جون كيري… قفْ بحزم

ترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق

حان الوقت كي يحزم وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية موقع بلاده في عملية السلام في الشرق الأوسط.

كتب: زبغنيو بريجينسكي، فرانك كارلوتشي، لي هاملتون، كارلا أ. هيلز، توماس بيكرينغ، وهنري سيغمان

لا بدّ أن نشيد بالجهود غير العادية المبذولة من قبل وزير الخارجية الأميركية بهدف إحياء مفاوضات السلام «الإسرائيلية» ـ الفلسطينية، والدعم القوي الذي لاقته هذه المبادرة من الرئيس باراك أوباما. نحن نتفهم أهمية هذه الجهود والأولوية التي أعطاها كيري لها، ونؤمن ـ من ناحية أخرى ـ بأن السرّية التي أحاط بها كيري المفاوضات، لا يجوز أن تمنع التعبير عن قوّة بعض المواقع الأميركية الأساسية وعلنيتهل:

المستوطنات: إن رفض الولايات المتحدة التوسع في بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة من قبل الحكومة «الإسرائيلية»، باعتبار أن هذا التوسع «غير شرعي» و«غير مفيد»، يؤكد مدى تدميرية هذا الفعل. كذلك فإن هذا لا يبدّد الانطباع بأنه علينا تقبّل هذا الواقع على رغم الاعتراضات البلاغية الكثيرة عليه. فالتلويح بوقف العملية الدبلوماسية في وقت معين، إلى حين التزام «إسرائيل» شروط القانون الدولي والاتفاقات السابقة، سيؤدي حكمًا إلى إلقاء اللّوم على الجهة المعنية بخرق هذه القوانين.

التحريض الفلسطيني: يُتّهم رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو بتهمة الكيل الدائم بمكيالين إزاء كل المطالب الفلسطينية التاريخية، والتي تقف في وجه القبول «الإسرائيلي» بقيام دولة فلسطينية. ويجاهر حزب الليكود كما غيره من الأحزاب «الإسرائيلية» السياسية ـ بشأن الادّعاءات «الإسرائيلية» ـ بشرعية سيطرته على كامل فلسطين، بتسمية الضفة الغربية منطقة «متنازع عليها» بدلاً من أراضٍ محتلة. علاوةً على ذلك، تصرفت الحكومات «الإسرائيلية» المتعاقبة حيال هذه المطالبات بإقامة المزيد من المستوطنات اليهودية في القدس الشرقية وجميع أنحاء الضفة الغربية.

من المؤكد أن «التحريض» في الخطاب الفلسطيني يكاد لا يُقارن بالتحريض «الإسرائيلي» على المصادرة الفعلية للأراضي الفلسطينية. وإذا كانت الولايات المتحدة غير مستعدة للاعتراف بذلك، سيكون الأمل في نجاح هذه المحادثات ضئيلاً جداً، الأمر الذي يعتمد الآن على قوة النفوذ السياسي الأميركي والتصميم على استخدام هذا النفوذ، شرط توافر بوادر حسن النيّة من الطرفين.

يهودية دولة «إسرائيل»: «إسرائيل» هي دولة يهودية لأن غالبية سكانها هم من اليهود، فالدين اليهودي وأيام الأعياد التاريخية والوطنية يهودية، كذلك فإن لغتها هي العبرية. لكن مطالبة «إسرائيل» بضرورة اعتراف الفلسطينيين بأن هذه الأرض كانت وستبقى الوطن القومي للشعب اليهودي، يُقصد به الموافقة على استبدال الشعب العربي الفلسطيني بالشعب اليهودي، ويزيد أيضًا من مخاوف العرب إزاء استمرار المعاملة التمييزية للمواطنين العرب في «إسرائيل».

يبدو أن «الإسرائيليين» محقون في الإصرار على ضرورة اعتراف الفلسطينيين بشرعية دولة «إسرائيل»، وهذا ما سبق أن أعلنوه على التوالي عامَيْ 1988 و1993. غير أنه لا يحق لهم ـ في المقابل ـ مطالبة الفلسطينيين بالتخلي عن وطنيتهم الخاصة بهم، وعلى الولايات ألا تكون طرفًا في تحقيق مثل هذا المطلب. بل إن اعتراف الفلسطينيين بـ«إسرائيل» كدولة يهودية، يكون في مقابل منح مواطنيها غير «الإسرائيليين» حقوقًا وطنية كاملة ومتساوية.

أمن «إسرائيل»: أعطت الولايات المتحدة انطباعًا بأنها تسمح بإقامة دولة يهودية آمنة تبسط سيطرتها على كامل حدود فلسطين وعلى وادي الأردن. رفض عدد من رؤساء الوكالات الاستخباراتية السابقة وخبراء الأمن في البلاد هذه الصيغة المقترحة لأمن «إسرائيل»… وقد صرّح رئيس الاستخبارات «الإسرائيلي» السابق قائلاً: «ليس أمامنا سوى التلاعب».

إن مصادرة «إسرائيل» غير القانونية لأراضي الغير يقلّل من استقرار أمنها. هذا الاستيلاء غير القانوني يفاقم من إحساس العرب بالظلم الذي ولّدته ممارسات «إسرائيل» على مدى أكثر من نصف قرن، ويهدّد كل يوم بتجدّد العنف. لن يقوم أي زعيم فلسطيني بتوقيع اتفاق سلام ينطوي على تنازل موقت أو حتى بعيد الأمد، ما يعوّق إمكانية التوصل الى اتفاق من شأنه إنهاء الاحتلال «الإسرائيلي». غير أن التحسن الهامشي في أمن «إسرائيل» الذي تؤمّنه المطالب «الإسرائيلية» التوسعية ـ بالكاد ـ يستطيع تبرير القهر والحرمان الناتج عن رفض «إسرائيل» منح هؤلاء المواطنين حق المواطنة في الدولة اليهودية.

شروط اتفاق السلام التي تقدّمت بها حكومة نتنياهو سواء في ما يتعلق بالأراضي، والحدود، والأمن، والموارد واللاجئين أو موقع عاصمة الدولة الفلسطينية، تتطلب بعض التنازلات عن الأراضي الفلسطينية وتحقيق سيادة الأراضي الواقعة على خط السادس من حزيران/يونيو عام 1967. إنها «تنازلات مؤلمة»، فيما لم يَعِد نتنياهو بالمقابل بأيّ تنازلات من جانب حكومته، وذلك في خطابه الشهير أمام الكونغرس الأميركي في أيار/مايو 2011.

تقع كل هذه المطالبات على الجانب الفلسطيني من الخط. وعلى رغم أن خطة التقسيم في الأمم المتحدة قد اعترفت بملكية الفلسطينيين النصف الكامل من الأراضي المخصّصة لهم، وذلك في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947، وهي خطوة غير مسبوقة سُجّلت للرئيس السابق شمعون بيريز، غير أنها لم تطالب بمكعب واحد من الأراضي الواقعة ما بعد خط السادس من حزيران 1967.

إن جهود نتنياهو اللامتناهية لتحقيق التوازن بين المطالب «الإسرائيلية» والفلسطينية، وإصراره الدائم على التقسيم غير العادل بين الفريقين والذي يمنح «إسرائيل» الكثير ممّا يرد على جدول أعمالها التوسعية الاستيطانية، والتي تتجاوز 78 في المئة من ممتلكات الفلسطينيين، كل ذلك غير مقبول سياسيًا وأخلاقيًا. لا يجوز أن تكون الولايات المتحدة طرفًا في جعل كل هذه الجهود حيّز التنفيذ، لا في جزيرة القرم ولا حتى في الأراضي الفلسطينية.

ما زلنا لا نعلم مدى التقدّم الذي أحرزته الأطراف المتحاورة قبل انقطاع المحادثات في الآونة الأخيرة، والتي تمحورت هذه المرة حول قضية الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين. لكننا مقتنعون أنه مهما تباعدت وجهات النظر بين المتحاورين، فلا تزال أمامهم الفرصة سانحة للوصول إلى حلّ… وإذا ما أجادت أميركا لعب دورها السياسي والأخلاقي، فستفضي محادثات السلام إلى خواتيم ناجحة ومبشّرة، بدل أن تبقى قابعة في صمتها وغموضها.

المؤلفون هم من كبار مستشاري مشروع الشرق الأوسط الأميركي، وهم على التوالي، مستشار الأمن القومي، وزير الدفاع الأميركي الأسبق، الرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، الممثل التجاري الأميركي السابق، الوكيل السابق لوزارة الخارجية للشؤون السياسية ورئيس مشروع الولايات المتحدة / الشرق الأوسط.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى