غابرييل غارسيا ماركيز 1928 – 2014 روائيّ الخيال السحريّ ونصير القضايا العادلة

توفى مساء أوّل من أمس الأديب الكولومبي الحائز نوبل الآداب، غابرييل غارسيا ماركيز الذي اشتهر بفضل روايته «مئة عام من العزلة» الصادرة عام 1967 وكانت من أكثر الكتب مبيعاً عالمياً. ورغم أن الروائي البريطاني أنطوني بوويل قال عن الرواية إنها «من أسوأ الأعمال متوسطة المستوى المبالغ في تقدير شخوصها»، فإن أسلوب ماركيز نال إعجاب القراء على مستوى العالم.

ولد غابرييل خوسيه غارسيا ماركيز عام 1928 في بلدة أراكاتاكا، شمال كولومبيا، وعاش برعاية جدّيه طفولة وصفها لاحقاً في مذكراته الأولى «عشت لأروي» بأنها سبب أعماله كلّها. ومنحه جده، الناشط السياسي الليبرالي وبطل حربين أهليتين، وعياً سياسياً منذ صغره. وتعلم ماركيز من جدته الحكايات الشعبية والخرافية، وحدثته عن الأسلاف الموتى والأشباح والأرواح الراقصة بأسلوب تجريدي تبناه لاحقاً في أعظم رواياته. وكتب ماركيز أولى رواياته في سن الثالثة والعشرين، متأثراً فيها بأعمال ويليام فوكنر، لكنها قوبلت بالكثير من النقد.

عام 1965 لاحت لماركيز فكرة كتابة أول فصول رواية «مئة عام من العزلة» أثناء قيادته في الطريق إلى مدينة أكابولكو، فاستدار في الطريق وعاد إلى منزله وعزل نفسه في غرفته، مستهلكاً ست علب من السجائر يومياً. وخرج من عزلته بعد 18 شهراً، ليجد عائلته مدينة بـ 12 ألف دولار. ولحسن حظه كان كتب روايته الرائعة المكوّنة من 1300 صفحة. وبيعت الطبعة الإسبانية الأولى من روايته خلال أسبوع، وعلى مدى ثلاثين عاماً، بيعت أكثر من ثلاثين مليون نسخة من الرواية وتُرجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة.

امتُدح ماركيز لجودة لغته النثرية وثرائها تعبيراً عن خياله الخصب، فيما رأى البعض أن في أعماله مبالغة وأسلوباً خرافياً للهرب من عدم استقرار بلاده. وكان أسلوب ماركيز الأدبي المتفرد نتيجة مزيج من التخبط السياسي والترابط العائلي والالتزام الديني وتصديق الخرافات. وتُظهر أعماله، مثل «الجنرال في متاهته» و»خريف البطريرك»، حماسته السياسية المتزايدة بعد متابعته العنف المضطرم في كولومبيا. ونُفي إلى أوروبا بعد كتابته مقالاً وضع الحكومة الكولومبية في مأزق شديد.

وعندما نشر رواية مبنية على قصص عاشها لاجئ من شيلي أثناء عودته إلى بلاده، أحرقت حكومة شيلي 15 ألف نسخة منها. واستمر ماركيز في تقديم أعمال ذات ميول يسارية، وأصبح صديقاً شخصياً للرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران، كما جسد مصالح صديق آخر هو الزعيم الكوبي فيدل كاسترو، في بوغوتا.

حاز ماركيز نوبل الآداب عام 1982 وأثنى مانحو الجائزة على حيوية أسلوبه النثري وثراء اللغة التى عبر بها عن خياله الفياض.

رغم الجدال السياسي المتزايد، تأكدت موهبة ماركيز الأدبية المتفردة مع نشر روايته «الحب في زمن الكوليرا» عام 1986، وتحكي قصة رجل يزداد ولعه بامرأة على مدى 50 عاماً حتى يصل إليها في النهاية. وتقدم ماركيز لخطبة زوجته، ميرسيدس بارشا من أصول لبنانية ، في الثالثة عشرة من عمره، وعاش الزوجان في المكسيك لأكثر من نصف قرن. وانخرط في العديد من المناظرات السياسية، أبرزها مع الكاتبة سوزان سونتاغ، حول دفاعه عما رآه النقاد القمع المتزايد في كوبا.

وتسبب ذلك بمنعه من دخول الولايات المتحدة لبعض الوقت. ورُفع هذا المنع لاحقاً، وتلقى ماركيز العلاج من مرض سرطان الغدد الليمفاوية في كاليفورنيا. وتباطأ إبداعه مع الوقت، واستغرق كتابه «مذكرات غانياتي الحزينات» عشرة أعوام من الكتابة حتى صدر عام 2004. وفي كانون الثاني 2006 أعلن عدم قدرته على كتابة الروايات.

يعتبر أدب ماركيز نموذجاً لخليط من الخرافة والتاريخ، فهو يخلق عالماً يمكن فيه تحقيق أي شيء، وتصديق كل شيء، بلغة جذابة مليئة بالألوان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى