تداعيات تحوّل مركز ثقل السياسة الأميركية نحو آسيا على المنطقة العربية

بينما تنشغل واشنطن بالأزمة الأوكرانية واقتصار الخيبات التي لاحقت جون كيري على طرفي التفاوض السلطة الفلسطينية و»إسرائيل» لإنجاح جولة التفاوض على التفاوض، تغيب فعالية الخارجية الأميركية عن الساحات المتوترة الأخرى في الجانب الآخر من العالم الشرق الأقصى وانحصرت في محاولة الإحاطة بتطورات أوكرانيا وسورية والمفاوضات النووية مع إيران. وصعد ملف الشؤون الخارجية الى أيدي وزير الدفاع تشاك هيغل والرئيس باراك أوباما نفسه، إذ يقوم الأول بجولة على بعض الدول الآسيوية، فيما يتأهّب الثاني لبدء جولة زيارات رسمية لدول آسيوية خمس تشهد تصاعد موجة التوترات الإقليمية مع الصين، واللافت عدم مرافقة كيري له. قد يذهب البعض إلى تفسير الأمر على أنه يشكل دليلاً على تضاؤل حجم الثقة في قدرة الوزير كيري على إدارة السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

يعرض قسم التحليل لتنامي الأزمات في منطقة الشرق الأقصى وخشية بعض الدول من النفوذ البارز للصين وبسطها سيادتها على مياه إقليمية قريبة أو متداخلة مع شواطئها، كذلك قلقها من استمرار كوريا الشمالية في لهجتها التصعيدية، ما يرجح إعادة تموضع الاستراتيجية الأميركية واتجاهها نحو منطقة الشرق من آسيا. يتناول التحليل كنه التوترات المستجدة وجذورها وطبيعة ردّ الدول القلقة وحليفتها الولايات المتحدة، والتقرّب من عناصر الاستراتيجية الصينية وآفاق نجاحاتها في المدى البعيد وفي الخلفية تداعيات ذلك كلّه على دور الولايات المتحدة في المنطقة العربية.

سورية

أعرب معهد الدراسات الحربية عن قلقه من تدخل حزب الله في سورية منذ بداية الأزمة وحتى الآن»، وفي بحث أصدره بتناول طبيعة اشتراك الحزب منذ «إعلانه ذلك على الملأ… وانخراطه العميق في العمليات الميدانية». وسعى المعهد إلى سبر أغوار العلاقة التي تربط الحزب بكلّ من إيران وسورية، من ناحية، ورصد ما أسماه «نشاطات حزب الله في سورية لعام 2011 و2012» من ناحية ثانية، وتصعيد دوره في العمليات الميدانية على طول الأراضي السورية منذ بداية عام 2013، من ناحية ثالثة. وخلص المعهد إلى التحذير من «تداعيات تنامي نفوذ حزب الله في سورية داخل لبنان وسورية ومناطق ابعد من ذلك».

فلسطين والتسوية

أعرب معهد واشنطن عن تفاؤله لسير المفاوضات بين السلطة الفلسطينية و»إسرائيل»، رغم وصولها إلى طريق مسدود»، ودعم المعهد توجه رئيس السلطة الفلسطينية الى هيئات الأمم المتحدة «بدافع تعرّضه لهجوم قاسٍ من محمد دحلان، بالإضافة الى الضغوط الآتية من عناصر متشددة في فتح… ووقوفه في وجه أميركا و«إسرائيل» يعينه على استعادة شعبيته وشرعيته… وكذلك مقدمة لاستئناف العودة لطاولة المفاوضات». وأطلق المعهد على مسعى عباس «صفقة 431»، التي ترمز الى إطلاق «اسرائيل» سراح 400 معتقل حديث العهد و30 سجيناً من القدماء «بينما يترتب على اميركا اطلاق سراح المتهم بالتجسّس جوناثان بولارد…»

المجلس الأميركي للسياسة الخارجية استعرض مسألة «إطلاق سراح بولارد»، مؤنّباً الإدارة الأميركية لمجرّد سعيها إلى «رشوة المشاركين في التفاوض بغية إحلال السلام في فلسطين». وسخر المجلس من أن «الرشوة باتت عنصراً للتوجه الديبلوماسي…».

الخليج العربي

ناشد مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الولايات المتحدة تعزيز «روابط الشراكة الأمنية مع دول مجلس التعاون الخليجي… واستغلال ميزة تفوقهما المشترك عسكرياً بغية ضخّ أموال ضخمة للاستثمار في حيازة أسلحة حديثة وتقنيتها». وأشار المركز الى الخلافات والانقسامات داخل المجلس، ما «حرمه من استخدام فاعل لمجموع قواته المسلحة وتسخير الموارد العسكرية المطلوبة… وأدت الى تصميم دول رئيسة في المجلس على تعميق خلافاتها عوضاً عن إنشاء جهاز أمني فعّال».

إيران

في دراسة أصدرها معهد واشنطن زعم أنّ المرشد الأعلى علي خامنئي «يتحكّم في عناصر سلطة مركزية هائلة»، توطئة لبحث مسألة «نادرة التناول… وهي آلية اتخاذ القرار في الدولة، ويتأثر المرشد ببعض الحقائق وطبيعة الشخوص» ذات توجهات محددة. وأضاف أن على الولايات المتحدة أن تحسن قراءة لوحة «الإيحاءات التي تجسّدها أفعال المرشد الأعلى… خاصة في ظل بروز إيران كدولة نووية».

فنّد المعهد المشروع الأميركي ومزاعم الادارة الأميركية بأنّ لديها «رؤية واضحة المعالم للنظام الإيراني والتزمت علناً بمناهضة سياساته»، مشيراً الى خلو المزاعم من حقائق مادية تدعمها. وناشد الإدارة انتهاج سياسة «تثبت عزمها في التصدي للاستراتيجية الإيرانية في المنطقة… واستغلال القوة الناعمة» كاستراتيجية لتطبيق ذلك. وحذّر المعهد من مضيّ الإدارة قدماً في التوصل الى اتفاق نهائي حول البرنامج النووي، الذي «يخلو من إجراءات التحقق بتدمير برنامج الأسلحة النووية» وما سيترتب على ذلك من «تهميش الدور الأميركي في الشرق الأوسط…».

تركيا

لفت معهد كارنيغي الأنظار الى نتائج الانتخابات التركية وفوز حزب أردوغان «الذي سيكون له كلفته» السياسية وفي مقدم ذلك «سعي الحكومة إلى البدء بالملاحقات القانونية لأنصار غولن… بيد أنّ خلق مناخ واسع لعقلية الحصار بغية رفع معدلات التأييد الداخلي يستدعي أيضاً اختراع متآمرين مشاركين في الخارج». وأوضح أنّ حكومة أردوغان واظبت على استخدام وصف «التآمر» منذ احتجاجات العام الفائت. وحذر رئيس الوزراء التركي من أنّ مكانة تركيا الدولية «أصابها أذى شديد من استراتيجيته في استقطاب الداخل… وتلاشي آمال الانضمام الى الاتحاد الأوروبي»، مشيراً الى قرب إصدار لجنة الاتحاد الألوروبي توصياتها في شهر تشرين الأول المقبل، ويتوقع تضمّنها «انتقادات حادة» للحكومة.

أفغانستان

أجرى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية مراجعة للتحديات التي تواجه المرحلة الانتقالية في افغانستان، مشيراً الى عوامل التقصير من قبل الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية وقوى أخرى» لبناء مؤسسات تدير مرافق الدولة، محذّراً من أنّ مواقع الفشل السابقة «شكلت القاعدة وليس الاستثناء لتخطي المرحلة الانتقالية بنجاح»، وضرورة توفير قادة من نمط مختلف باستطاعتهم «تجاوز الخطاب الإنشائي حول مكافحة الإرهاب».

الدور الجديد للقوات البرية

ناشدت مؤسسة هاريتاج القادة العسكريين «الإفادة من دروس حربي أفغانستان والعراق» وتبني المقترحات المقدمة لإعادة هيكلة سلاح الطيران التابع للقوات البرية. متوسلة تكرار التجربة السابقة التي «استندت بقوة إلى تفعيل وحدات من الحرس الوطني» وإشراكها في المهمات القتالية التي أثبتت قدرتها التقليدية الموقعة في الميدان «وينبغي تطويرها لتماثل الوحدات العسكرية العاملة تسليحاً وتدريباً». وطالبت نواب الكونغرس على دعم الخطة المقترحة «والفرصة التي توافرت لمراكمة النجاحات» في معارك افغانستان والعراق.

التحليل

أعلن الرئيس باراك أوباما عن نيته زيارة عدد من الدول الآسيوية بعد مضيّ نحو ستة أشهر على «إرجاء» زيارته الماضية، ما ضاعف قلق الدول التابعة للوصاية الأميركية من جدية الالتزامات المعلنة باستدارة زخم الاستراتيجية المقبلة نحو آسيا لمواجهة صعود كلّ من الصين وروسيا، والتغيّرات التي ستلحق بالشرق الأوسط نتيجة ذلك.

الدول المدرجة في جدول زيارة أوباما: اليابان، كوريا الجنوبية، الفيلبين، وماليزيا، والتي تصدّرت كلّ منها التغطية الإعلامية أخيراً، لا سيما للطائرة المدنية الماليزية المفقودة في مكان ما من البرّ او المياه الآسيوية وما استدخلته من تنامي ارتباك وإزعاج لسلامة الطيران المدني في المنطقة. كوريا الجنوبية انشغلت بتبادل قذائف المدفعية مع جارتها الشمالية أما اليابان والفيليبين فتترنّحان تحت وطأة تعزيز انفاقاتهما العسكرية ونشر قواتهما لمواجهة «تمدّد الصين في مياه بحر الصين الجنوبي»، مع الإشارة إلى عدم رصد تبادل لإطلاق النار مع الصين للحظة.

لا يجادل أحد في تلبّد الأجواء وأخطار اندلاع مواجهات عسكرية منذ العام الفائت. للدلالة أعلنت اليابان أخيراً عن تنفيذ عدد من طائراتها المقاتلة نحو 415 طلعة جوية لحماية أجوائها من الطيران الحربي الصيني الذي حلّق لمسافة قريبة من الأجواء اليابانية العام الفائت، والذي قفز عما سبق رصده من طلعات حربية بلغت 306 طلعة لعام 2012، على خلفية ملكية جزر ديايو الصين أو سينكاكو بالنسبة لليابان، أو تياويوتاي بالنسبة إلى تايوان التي تزعم أيضاً أنّ لها حصة من الجزر الواقعة في بحر الصين الشرقي.

خشية الفيليبين

كما أنّ تمدّد الصين لبسط سيطرتها على بحر الصين الجنوبي يثير خشية الفيليبين، لا سيما بعد حادث إعاقة الصين الشهر الفائت حركة سفنا فليبينية تنقل الإمدادات الى الرصيف المرجاني المتنازع عليه والذي يخضع لسيطرة الفيليبين راهناً. وتحركت الولايات المتحدة عبر تقديم وزارة خارجيتها احتجاجاً لدى الصين وصفت الاجراء بـ«الاستفزازي»، فيما ردت الصين بأن سيادتها الاقليمية تشمل تلك الشعاب المرجانية. كذلك أعربت ماليزيا عن جزعها من الوضع القانوني لمياه بحر الصين الجنوبي اذ تزعم سيادتها على بعض مناطق الحوض المائي.

تعزز تلك المخاوف لدى كافة الدول المتشاطئة أيضاً أهمية المنطقة كممر بحري رئيسي لتجارتها جميعاً في طوق المحيط الهادئ، وتعتبر أن بسط الصين سيادتها العملية على المنطقة تمثل خطراً على تبادلاتها التجارية في ما بينها ومع باقي دول العالم.

لا تغفل الأطراف مجتمعة الثروات الطبيعية التي تختزنها المنطقة، وبدأت تتصدر توترات العلاقات الاقتصادية، خاصة عقب إعلان شركة «فايلكس للمناجم» الفيليبينية، مطلع الأسبوع الجاري، عن تعليق مفاوضاتها الجارية مع شركة الصين الوطنية للنفط للقيام بتنقيب مشترك في مياه بحر الصين الجنوبي. إعلان الشركة الفيليبنية ألقى مسؤولية التعليق على الجانب الصيني.

الفيليبين تعلق آمالاً كبرى على استكشافات الغاز الطبيعي في أعماق بحر الصين الجنوبي، ويفاقم مأزقها عدم توافر سيولة الأموال الضرورية لدى شركات القطاع الخاص للمضيّ باستكشافاتها بصورة مستقلة وكانت تتطلع إلى المشروع المشترك مع الصين بإيجابية كبيرة، ما قد يؤدي الى تسوية مشتركة قريبة للنزاع الحدودي بينهما.

من المرجح أن تسفر زيارة الرئيس أوباما إلى الفيليبين عن توصل الطرفين إلى اتفاقية دفاع مشتركة، لا سيما أنّ القوات الاميركية كانت مرابطة في الأراضي الفيليبينية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية الى أن سُحب معظمها عام 1992 عقب نهاية الحرب الباردة. تجدر الإشارة الى أن متاعب الفيليبين الناجمة عن الركود الاقتصادي حالت دون إقدامها على زيادة نفقاتها العسكرية بعد انسحاب أميركا من أراضيها. لذا يتعيّن عليها البقاء في حلبة اللحاق عسكرياً بجيرانها خشية استغلال الصين لوضعها الهش.

تعتبر القوات المسلحة الفيليبينية من أضعف القوات العسكرية الإقليمية، وتخلو من أي طائرات حربية مقاتلة، ما دفع بها الى شراء نحو 12 مقاتلة من كوريا الجنوبية من طراز FA-50، بكلفة إجمالية تبلغ 421 مليون دولار، وتتطلع لتسلم أول طائرتين منها العام المقبل يرافقها تخصيص الحكومة مبلغ 1.6 مليار دولار للإنفاق على تحديث عتاد القوات العسكرية تتضمن نظم رادار استكشاف جوية مصدرها «إسرائيل».

مقارنة مع كوريا الجنوبية

بالمقارنة، تبدو كوريا الجنوبية أفضل حالاً لناحية القوة العسكرية، بيد أنها تواجه توترات مطردة مع جارتها الشمالية، إذ رصد تبادل إطلاق مئات من قذائف المدفعية بينهما الأسبوع الفائت، عقب إصدار كوريا الشمالية تحذيراً من أنها في صدد إجراء تجربة نووية جديدة، في أعقاب إنجاز تجربتها السابقة واطلاقها صاروخين باليستيين ذات مدى متوسط، رافقه تهديد اليابان بإطلاق النار على أي صاروخ مصدره كوريا الشمالية، التي ردت بانها «لا تستبعد» إجراء تجربة جديدة على رأس نووي.

كوريا الشمالية بالمرصاد

وزارة خارجية كوريا الشمالية أصدرت بياناً جاء فيه أنها «لا تستبعد إجراء تجربة نووية بشكل جديد بغية تعزيز قوة الردع النووية للبلاد … وعلى الولايات المتحدة التوقف عند هذا الإجراء ووقف تصرفاتها المتهورة». لكن بيان الخارجية خلا من تفسير كوريا الشمالية لما أسمته «شكل جديد» من التجارب، وسارعت جارتها الجنوبية بالقول إنها لم ترصد أي مؤشرات على إجراء تجربة نووية في الشطر الشمالي.

أميركا تردّ

رغم انشغال الولايات المتحدة بتطورات الأزمة الأوكرانية، وجدت نفسها في وضع يحتم عليها الردّ على التدابير الصينية، وأرسلت وزير الدفاع تشاك هيغل الأسبوع الفائت لزيارة الصين وإيصال رسالة واضحة لقادتها بأن الولايات المتحدة تقف الى جانب حلفائها، ما أثار امتعاض المضيف الصيني.

تنوي الولايات المتحدة أيضاً تعديل نصوص اتفاقية تحالفها العسكري مع اليابان، تجسّد بإبلاغ البيت الأبيض الحكومة اليابانية عزمه على تعزيز العلاقات الثنائية. يذكر أن المعاهدة المبرمة تمّت المصادقة عليها منذ 17 عاماً من دون تعديل، ويشكل إعلان البيت الابيض قلقاً ماثلاً أمام الرئيس أوباما حول الوضع الإقليمي في المياه الآسيوية. المعاهدة الثنائية مع اليابان تأتي مخالفة لصيغة الاطار الأمني لدول متعددة أعضاء في حلف الناتو غير الموجود في منطقة المحيط الهادئ، وينظر إليها على أنها الحجر الأساس لمواجهة التحركات الصينية.

تتمحور التحديات المستجدة أمام اتفاقية الدفاع المشتركة حول منح اليابان حق الدفاع عن النفس، لا سيما أن الدستور الياباني يحظر ذلك، وتبلورت وجهة نظر الحكومة اليابانية برئاسة شينزو آبي للنظر بعين العطف للتحديات والميل إلى تعديل ميثاق البلاد. التحدي الأبرز هو آلية تعريف «الدفاع الذاتي» وتطبيقاتها. ومن شأن الصوغ الجديد للمعاهدة التركيز على هيكلية القيادة المشتركة للطرفين وتشخيص الظروف والأوضاع التي تستدعي رداً أميركياً يابانياً مشتركاً.

الاتفاقية الثنائية أبرمت عام 1978، وعدّلت نصوصها عام 1997 إبان ولاية الرئيس بيل كلينتون كرد رمزي على اجراء الصين تجارب صاروخية متعدّدة في المياه القريبة من تايوان وانتهت المواجهة المحتملة سريعاً عقب ارسال الولايات المتحدة حاملتي طائرات إلى المنطقة وتراجعت الصين عن «استفزاز» المحمية الأميركية.

بعد الانتشار والتمدد العسكري الأميركي منذئذ، قد تبرز صعوبة في إرسال حاملة طائرات واحدة إلى المنطقة، فما بالك بحاملتي طائرات، نظراً إلى تعزيز الصين قدراتها العسكرية ومواجهة الآلة الأميركية بأسلحة صاروخية وغواصات متطوّرة ان قررت الاقتراب من المناطق السيادية.

عند النظر الى القوة العسكرية المشتركة لكل من اليابان وأميركا في المنطقة، يستطيع المرء استنتاج تشكيلها قوة ردع رئيسة أمام القوة العسكرية الصينية في المنطقة، ولا يجادل في تفوق القوة المشتركة على خصمها الصينية، بيد أن الأخيرة تتمدد وتتعزز باطّراد.

الخطر الصيني

تجمع الأوساط العسكرية الأميركية على أن تعزيز الصين لقواتها ومعداتها العسكرية يأتي خدمة لنشر قوتها وهيبتها بعيداً عن أراضيها، ويُشار الى زيادة نفقاتها العسكرية بنسبة 12.2 في العام الجاري لتبلغ نحو 132 مليار دولار، للسنة الرابعة على التوالي التي تخصّص فيها زيادة الموازنة معدلات تفوق 10 من مجمل الناتج المحلي. يعتقد أن سلاح البحرية الصيني سيكون الرابح الأكبر من زيادة الموازنة العسكرية تعزيزاً لمهمة نشر الهيبة في البحار القريبة.

يشار أيضاً الى بلورة الصين قوة بحرية متميّزة تستطيع القتال في المياه العميقة والبعيدة عن شواطئها، يُكنّى بسلاح المياه الزرقاء البحري. كما أعلنت عن إنجازها بناء حاملة طائرات بجهود محلية ستنضم الى الحاملة لياونينغ سوفيتية الصنع بعد تجديدها وتحديث تسليحها وهي الحاملة التي استقبل على متنها وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل في زيارته الأخيرة. كما تخصص الصين جهوداً وإمكانات اضافية لتعزيز سلاحها الجوي، خاصة في مجال بناء طائرات الشبح الخفية عن أجهزة الرادار والقادرة على اختراق الدفاعات الجوية اليابانية / الأميركية المشتركة الحامية للقوات البحرية.

تهدف البحرية الصينية إلى السيطرة على «سلسلة جزر الأرخبيل الولى»، الممتدة من أراضي جزيرة أوكيناوا حتى بحر الصين الجنوبي لتواصل سيطرتها في ما بعد على السلسلة الثانية من جزر الأرخبيل الممتدة شرقا من طوكيو الى جزر غوام تحت السيطرة الأميركية راهناً . وجود البحرية الصينية المكثف في سلسلة الجزر الأولى تضع عراقيل أمام حرية عمل قطع البحرية الأميركية فضلاً عن تلمس ارسالها قطعاً بحرية قرب شواطئ جزر هاوايي لرصد التحركات الأميركية.

ردود الفعل الاميركية تجسدت في نشر وزارة الدفاع في 4 آذار تقريرها لمراجعة الاستراتيجية التي تتم مرة كل أربع سنوات الذي يطالب في نشر مزيد من القطع البحرية في المحيط الهادئ، كذلك تحويل نحو 60 من أرصدة سلاح البحرية الاحتياطية الى مياه المحيط الهادئ واستكمالها مع حلول عام 2020، وتشكل 50 من المستويات الراهنة. القوة البحرية الأميركية المحدودة قد لا تكون كافية للتصدي لما يسمى «التهديد الصيني» بحد ذاته، لكن من شأنها مواجهة محاولات حرمانها من عبور عباب البحار المحيطة من قبل البحرية الصينية هناك.

تأثيرات الاستدارة الآسيوية على منطقة الشرق الأوسط

المتطلبات الدولية على الاستراتيجية العسكرية الأميركية ستنعكس آثارها على حضور القوة الأميركية في الشرق الأوسط برمته، لعوامل متعددة: الألول، الاحتياطي الأكبر للقطع الحربية الأميركية يقع في مياه المحيط الهندي والخليج العربي، خارج الشواطئ الغربية للمحيط الهادئ، والتي سينقل بعضها أو جزء كبير منها الى بحر الصين الجنوبي في حال تصاعد التوترات في المنطقة. ثانياً، تحويل الموارد والقدرات العسكرية الأميركية في اتجاه آسيا سيتم على حساب قواتها الموجودة في المحيط الهندي والبحر المتوسط وأوروبا ايضاً، ويقع الاختيار عليها عادةً لتعزيز الوجود العسكري الأميركي عند تصاعد وتيرة النزاع في الشرق الأوسط.

ينبغي لفت النظر الى الوعود المتتالية التي أطلقها الرئيس أوباما بأن العسكرية الأميركية تتجه إلى التمركز في آسيا، حصدت نتائج متواضعة، وربما تتكرر التجربة مرة أخرى. وفي الوقت عينه، ينبغي عدم الإفراط في التوقعات من قدرة القوة العسكرية النامية للصين تشكيل تهديد حقيقي للعسكرية الأميركية أو لحلفائها في مياه المحيط الهادئ.

يبلغ طول مساحة الشواطئ الصينية نحو 5000 كلم، بيد أنها تعرف تاريخياً ككتلة برية متجانسة محاطة بعدد من الأمم والأعراق التي تنافسها، ما يعرقل جهودها لتحويل موارد كافية لبلوغها مرتبة متقدمة في سلاح البحرية، كما تفيد بذلك التجارب التاريخية عند مقارنة بين طموح الأمم المائية بتلك العروفة بأراضيها الواسعة. الحدود الصينية البرية تشاركها فيها 14 دولة ما يستلزم حشد قوات كبيرة لحمايتها ومراقبتها. يبلغ تعداد الجيش الوطني الصيني نحو 1,6 مليون مليون فرد، ما يضعه في المرتبة الأولى عالمياً. حدودها المشتركة مع الهند شهدت توترات ومواجهات عدة في الماضي القريب، كما توكل إلى جيشها مهمة الحفاظ على الأمن والاستقرار في مقاطعات الحكم الذاتي في زينجيانغ وويغور.

التجارب التاريخية تدل على عقم سياسة توجه بلد ذي مساحة شاسعة الى قوة بحرية، كما تشير تجارب القرنين الثامن والتاسع عشر لتجربة فرنسا كي تصبح قوة بحرية كبيرة، والتي فشلت في مواجهة عدد متدنٍّ من قطع الأسطول البريطاني في موقعة الطرف الأغر. كذلك جربت ألمانيا حظها في القرن التاسع عشر والقرن العشرين بغية مواجهة سيطرة البحرية البريطانية على حرية الإبحار، لتجد نفسها تراجعت لميناء انطلاقها عقب معركة جوتلاند إبان الحرب العالمية الأولى. حديثاً، كرر الاتحاد السوفياتي التجربة عينها ليجد نفسه أمام سخاء إنفاق الولايات المتحدة على أساطيلها الحربية.

بسط القوة والسيطرة البحرية هي نتاج عدد حاملات الطائرات العاملة والقدرة على حسن استخدامها. القوى الغربية الثلاث بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة تتميّز بتاريخ وتجارب طويلة ممتدة لنحو 80 عاماً اما الصين فلا تستطيع التقرب من المقارنة إذ تخلو من خبرة مماثلة.

تشير الوثائق التاريخية المفرج عنها الى توافر قناعة عند القيادة السوفياتية إبان الحرب الباردة بحجم التعقيدات التي واجهته في إنشاء وبناء حاملات طائرات تمخر عباب البحر باطمئنان، مستندة الى فاعلية حمولتها. أما القطع التي أدخلها الاتحاد السوفياتي آنذاك فكانت تحمل على متنها قاذفات قنابل تطلق عمودياً ذات فعالية متدنية. بعد طي صفحة الحرب الباردة، كانت تلك القطع على رأس القائمة للسفن التي خرجت من الخدمة.

العقبات التي اعترضت بلوغ القوى المشار إليها تطوير ترسانتها البحرية، خاصة ألمانيا والاتحاد السوفياتي، تنسحب أيضاً على طموح الصين. تحيط بشواطئها سلسلة جزر تعود ملكيتها إلى دول أخرى وتنظر بعين الريبة والحذر إلى توجهات الصين. في المقابل، السلاح الجوي لدولة ذات مساحة جغرافية واسعة يستطيع إنزال الهزيمة بسلاح البحر، مثلما خبرت بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية.

تستطيع الصين السيطرة على سلسلة الجزر التي تطمع إلى ضمها لو أحسنت استخدام تكتيك سلاح البحرية الأميركية في الحرب العالمية الثانية، بشن غارات برمائية مكثفة على الأهداف. لكن السيطرة على الجزر المحيطة باليابان استغرقت ثلاث سنوات تخللها دخول القوات البرمائية وسلاحي الجو والبحرية قبل الاطمئنان الى السيطرة الكاملة. تملك الصين قدرات لا بأس بها من القوات والقدرات البرمائية، لكن النتيجة ليست في متناول اليد او مضمونة، لا سيما عند الأخذ في الاعتبار افتقارها الى قدرات لوجستية عسكرية كبيرة، تتطلبها مهمة السيطرة على تلك الجزر وإمدادها بما تحتاج إليه من موارد.

حضور الصين كقوة عالمية قد لا يتحقق في المدى القريب، خاصة إذا ثبتت الولايات المتحدة عند التزاماتها المعلنة بحماية حلفائها الإقليميين. واستطراداص، قد يؤدي هذا الوضع الى استمرار الولايات المتحدة قوة كبيرة الحضور في منطقة الشرق الأوسط وتسخير أقل ما يمكنها من موارد للتحرك شرقاً بصورة دائمة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى