كيف خطّط السنيورة لـ«إعدام» السلسلة بين بيروت والسعودية؟

محمد ابراهيم

يسود الاعتقاد بأن سلسلة الرتب والرواتب طارت إلى ما بعد الاستحقاق الرئاسي، وأن اللجنة النيابية «البدعة» التي انبثقت عن الجلسة العامة الأخيرة لإعادة درسها، لن تكون مهمتها سوى تقطيع الوقت وإضاعته، لأن المشاركين فيها، أو معظمهم، خطّطوا قبل الجلسة وخلال اجتماعات اللجان المشتركة لإطاحتها وإعدامها.

بات معلوماً أن رئيس كتلة «تيار المستقبل» فؤاد السنيورة هو الذي قاد هذا المخطط انطلاقاً من قناعاته وانحيازه إلى حيتان المال والنظام الريعي الذي عزّزه وكرّسه أثناء ترؤسه الحكومة أو تولّيه وزارة المال. لكن تفاصيل هذا الانقلاب على حقوق الموظفين والمعلمين والأجراء بقيت في دائرة ضيقة من فريق عمله. ووفق المعلومات المتوافرة لمراجع مطلعة، فإن السنيورة أعدّ العدّة منذ بدء مناقشة السلسلة في اللجان المشتركة لهذا الانقلاب، وقطع شوطاً في ذلك قبل الجلسة التشريعية التي سبقت جلسة السلسلة، وطلب إلى الرئيس بري يومئذ تحديد موعد هذه الجلسة بعد عودته من زيارته للسعودية ولقائه الرئيس سعد الحريري. وتضيف المعلومات أنه وضع في حساباته قبل الذهاب إلى الرياض خيارين، إما «تشحيل» السلسلة وإفراغها من مضمونها، أو تأجيل درسها وإقرارها حتى إشعار آخر. وأخذ في حساباته أن عدداً من أعضاء كتلة «المستقبل» كان منحازاً إلى إقرارها بسبب الضغوط التي يتعرض لها من قواعده، لا سيما في مناطق الأطراف في عكار والبقاع.

خلال اجتماعه بالحريري، مستعيناً بـ«التحليل الرقمي» لأحد معاونيه النائب غازي يوسف، أوحى له أن «القيامة ستقوم ولن تقعد» إذا أقرّت السلسلة، طالباً تفويضه للتعامل مع هذا الموضوع «حفاظاً على الاقتصاد والبلد» كما عبّر في ذلك الاجتماع.

تقول المعلومات إن الحريري كان حذراً في تفويضه، لا سيما أن العلاقة بينهما تبقى دوماً في دائرة الحذر لاعتبارات شخصية ومصلحية وحتى سياسية. ومع ذلك استطاع السنيورة إقناعه بوجهة نظره والحصول على تفويضه في التعامل مع هذه المسألة، وتجاوز اعتراضات بعض نواب الكتلة وتحفظاتهم عن موقفه.

في الأثناء، كانت اللجان المشتركة تشهد سجالاً طويلاً وجدياً انخرط فيه الجميع وبينهم نواب «المستقبل» للموازنة بين كلفة السلسلة والإيرادات، ووافقوا على كل ما توصّلت إليه اللجان، ما عدا موضوع نسبة زيادة ضريبة الـ TVA وحدودها، فترك البت به إلى الهيئة العامة. وإذا كان بعضهم عارض الضرائب على المصارف، وفي مقدمهم غازي يوسف، فإن البعض الآخر لم يعترض، وتمّ التصويت في اللجان المشتركة على إقرارها. وكان نواب «المستقبل» أيضاً مع الرسوم على الأملاك البحرية المخالفة من دون تحفّظ. وعلى وقع المناقشات والنتائج في اللجان طلب السنيورة بعد عودته من السعودية موعداً للقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي لبّى الطلب، وحصل اللقاء قبل أيام قليلة من الجلسة العامة.

خلال اللقاء خاطب السنيورة بري قائلاً: «دولة الرئيس، هناك من يطالب بتحويل الجلسة العامة إلى جلسة غير علنية أنطوان زهرا ونواب آخرون ، ليس هناك في رأيي سبب لذلك، ولتبقَ علنية». وردّ الرئيس بري بأن مثل هذه الجلسات تُعقد علنية تحت سمع الإعلاميين وبصرهم، وأنا مع إبقائها علنية رغم أنني سأطرح الأمر على التصويت إذا طالب أحد النواب بذلك. وكرّر السنيورة: «فلتبق الجلسة علنية وغير سرّية». وفي الاجتماع شدّد رئيس كتلة «المستقبل» على خفض كلفة السلسلة داعياً إلى «ترشيقها» إلى الحد الأدنى، وتعديل الكثير من البنود والعطاءات فيها، متجنّباً الخوض في مناقشة التفتيش عن الإيرادات التي توازن كلفة السلسلة، وفق مطالب هيئة التنسيق النقابية. وبنتيجة المناقشة تعهّد السنيورة لبرّي بالعمل على موازنة الإيرادات وخفض السلسلة، لكنه لم يأت لا من بعيد ولا من قريب على تأجيل إقرارها أو على أي اقتراح يقضي بإعادة درسها. وفي الجلسة التشريعية العامة كانت المفاجأة الأولى أن السنيورة تصرّف على عكس ما قاله أمام برّي في شأن سرية الجلسة أم علنيتها، فصوّت مع كتلة «المستقبل» إلى جانب اقتراح تحويلها إلى سريّة، بينما بقي النائب غازي يوسف ملتزماً بما قيل في عين التينة. وهنا ناداه بري إلى منصة الرئاسة سائلاً عن سبب تغيير موقف السنيورة والكتلة، فاكتفى يوسف بأنه صوّت لإبقاء الجلسة علنية. فردّ بري: «لقد شاهدت وعرفت».

ثم حصل بعد ذلك ما كان توقّعه الرئيس بري قبل الجلسة، إذ انقلب الرئيس السنيورة على ما قاله في عين التينة واقترح في مداخلته المطوّلة تشكيل لجنة نيابية لإعادة درس السلسلة من دون أن يحدّد لها فترة معينة.

كان السنيورة أشرف على صفقة الاتفاق مع التيار الوطني الحر حول التأجيل، مستفيداً أيضاً من موقف النائب وليد جنبلاط وباقي «14 آذار». بل «دبّج» هذا الخيار بالاتفاق مع الهيئات الاقتصادية وتحديداً جمعية المصارف، سعياً إلى إطاحة السلسلة حتى إشعار آخر. ويقول الرئيس بري إنه لم يفاجأ بما حصل، وربما فوجئ ببعضها، ويقصد موقف عون وانخراطه في اتفاق التأجيل ليلة الجلسة من دون إعلام أحد من الحلفاء أو حلفاء الحلفاء.

في هذا الصدد، يقول رئيس المجلس: «قلت وأكرر إنني لا أنظر إلى سلسلة الرتب والرواتب على أنها زيادة أرقام ومعاشات فحسب، بل هي في الحقيقة خطة إصلاحية كانت ستحدث صدى إيجابي في البلاد تماماً مثلما فعلت الخطة الأمنية في طرابلس والبقاع، وقلت هذا الكلام في اجتماع كتلة التنمية والتحرير عشية الجلسة. وأود أن أوضح أن الإيرادات التي توصلت إليها اللجان المشتركة فاقت كلفة السلسلة». ويضيف بري: «الحقيقة أنهم لا يريدون الضرائب على الشركات الكبرى والمصارف. فإذا كانوا يرفضون الضرائب على المصارف التي تجني كما قلت الأرباح الفاحشة، وإذا كانوا لا يريدون الضرائب على الأملاك البحرية المخالفة، ولا على الشركات الكبرى، ولا يريدون أيضاً الضرائب التصاعدية التي تطال الأغنياء ولا تصيب الفقراء… ذلك كلّه يؤكد أنهم يحاولون توجيه سهام الضرائب في اتجاه المزارعين وأصحاب الدخل المحدود والمصانع والمؤسسات الصغيرة حماية لأصحاب الأموال وإفشالاً للسلسلة بما فيها الإصلاح الإداري».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى