، من الصف الأول تحديداً، والغاية أن يجذب العمل المشاهد. والأمثلة كثيرة، فكم من عمل درامي فشل رغم حشد الأسماء الرنانة فيما العلة أن البعض يدعي أنهم فقهاء وعباقرة في كتابة الدراما لكن المشاهد في نظرهم مثل ببغاء يردد ما يكتبون كأنه لا يفهم. هذا خطأ، فمشاهدو العمل هم الحكام على نجاح المسلسل أو فشله، ونسأل ماذا لو قاطع المشاهد السوري والعربي الأعمال الدرامية، ليس في رمضان بل على مدى العام، فستكون النتيجة كارثة على المحطات وشركات الإنتاج، ورغم ذلك لم يتعلم البعض من التجارب السابقة بل يصر على المشي عكس السير. للتلفزيون العربي السوري فضل كبير في نجاح الدراما في شهرة الفنانين، ولولاه لما دخلت الأعمال السورية البيوت، سابقاً، ورغم إمكانات التلفزيون السوري المادية المحددة أنتجت وقدمت مسلسلات سورية حققت نجاحاً باهراً وهي لا تحصى. التلفزيون السوري يقدم اليوم أيضاً أعمالاً من إنتاجه، وتنافس الشركات الخاصة، بل حصد عدة جوائز عربية ودولية لأعمال من إنتاجه. بلى، كانت للدراما السورية «عز» في الماضي، رغم قلة لاموارد. مع ذلك يحق للمواطن السوري أن يفخر وقد ترك له نجوم ذلك الزمن مسلسلات حفرت في الذاكرة. منذ عدة سنوات تقدم الدراما السورية أعمالاً جديدة على نحو دائم، بل تنافس رغم تراجع الأعمال. ويبقى الأمل أن يحمل الموسم الرمضاني المقبل أعمالاً ذات فكر وسيناريو واسلوب جديدن بعيداً عن الروتين الذي ملّه المشاهدون.

كاتب سوريّ

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى