إبرة الميزان الرئاسي تميل نحو الشغور ولا انتخابات قبل التسوية الإقليمية

شادي جواد

تشهد الساحة الداخلية سباقاً محموماً بين الشارع والتشريع على خلفية الحراك المطلبي في أكثر من موقع، تحديداً سلسلة الرتب والرواتب، تعجّ الصالونات السياسية بالكلام عن الاستحقاق الرئاسي، مع دخول لبنان فعلياً مدار هذه الانتخابات من دون وضوح في الرؤيا حول المرشحين أولاً، وحول ما إذا كان ممكناً خوض معركة هاذ الاستحقاق في الموعد الدستوري المحدد، رغم تأكيد الرئيس نبيه بري على أنه ملزم بالدعوة إلى جلسة الانتخاب قبل نهاية الشهر الجاري، بعدما تلقى إشارات إيجابية من الكتل النيابية التي زارتها لجنة التواصل التي كلفها استمزاج الرأي حول الدعوة إلى جلسة الانتخاب.

في تقدير مصدر وزاري سابق أن الرئيس بري قد يدعو إلى جلسة انتخاب خلال الأسبوعين المقبلين، لكن السؤال: هل أن عملية انتخاب رئيس جديد للبلاد مضمونة في هذه الجلسة؟ وإلى ما ستؤول الأوضاع في حال فشل البرلمان في التصويت لأي مرشح للموقع الأول في الجمهورية؟

يرجح المصدر الوزاري ألا تحصل الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري، ويعزو ذلك إلى أن فرص التفاهم الداخلي على اسم مرشح معين معدومة إلى الآن، كما أن العامل الإقليمي ليس في موقع تفاهمات كبيرة تساعد في إمرار الاستحقاق. أما العامل الخارجي فيُبشر بالخير، خاصة على المستوى الأميركي ـ الروسي، فضلاً أن الملف السوري ما زال مفتوحاً على مصراعيه على الكثير من الاحتمالات، ولم يصل الملف النووي الإيراني إلى خواتيمه بعد. هذه العناصر مجتمعة تشي بأن رئاسة الجمهورية ستشهد شغوراً قد يمتد بضعة أشهر ريثما تكون الصورة الإقليمية اتضحت والعلاقات الدولية تبلورت على نحو يساعد في تأمين مناخات ملائمة لتعبئة هذا الشغور برئيس يتم التوافق عليه داخلياً أو يأتي نتيجة تسوية إقليمية ـ دولية.

عما إذا كانت البلاد تتحمل شغوراً في سدة الرئاسة، يسارع المصدر الوزاري إلى التذكير بأن لبنان عاش مثل هذه التجربة، والحكومة ملأت الفراغ لأكثر من سبعة أشهر بعدما خرج الرئيس إميل لحود من قصر بعبدا، إلى حين حصلت التسوية في الدوحة وتم التفاهم على مجيء الرئيس ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وبالتالي فإن ذلك ستكون له مفاعيل سلبية خطيرة، فالبلد بقي من دون حكومة لأكثر من عشرة أشهر ولم يهدم الهيكل، ويمكن أن تملأ الحكومة موقع الرئاسة الأولى لبضعة أشهر ولن يؤثر ذلك في الوضع الداخلي الذي يعيش أساساً حالة من الهدوء والاستقرار السياسي والأمني بفضل المظلة الإقليمية والدولية التي لا تزال تحمي لبنان بفعل القرار الدولي المتخذ والقاضي بأن يبقى لبنان قدر الإمكان في منأى عن الحريق المندلع في المنطقة لأسباب تخص الدول المعنية وليس حباً بلبنان.

يلفت المصدر إلى أن بكركي كان ممكنأً أن تلعب دوراً محورياً في إنتاج رئيس للجمهورية في الموعد الدستوري، علماً أن البطريركية ترغب ولا تملك القدرة على تحقيقه. فلا هي قادرة على تأمين تفاهم بين القيادات المسيحية على مرشح واحد، ولا على الضغط على القوى السياسية الفاعلة، وهي لا تمون على العنصر الإقليمي فما بالك بالعنصر الدولي. هذه الأمور مجتمعة تجعل المثل الشعبي القائل «العين بصيرة واليد قصيرة» منطبقاً على بكركي التي تعيش هذه الآونة حالة من المرارة إزاء حالة الساحة المسيحية التي تشهد انشطاراً عمودياً وأفقياً لا سابق له.

يجزم المصدر الوزاري بأن الرئيس بري لا يغامر في الدعوة إلى جلسة انتخاب ما دامت اللوحة السياسية الداخلية والمعطى الإقليمي والدولي على الشكل الراهن، وبالتالي فإنه يفضل الانتظار ريثما يتم التفاهم المسبق على شخص الرئيس العتيد، أو على الأقل حتى ينجلي المشهد الإقليمي قليلاً، بما يمكن المسؤولين اللبنانيين من معرفة اتجاه الرياح من خلال انتخاب الرئيس الجديد.

لا يستبعد المصدر عينه أن يقوم البطريرك الراعي بمحاولة جديدة ويجمع القادة المسيحيين في بكركي لوضعهم أمام مسؤولياتهم والتأكيد أمامهم بأن ثمة خيارين لا ثالث لهما: إما التفاهم على اسم الرئيس وهذا مستبعد أو الوقوع في الفراغ القاتل في ظل الجو الإقليمي والدولي المحموم، على أن يختم اقتراحه بالقول: اللهم إني قد بلغت.

في رأي المصدر أن أي كلام عن حرص إقليمي أو دولي على عدم الوصول إلى الفراغ هو كلام غير مبني على معطيات جدية، ولا يعدو كونه من باب التحليل أو الاجتهاد الناجم عن سماع كلام من هذا الدبلوماسي أو ذاك، وهو لطالما كان كلاماً من باب الأمنيات الشخصية ولا يعكس إرادة حكومته.

لذا يرى المصدر أن الكباش حول الاستحقاق الرئاسي قد يشتد هذه الفترة، غير أن مداه لن يكون طويلاً لأن صورة المشهد الرئاسي ستكون حكماً مظهّرة قبل الخامس والعشرين من أيار المقبل، وبعد ذلك لكل حادث حديث.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى