«الهوية ولغة التعليم في البلاد العربية» كتاباً لمحمود السيّد

دمشق ـ سلوى صالح

يقول الدكتور محمود السيد في كتابه الصادر لدى مجمع اللغة العربية تحت عنوان «الهوية ولغة التعليم في البلاد العربية» إن أهمية اللغة الأم لأي شخصية قومية تعود إلى أنها عنوان ملامح الشخصية الرئيسية التي تعرف بها بين الآخرين أولاً، وإلى أنها النافذة التي تطل منها الشخصية على تاريخها وحضارتها وقيمتها وثقافتها ثانياً. ولأن اللغة العربية هي هوية الأمة ولا يمكن الفصل بينهما لكونهما وجهين لعملة واحدة، يركز الكتاب على العلاقة بين اللغة والهوية كمدخل للتعرف إلى واقع التعليم باللغة العربية في التعليمين المدرسي والجامعي، مشيراً إلى المشكلة التي تعانيها الدول العربية في هذا المجال، اذ تنص دساتيرها على أن اللغة الرسمية للدولة هي العربية، في حين نلاحظ أن ثمة هوة بين ما تنص عليه الدساتير وما يطبق على أرض الواقع.

يطرح الكتاب إشكالية التعليم الجامعي بين داع إلى تدريس مواد المعرفة كافة باللغة العربية، على غرار ما طبقته الجامعات السورية طوال قرن تقريباً، وداع إلى التدريس باللغة الأجنبية، وداع إلى التريث في تدريس المواد العلمية بالعربية، وأنه لا بديل حالياً من تدريسها باللغات الكونية، ريثما تتوافر امكانات نجاح تدريسها بالعربية، ولكل من هؤلاء حججه التي حاول الكتاب تبيانها بجلاء ووضوح.

يتطرق الكتاب بالتفصيل إلى الحجج التي يبديها الداعون إلى التعليم باللغة العربية وتتمثل في مساعدة الطلاب على الفهم والتمثل والاستيعاب والاستئناس بتجارب الأمم الأخرى، ونجاح تجربة جامعة دمشق من حيث التعليم بالعربية واعادة الثقة بالنفس في الانتماء الى أمة ماجدة وتعزيز وشائج الربط بين الجامعة والمجتمع، ودحض حجج الداعين إلى التعليم بالإنكليزية.

يقترح السيد لأجل للارتقاء بواقع اللغة العربية في العملية التعليمية في الوطن العربي تشتمل على إصدار قرارات سياسية مستندة إلى دساتير الدول العربية ووضع سياسة لغوية على الصعيدين القومي والوطني وتخطيط لغوي تتضح فيه صورة اللغة في جميع مراحل التعليم وإعداد المدرسين الأكفياء القادرين على تحقيق الأهداف المرسومة لتعليم اللغة، واعتماد منهجية موحدة على الصعيد العربي لوضع المصطلحات وسرعة البت في وضع البدائل بالعربية للمصطلحات الأجنبية، وتفعيل مكانة العربية في المناهج الجامعية إلى جانب اللغات الأجنبية. وتتضمن الخطة كذلك ضرورة تفعيل الترجمة والاعتناء بها، وزيادة المحتوى الرقمي بالعربية على الإنترنت، ومعالجة القضايا اللغوية في المجال التربوي بالأساليب العلمية، وتنفيذ مشروع النهوض باللغة العربية نحو مجتمع المعرفة.

يعتبر الكاتب هذا البحث نحو مئة صفحة قطعاً كبيراً بمثابة مساهمة متواضعة في تقديم لبنة إلى صرح لغة التعليم بالعربية في الوطن العربي، على أمل أن تعيد الأجيال القادمة إلى لغتها الأم مكانتها الجديرة بها، تلك المكانة التي تجلت في مسيرة الحضارة البشرية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى