الفوضى الليبية وبؤس السياسة الأميركية

حميدي العبدالله

في خطابه عن حال الاتحاد في شهر كانون الثاني الماضي وقف الرئيس الأميركي باراك أوباما مخاطباً الكونغرس والرأي العام الأميركي عن نجاحات سياسته الخارجية، وتحدث عن ليبيا بوصفها قصة نجاح يُحتذى بها وتمثل مؤشراً على حسن ما قامت به الإدارة الأميركية في هذا البلد.

ولكن هل تمثل فعلاً ليبيا قصة نجاح، كما زعم الرئيس الأميركي، ليس من وجهة نظر الشعب الليبي ومدى تحقيق طموحاته وآماله وصيانة مصالحه وحقوقه الأساسية، بل حتى من وجهة نظر أميركية، ومدى تحقيق المصالح الأميركية في ضوء الوضع القائم الآن في ليبيا؟

ما يجري في ليبيا الآن يتسم بالآتي:

انتشار واسع للإرهاب غطى كلّ أنحاء البلاد من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، إرهاب يستهدف المواطنين الآمنين، كما الرموز العاملة في جهاز الدولة الجديد.

تقسيم البلاد إلى أقاليم ومقاطعات تجاوزت التقسيم الذي كان سائداً في عهد الاستعمار، بل إنّ كلّ مدينة باتت تمثل كياناً سياسياً قائماً بذاته، وتتنازع هذه الكيانات في ما بينها، وخاضت وتخوض معارك طاحنة للاستيلاء على الموارد، ذهب ضحيتها مئات، بل آلاف الضحايا.

فوضى مسلحة تعمّ البلاد من أقصاها إلى أقصاها، والكلمة الأولى والأخيرة ليس للهيئات المنتخبة، بل لحملة السلاح الذين ما برحوا يحاصرون المجلس التشريعي ويفرضون عليه ما يشاؤون، وهرب رئيس حكومة جرى التوافق عليه بين المكوّنات السياسية والحزبية المشاركة في المجلس التشريعي، واعتذر رئيس حكومة آخر بسبب ما تعرّض لـه من تهديد، وهو رئيس الحكومة الحالي الذي لم يكمل مهمته بتشكيل حكومة جديدة.

الاستيلاء بقوة السلاح على ثروة البلاد النفطية، وتبديد هذه الثروة، إلى درجة أنّ خزائن الدولة باتت خاوية، ورواتب العاملين فيها بالكاد تؤمّن بصعوبة في بلد اشتهر بضخامة ثروته نظراً لعائداته النفطية الهائلة مقابل عدد سكانه المحدود.

هذا هو الواقع الحالي، فمن نافل القول إنّ نهوض الدولة بواجباتها الخدمية والتنموية هو من رابع المستحيلات في ظلّ هذه الأوضاع التي حوّلت حياة الشعب الليبي إلى جحيم، فهل هذا الذي جرى ويجري في ليبيا يمثل قصة نجاح للسياسة الخارجية الأميركية؟!

إذا كانت مغامرات السياسة الخارجية الأميركية العسكرية القائمة على الغزو والتي دمّرت العراق وأفغانستان، انتهت أيضاً بتكبيد الولايات المتحدة خسائر اقتصادية تقدر بتريليونات الدولارات واعتبرت قصة فشل، فشل للمحافظين الجدد وإدارة بوش الابن، فإنّ مغامرة الولايات المتحدة العسكرية في ليبيا بعهد أوباما هي أيضاً قصة فشل. فإذا كان معيار محاكمة السياسة الأميركية في ليبيا يتجسّد في إثارة الفوضى، واعتبار الفوضى مطلباً بحدّ ذاته بمعزل عن مدى تأثيرها على المصالح الأميركية، فهي بكلّ تأكيد تمثل قصة نجاح. ولكن إذا كان معيار النجاح هو إثارة «الفوضى الخلاقة» كوسيلة لتدمير أنظمة مستقلة ورافضة للهيمنة الأميركية والاستيلاء على ثروات البلاد التي تحكمها هذه الأنظمة، فهل كان نظام القذافي ممانعاً، ومناهضاً للسياسة الأميركية؟ ألم يفتح بلاده أمام الشركات الأميركية بعد ما عرف بـ«الاستسلام الوقائي» الذي أقدم عليه بعد الغزو الأميركي للعراق؟

أما إذا كان المعيار والهدف هو تحقيق المصالح الأميركية فمن المشكوك فيه أنّ المصالح الأميركية مؤمّنة الآن وفي المستقبل في ليبيا بأكثر مما كان عليه الحال في عهد القذافي.

ألا تؤكد هذه الخلاصات بؤس السياسة الأميركية؟ وهل فعلاً ليبيا قصة نجاح لسياسات العدوان الأميركي؟ الجواب القاطع على هذا السؤال برسم الشعب الأميركي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى