«حلب حضارة ورماد» معرضاً لوانيسيان المأساة لا تحتاج ألواناً

كتبت لبنى شاكر في صحيفة «تشرين» السورية: تتزاحم الصور في ذاكرتنا، وربما يفوق ما شاهدناه خلال سني الأزمة من صور وفيديوات ومقاطع «يوتيوب»، معظم ما حفظته الذاكرة في مراحل سابقة، ولا تتفوق تلك الصور بعددها بل بما فيها من أوجاع، وللوجع ألوان وأشكال.

ومع أن تدفق الصور ما زال مستمراً، بما يرافقه من تعليقات وتساؤلات، لم يعد الحكم على صورة ما كافياً بمجرد النظر إليها. الصورة اليوم في حاجة إلى تأملٍ طويل، كما لو كنا نحن من يمسك بالكاميرا. هنا قصةٌ أخرى ستختلف مع اختلاف العيون ووجهات النظر. هذه المرة نستمع إلى قصة مصورة يرويها المصور هاكوب وانيسيان في معرضه «حلب … حضارة ورماد» في دار الأسد للثقافة والفنون. تنوعت صور المعرض وإن يكن موضوعها حديث الناس منذ سنوات، من المساجد والحارات إلى البيوت المهدّمة والمقابر المزدحمة، وغيرها من التفاصيل التي لم تعد غريبة، وهنا ربما احتاج البحث عن التميز والجِدة لما هو أكثر من المكرر والمصنّع فوتوغرافياً.

بدأ وانيسيان التصوير هاوياً، وحتى بعد مرور سنوات على ذلك، قدّم خلالها عدة معارض في حلب، ما زال حتى اليوم يعد نفسه هاوياً، وفي حديثه عن تجربته يقول: «تعلمت مبادئ التصوير، ومختلف مراحله بجهد شخصي، وهو بالنسبة إلي مثل التنفس. لا يمكنني أن أعيش من دونه، لست مصوراً حربياً، لكن يا الأسف، الظروف والحالات التي عايشتها في حلب جعلتني أشعر بأن تصوير ما يحدث واجب وليس خياراً شخصياً، يجب أن أوثّق ما يجري، ليراه الناس جميعاً».

في ظل ما يحصل في حلب، تحدث وانيسيان عن الفرق بين المصوّر الحربي، وأي مصوّرٍ آخر عندما يحضران في المكان نفسه، حيث زارها صحافيون كُثر، أمضوا فيها عدة أيام ثم غادروا مع ألبومات صورهم، وهذا ما يميز الآخرين في رأيه، أولئك الذين عايشوا المعاناة من أبناء المدينة، ولكل صورة قصة تحكي آلام الناس.

عن الصور التي اختارها للمعرض، يوضح المصور الفوتوغرافي السوري: «تجذبني دائماً اللحظة بعفويتها لذلك أحاول أن ألتقطها كما هي من دون تصنّع أو إضافات. حتى في صور البيوت المدمّرة كنت حريصاً على إظهارها مثلما هي، لأن التوثيق غايتي الأساسية، ولم يتعارض ذلك مع الحالة الفنية المطلوبة لإيصال رسالة الصورة وحكاية تفاصيلها، ففضلت أن يكون هذا المعرض بالأبيض والأسود، لأن الألوان ربما لا تكون مناسبة للفكرة، وربما تشتت ذهن المتلقي، المأساة لا تحتاج ألواناً».

وكي يبتعد عن مشكلة التلاعب بالصور التي أفقدت الصورة قيمتها مراتٍ كثيرة، كانت معظم صوره «نيجاتيف» حتى لا يدع مجالاً للتغيير فيها بأي شكل كان فقد «عانينا في سورية من التلاعب بالصور، يقول، لا شك تغيير للحقيقة وتشويه لها عبر الزمن، ومن هنا تأتي أهمية التصوير الفوتوغرافي القادر على تخليد اللحظة، أتمنى أن يدرّس في جامعاتنا إذ لا يحظى بالتقدير اللازم رغم دوره المهم».

في معرضه «حلب حضارة ورماد»، يركز وانيسيان على مشاهد الدمار أكثر من تلك التي تظهر الحضارة، فإذا «استمر الوضع على ما هو عليه ستتحول حضارة حلب إلى رماد»، هي إذن إضافة لكثيرٍ مما شاهدناه، وقصص تستحق أن نراها بأكثر من أعيننا، ليس في حلب وحدها بل في كل مكان من سورية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى