دور مصر الإقليميّ إلى أين؟ انتخابات الرئاسة فرصة ثمينة للتغيير

د. وفيق ابراهيم

تتّجه مصر إلى انتخابات رئاسية لا تقتصر أهميتها على تحديد هوية الرابح، بل في ما يمكن أن تحدثه لناحية استعادة العناصر التي أفرغت أكبر بلد عربي، وأكثره تاريخية من دوره الإقليمي.

مصر نهرٌ وتاريخ، ونهر النيل يجري في سبع دول أفريقية قبل أن يصل إليها. لذلك تأسس الدور المصري الإقليمي، ومنذ الفراعنة، على العلاقة الجيدة بأفريقيا والتحالف مع أهل المشرق العربي حيث خاضت مصر أهم معاركها في التاريخ وهزمت المغول والصليبيين على أراضي سورية التاريخية.

أما الذي دمر هذا الدور فهو الرئيس السادات الذي عقد اتفاقية كمب ديفيد مع الكيان «الإسرائيلي» فأخرج مصر من «العرب» وأفريقيا. وعزلها داخل حدودها فأصبحت أقل أهمية من الجزر المنسية في المحيطات. وتابع مبارك سياسة سلفه مع تقديم أوراق اعتماده إلى السياسة الأميركية على طريقة المرتزقة، مرسلاً جنود مصر إلى حيث أرادت واشنطن.

ولم يشذّ الرئيس مرسي عن القاعدة، فسعى إلى بيع إمكانات مصر لمن يدفع، متعهداً الحرص على كمب ديفيد لمن أسماه «صديقي في تل أبيب».

بالعودة إلى الموضوع، يتبين أن انتخابات مصرية جديدة تجرى وسط ثلاثة مؤشرات خطيرة، سدود أثيوبية بالجملة تستولي على نحو 30 في المئة من حصة مصر من النهر مع ما يعنيه ذلك من خطر مستطير على الاجتماع المصري التاريخي. ويتم بناء السدود بتعاون «إسرائيلي» مكشوف على مستوى التمويل والتنفيذ سدّ النهضة وإعلان وزير خارجية تركيا أوغلو من أثيوبيا مباشرة استعداد بلاده لدعم بناء الجسور بالمال والخبرات.

فهل موضوع السدود مصادفة؟ وكيف تجتمع أثيوبيا وتركيا و«إسرائيل» في مشاريع تستهدف الأمن المصري في «نيلها». وما علاقة واشنطن «البريئة» بالأمر؟

يتساءل الخبراء ببساطة، وهذا مؤشر ثان إلى كيفية اجتمع كل هذا الإرهاب على أرض مصر بعد انكفاء «الإخوان المسلمين» ومصدره المناطق المصرية القريبة من الكيان «الإسرائيلي» وغزة في صحراء سينا؟ ومن يموّله ويسلّحه؟ أهي أيضاً مصادفة باللغة الأميركية! هذا الإرهاب الذي يشنّ هجمات ضد المدنيين والأضرحة والآثار ومواقع العلم. ويرتبط المؤشر الثالث بالتباس السياسة الأميركية من النظام المصري الجديد، فلا يقطع معه ولا يواليه، مستمراً في إخضاعه لمرحلة تمرين وانصياع على بنود السياسة الخارجية الأميركية. وكذلك تفعل «إسرائيل» التي تعلن أن كمب ديفيد هو دستور مقدس. ولا تكتفي بذلك بل تدعم أثيوبيا في السطو على مياه النيل. وتغض الطرف عن تجمع الإرهابيين في سيناء، إذ تعرف أن أثيوبيا في مسألة النيل والصراعات الداخلية في مصر، هما عاملان ينهكان الدولة المصرية ويمنعانها من استعادة دورها الإقليمي، وقد يشجعانها على تبني سياسة مبارك ـ مرسي في تحويل الجيش المصري البطل إلى مرتزقة تخوض حروب أميركا وأصدقائها في الخليج وغيره لأجل كميات من الديون والهبات.

تنكشف الأهداف في الموقف التركي أيضاً، المؤيد لـ«الإخوان المسلمين» من جهة وأثيوبيا من جهة ثانية، ما يوضح مرامي أنقرة في إبقاء مصر داخل حدودها على حال من الإنهاك والضعف الشديدين في صراعات داخلية وخارجية قاتلة، فيخلو الجو للعثمانيين في مشاريعهم المتجددة.

هناك أيضاً عنصرٌ لا بد من إيراده ولا يخفى على اللبيب، هو الموقف السعودي من مصر الذي يؤدي دوراً كبيراً في دعم النظام الحالي بذريعة عدائه لـ«الإخوان المسلمين». وفي الحقيقة لا يخرج دور الرياض «المصري» عن توجيهات أميركية بمحاولة احتواء المشير السيسي تمهيداً لاستعماله في سياسات إقليمية تعيد تقليص الدور المصري المرتقب إلى أقل من مرحلة مبارك.

معظم الخبراء يعتقدون أن الدور المصري الإقليمي على طريقة محمد علي باشا وعبد الناصر غير ممكن إلاّ بعودة مصر إلى لونها العربي وهذا ثمنه إلغاء كمب ديفيد على الأقل.

وحفاظ مصر على جريان نهر النيل العظيم لا يكون إلا بأدائها دوراً أفريقياً كبيراً يدفع في اتجاه تحالفات من رأس النيل حتى مصبه.

لعلنا نذكر محمد علي باشا الألباني الأرناؤوطي الذي فهم لعبة «النيل» فحاول الوصول إلى روسيا ومنعته بريطانيا. فهل يكون السيسي من فئة هؤلاء؟ ليس غريباً على مصر إنتاج العظماء والأبطال في مختلف مراحل التاريخ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى