عزل بندر: الأسباب والدلالات

حميدي العبدالله

أُعلن رسمياً في المملكة السعودية عن عزل بندر بن سلطان من منصبه كرئيس للاستخبارات السعودية، وتعيين يوسف الإدريسي بديلاً منه. والأرجح أنّ تعيين الإدريسي، وهو أول رئيس لجهاز الاستخبارات من خارج الأسرة المالكة، قد تكون الولايات المتحدة وراء تعيينه إذ لم تعد تثق بأي عنصر من عناصر الأسرة المالكة فهم جميعاً على صلة مع التنظيمات المتشددة الإرهابية، ولا سيما الذين توالوا على رئاسة جهاز الاستخبارات.

وتمّ بالطبع إخراج عملية العزل على نحو دبلوماسي، إذ أشارت وكالة الأنباء السعودية إلى أنّ عملية الإعفاء تمّت بناءً على طلب بندر بن سلطان نفسه، علماً أنّ وسائل إعلام عديدة كانت أشارت إلى احتمال عودة بندر إلى ممارسة مهمّاته على رأس الاستخبارات بعد تماثله للشفاء.

لا شك في أنّ لقرار العزل أسباباً سياسية ولا أسباباً صحية، وفي أيّ حال، لم تشر الوكالة السعودية إلى أنّ بندر طلب تنحيته لأسباب صحية، بل اكتفت بالقول «بناءً على طلبه». ويمكن الإشارة إلى الأسباب الرئيسية الآتية التي أدت إلى عزله من منصبه:

أولاً: إخفاق بندر، في فترة إدارته لما بات يُعرف بـ«الملف السوري»، بالوفاء بالوعود التي قطعها للإدارة الأميركية، خاصة التأكيدات التي كان قدمها إلى حكومة السعودية وإلى الإدارة الأميركية بأنه سيكون قادراً على تغيير التوازنات في سورية في وقت قريب، إذ تبدّت تطوّرات الميدان طوال تسلّم بندر للملف السوري عكس هذه الوعود، والدولة السورية والجيش العربي السوري هما اللذان غيّرا توازن القوى الميداني لمصلحتهما، وليس الطرف الآخر الذي حاز دعم دول المنطقة والدول الغربية المنخرطة في الحرب على سورية.

ثانياً: قناعة الإدارة الأميركية بأنّ بندر بن سلطان ساهم في إعطاء تقدير للموقف في سورية أقلّ واقعية، ما ورّط إدارة أوباما في إعلان مواقف وضعتها أمام خيارات صعبة، إما التدخل العسكري المباشر والغوص في رمال حرب متحركة ثالثة في المنطقة لا قبل لها على تحمّل تبعاتها، وإمّا مواجهة مآزق سياسية في سورية وتكريس انطباع بفشل السياسة الأميركية في هذا البلد، في ضوء عجز الولايات المتحدة عن تحقيق الشعارات التي رفعتها نتيجة تقدير الموقف الخاطئ حول تغيّر توازن القوى الميداني. وتشبه إقالة بندر بدوافعها وسياقها السياسي، التغيّرات التي حصلت في قطر وإطاحة الحمدَيْن، إذ كان للولايات المتحدة دور في هذه التغييرات. وتشبه أيضاً المواجهة التي تخوضها الإدارة الأميركية سياسياً ودبلوماسياً ضدّ أردوغان عبر بعض القوى التركية مثل جماعة فتح الله غولين، وانتقادات السفير الأميركي في أنقرة لعلاقة حكومة أردوغان مع تنظيمات «القاعدة»، وتسريب وكالات الاستخبارات الأميركية تقارير تشير إلى محاولات أردوغان توريط الولايات المتحدة في حرب ضدّ سورية، وآخر هذه التسريبات ما نشره سيمور هيرش.

ثالثاً: إفراط بندر بن سلطان في تقديم الدعم إلى الجماعات المتطرفة، خاصة المرتبطة بتنظيمات «القاعدة»، وفشلها في السيطرة على تلك الجماعات التي شبّت عن الطوق وباتت تشكل تهديداً يشبه، بل يفوق، تهديدات «القاعدة» التي أعقبت حرب أفغانستان، وهذا ما أكدت عليه تقارير استخبارية غربية كثيرة.

ينطوي قرار عزل بندر من منصبه على دلالات مهمة أبرزها:

اقتناع الإدارة الأميركية بخطورة الاعتماد على أشخاص يسعون إلى توريط الولايات المتحدة في مشاكل، بناء على تقديرات خاصة، وعدم الأخذ بعين الاعتبار أنه «بعد عشر سنوات من الحرب فإنّ لقدرة الولايات المتحدة حدوداً»، لأنّ جنودها «يتناوبون على الخدمة» كما قال الرئيس أوباما في مقابلة مع قناة cbs الأميركية عشية سفره إلى السعودية.

قناعة ضمنية، سواء لدى الإدارة الأميركية أو لدى السلطات الملكية في السعودية، بأنّ مخطط بندر في سورية فشل، خاصة لجهة تغيير توازن القوى، ولعلّ ذلك يفسّر صدور تصريحات عن الخارجية الأميركية تزامنت مع إعلان عزل بندر تتحدث عن تحوّل الحرب في سورية إلى «حرب استنـزاف»، وعن استحالة الحسم العسكري في سورية.

غير متوقع أن تسفر عملية عزل بندر من منصبه عن حدوث مراجعة للسياسات الأميركية والسعودية إزاء سورية، بمعنى التراجع عن الاستمرار في تقديم الدعم للمعارضة واستمرار «حرب استنـزاف»، غير أن هذا العزل يشير إلى أنّ الطرفين، أي واشنطن والرياض، قد يتخليان عن سياسة التصعيد والرهانات ذات السقوف العالية لأجل تغيير المعطيات الميدانية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى