هل روسيا مستعدة للذهاب حتى النهاية في أوكرانيا؟

عامر نعيم الياس

بدأت العملية الأمنية للقوات الأوكرانية الموالية للغرب وواشنطن في شرق البلاد، الذي يشهد تحرّكات موالية لروسيا في سيناريو مشابه لما حدث في شبه جزيرة القرم. عملية أمنية لكييف هدّد خلالها فاسيل كروتوف، المسؤول الثاني في جهاز الاستخبارات الأوكراني، مَن سمّاهم بالانفصاليين الموالين لروسيا، «بالتصفية» إذا لم يلقوا أسلحتهم، تهديد جاء في إطار التحرك العسكري لكييف الذي ما كان ليتم لولا أمر عمليات مدير الاستخبارات المركزية الأميركية جون برينان، ومباركة البيت الأبيض أمس «لتحرّك سلطات كييف المشروع لفرض الأمن والنظام في البلاد».

روسيا من جهتها تحرّكت، أبلغ الرئيس فلاديمير بوتين أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون بأنه يريد أن تدين المنظمة الأممية العملية العسكرية «غير الدستورية» التي تشنّها أوكرانيا ضدّ المواطنين الروس في شرق البلاد، كما أبلغ المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل خلال اتصال هاتفي أمس بأن «التصعيد العدواني للنزاع الأوكراني يضع البلاد على حافة الحرب الأهلية»، تصريح كرّره رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف.

حرب التصريحات والمواقف بين موسكو من جهة، وكييف وواشنطن من جهة أخرى، تأتي قبيل اجتماع الرباعية الولايات المتحدة، روسيا، الاتحاد الأوروبي، كييف المقرر اليوم حول أوكرانيا، إذ من الواضح أن الأطراف المتصارعة تحاول رفع نبرتها بهدف الخروج بأفضل نتيجة من المفاوضات، موسكو تريد الفدرلة، أو الاتفاق حول تقاسم السلطة كما جرى قبيل الانقلاب على يانكوفيتش، وواشنطن تريد وأد التمرد الموالي لروسيا في شرق أوكرانيا، ومقايضة العقوبات على روسيا بوجود السلطة الحالية في كييف، تباعد في الواقف وصراع يطرح جملة تساؤلات: هل الكرملين على استعداد للذهاب حتى النهاية في أوكرانيا؟ ألا يدرك سيد الكرملين تداعيات الصدام مع واشنطن والاتحاد الأوروبي سياسياً واقتصادياً؟ أم أن موسكو ستتجاهل كل المخاطر المترتبة على هذا التصعيد؟ هل تستطيع الولايات المتحدة وأوروبا فرض عقوبات ذات تأثير على روسيا؟

تعقّد الوضع في شرق أوكرانيا ودخلت لعبة كسر العظم بين موسكو وواشنطن مرحلة حساسة مفتوحة على كافة الاحتمالات بما فيها تحويل أوكرانيا إلى ساحة للصدام في حال لم يُستجاب للمطالب الروسية والتي تتمحور حول الفدرلة. نظام سياسي يسمح لموسكو بتحقيق أمرين: الأول، السيادة المحدودة، أو بمعنى آخر السلطة المبتورة لكييف على أوكرانيا بهدف منعها من الانسياق الأعمى وراء الغرب. والثاني، ضمان مصالح موسكو في أوكرانيا عموماً وشرقها خصوصاً، إذ تسمح «الفدرلة لموسكو بالتحكم في القسم الشرقي من أوكرانيا سياسياً واقتصادياً»… تنقل «ليبراسيون» الفرنسية عن آن دوتينغي الباحثة في مركز الدراسات والأبحاث الدولية «CERI».

مما لا شك فيه أن البيت الأبيض لا يريد الانحناء أمام الكرملين كما حدث في القرم، مستغلاً الانقسام في أوكرانيا من جهة، ومن جهة أخرى قربها من روسيا وما يشكله تفجير الأوضاع فيها من استنزاف لموسكو على المدى الطويل، لكن هنا وفي هذه النقطة بالذات تستند الإدارة الأميركية على مفهوم «الدولة الإقليمية» التوصيف الغريب للرئيس الأميركي باراك اوباما لروسيا، دولة بالمفهوم الأميركي لا تستطيع المواجهة حتى النهاية في أوكرانيا، تلوّح بالقوة وتنشر جنودها على الحدود مع أوكرانيا لكن لا تستخدمها.

عام 1997، وفي عهد الرئيس الضعف في تاريخ روسيا، بوريس يلتسين، أقرت العقيدة الأمنية للبلاد وجاء فيها «ضرورة حماية المواطنين الروس في أي بقعة من بقاع العالم»، واليوم وفي عهد الرئيس بوتين لم تختلف الأمور نهائياً، ركز خلال خطاب ضم القرم على الأمر ذاته، والذي يعد في صلب الموقف الروسي ممّا يجري اليوم في شرق أوكرانيا، كما أنه عامل من عوامل التدخل في أوكرانيا والتي تتلخص بالتالي:

ـ حق حماية المواطنين الناطقين باللغة الروسية في شرق أوكرانيا بكل الوسائل المتاحة.

ـ الخطاب الروسي حول أوكرانيا يركز على عدم قدرة السلطات الحاكمة في كييف على الحكم وضمان أمن البلاد.

ـ الخطاب الروسي تجاه أوكرانيا يقوم أيضاً على مبدأ حماية الشعب الشقيق في أوكرانيا.

تقول «ليبراسيون» الفرنسية إن «القادة الروس مستعدون للذهاب حتى النهاية في أوكرانيا إذا لم يحصلوا على ما يريدون. هم يعتقدون أن تكاليف سياستهم في أوكرانيا لن تكون مرتفعة». في المقابل تحاول «لوفيغارو» الفرنسية شرح الأمر من بوابة الاقتصاد والانقسام الأوروبي، إذ تقول: «الجبهة الجديدة التي فتحها فلاديمير بوتين تركت الفرنسيين في مواجهة مأزق استراتيجي فأوروبا منقسمة» مضيفةً إن الهدف الأول للضغط الروسي والتلويح بورقة الغاز هي ألمانيا التي تستورد 40 مليار متر مكعب، بمعنى آخر ثلث الغاز المصدر من غاز بروم إلى الاتحاد الأوروبي.

إذاً، نحن هنا أمام عامل آخر من عوامل القلق الأوروبي الذي سينعكس ضغطاً على واشنطن وبعض حلفائها المندفعين كالرئيس الأقل شعبية في تاريخ الجمهوريات الفرنسية فرانسوا هولاند، ولعل في كلام وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله، ما يختصر عدداً من إشارات الاستفهام ويوصّف الواقع بدقة، إذ قال: «على الغربيين عدم جعل الأمور صعبة بالنسبة إلى روسيا».

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى