الإدراك الملكيّ لحركة التاريخ في الجغرافيا الثابتة يقود إلى زيارة موسكو… وقريباً سورية!

محمد أحمد الروسان

عبر هذا التحليل السياسي وفي ضوء حالة الدفع التاريخي الحاد السائدة في العالم اليوم، سأحاول أن أجمع وأكثّف في «حويصل» كمّاً من المعلومات، فنحن لا ننجّم ولا نقتحم علم المستقبليات الذي يعتمد نظريات فلسفة التاريخ عندما نبحث شكل العالم القادم بعد ضمّ القرم، لأننا أمام يالطا جديدة أنهت يالطا القديمة، والفاعل الوحيد والأوحد في التاريخ وحركته وفي صناعة المستقبل هو الله سبحانه وتعالى، والناس والجنّ مجرد أدوات يستعملها الخالق سبحانه لتحقيق التوازن في هذا العالم وعبر التدافع.

أحسب وأعتقد أنّ أوكرانيا أولوية أميركية أولى، وهي إنتاج الحدث السوري، وإيران أولوية ثانية، وهي الحلقة المستهدفة استراتيجياً عبر الحلقة السورية، والملف الفلسطيني أولوية ثالثة، والملف السوري عامة أولوية رابعة رغم الشعور الغربي بقلق شديد نتيجة ارتفاع أسهم إجراءات الانتخابات الرئاسية السورية في وقتها، وبفضل تحوّل الميدان العسكري السوري لمصلحة دمشق، والرسالة وصلت إلى الرياض عبر أوباما مباشرةً، وخضع الجيش السوري لإعادة هيكلة ميدانية عميقة وسيكولوجية بالغة الأهمية على مدار الأزمة السورية، وتعمل واشنطن على المتابعة، وعلى احتواء نتائج ضمّ القرم على المنظومة الدولية، بحيث لا يتمدّد النفوذ الروسي سريعاً في دول حدائقه الخلفية ذات المجال الحيوي للأمن القومي الروسي. وثمة قراءة أميركية في تفسير نبرة الرئيس محمود عباس أبو مازن الأخيرة، إذ وجدت فيها واشنطن إشارات تدخل روسي واضح في إعادة إحياء اللجنة الرباعية، بينما تريد أميركا جعلها بيدها وحدها، وبعيداً عن موسكو في الداخل الرباعي الدولي الراعي للمفاوضات، كذلك بعيداً عن موسكو خارج الرباعي الدولي.

كلّما ارتفعت، في تفاقم عميق، حدّة الكباش الروسي ـ الأميركي، ازدادت حرارة التدمير الممنهج في سورية وتوسّعت رقعة الإرهاب في المنطقة، وتوسع رقعة الإرهاب في الشرق الساخن وقلبه سورية، قد تغيّر وتبدّل المعادلات كافة وتقلب الطاولة على رأس الجميع، وهذا يدفع واشنطن الى حالة من المجاهرة والإعلان عما صارت تقبله ضمناً، وهو بقاء الرئيس الأسد ونسقه السياسي، شرط ضرب الإرهاب الأممي في المنطقة والعالم.

سلّة من الضغوط

هناك في المقابل طرف أميركي فاعل وصقريّ يتصل بحبل سريّ بالبلدربيرغ الأميركي يقوم بأدوار خطيرة تشي بأننا أمام المرحلة الثانية من الحرب في سورية وعليها، لتحسين شروط التفاوض الأميركي الغربي وبعض العربي المرتهن أمام المحور المقاوم الممانع والمضاد، وهناك أكثر من سلّة ضغوط مقبلة على الأردن لمزيد من توريطه في الحدث السوري ولنقل الفوضى اليه وجعله مثل اسفنجة تمتص مخرجات المفاوضات الفلسطينية ـ «الإسرائيلية» العبثية، فذهب الملك إلى موسكو، إلى جانب أسباب أخرى ثنائية وإقليمية سنأتي على ذكرها لاحقاً، مع استمرار الرياض في صنع الطبخة الكبرى ذات الرائحة التي تزكم الأنوف.

ثمة في الدولة الأردنية، بمؤسساتها المختلفة وعلى رأسها الملك، إدراك لحركة التاريخ في الجغرافيا الثابتة وعليها، وإدراك لقاعدة الدفع التاريخي الحاد الاحتكام والامتثال لثقافة العولمة والتجارة الدولية ونسج المصالح وتهيئة أسباب تعظيم المكاسب وتحويل الأخطار الى فرص ، ويدرك أنّ العالم بعد ضمّ القرم وعودتها الى حضن أمها الرؤوم ليس كالعالم قبل الضمّ، وللمرة الأولى بعد الحرب العالمية الثانية تتغيّر الحدود الدولية، ويمتدّ هذا الإدراك الى أنّ الصراع الآن في العالم هو صراع بين مفهوم احترام مبادئ الأخلاق التقليدية في السياسة الدولية والاحترام العميق للقانون الدولي، وهذا المفهوم المتصاعد تتبناه نواة الدولة الروسية، مقابل مفهوم تصنيف الدول في العالم بين محور الخير ومحور الشر، وتتبناه مؤسسات الولايات المتحدة المختلفة لتبرير عداواتها للشعوب المستضعفة، إذ فقدت القدرة على التأثير الجدّي والحقيقي في خصومها وحلفائها، وهي كما وصفها الإعلام المضاد للمحور الأميركي الغربي وبعض العربي المرتهن والتابع، مثل لاعب كرة القدم الذي وصل إلى سنّ متقدمة، فصار يلعب بخبرته لا بقدرته على المناورة والمراوغة.

يلحظ العالم أجمع الفرق بين النموذج الروسي الصاعد كقوّة دولية عظمى، والنموذج الأميركي الذي استنفد مخزونه من الكذب وقواميس الافتراء والغدر والاستكبار والاحتقار والخديعة والإجرام، باسم الواقعية السياسية الانتهازية وعبر المكارثيين الجدد في الإدارة الأميركية، صدى المجمّع الصناعي الحربي وصدى البلدربيرغ الأميركي ونواة حكومته الأممية، إذ أخرجت واشنطن موسكو من مجموعة الثماني الدولية G8، لتعود الأخيرة إلى صفتها الإمبريالية G7 بدول سبع، كما أنهت أشكال التعاون العسكري والمدني كافة مع موسكو بما فيها مكافحة الإرهاب ومكافحة المخدرات ومكافحة الإتجار بالبشر، وأبقت على التعاون بين روسيّا والناتو في الملف الأفغاني، بهدف تأمين بعض انسحابات للقوّات الأميركية والناتو من أفغانستان في نهاية هذا العام، إنْ صدقت النوايا.

إنّ دلّ ذلك على شيء فإنما على مدى انتهازية واشنطن، فهي تلغي ما يناسبها وتبقي ما يتفق ومصالحها الآنية الضيقة. إنها دولة تعاني النرجسيّة و«السوبر إيغو» على نحو شمولي، وصار نفوذها المعنوي يتراجع بسبب مواقفها السياسية وتدخلاتها الأمنية غير الأخلاقية. مع ذلك أعطتها الفدرالية الروسية درساً في الأخلاق السياسية، إذ اعتبرت موسكو مسألة الانسحاب عبر أراضيها وعبر مجالها الجوي مسألة إنسانية صرفة بامتياز، فالخطورة كبيرة على سلامة القوّات الأميركية الاحتلالية والناتويّة عبر الطرق البريّة الباكستانية، حيث نشاطات عسكرية عميقة لجماعات «طالبان باكستان» المسلّحة، والأخيرة بدأت حواراً مع إسلام أباد في محاولة مشتركة من باكستان وواشنطن لتأمين طريق احتياطي بديل للانسحابات العسكرية الاحتلالية الأميركية الأطلسية من أفغانستان عبر باكستان برّاً كخطّة بديلة، في حال تصاعد مروحة المواقف الروسية المتصاعدة كنتاج لحالات الكباش الروسي الأميركي، لجهة الدبلوماسي والسياسي، أو لجهة الاقتصادي والعسكري، أو لجهة الاستخباري والعلمي، أو لجهة الثقافي والفكري، وتداعيات ذلك كلّه على مشاعر العداء القومي والكراهية لسائر أطراف معادلات الكباش الأممي.

سلوك فجّ

انتهجت الولايات المتحدة الأميركية سلوكاً فجّاً في التعامل مع من كانت تعتبره الشريك الروسي الاستراتيجي، إذ علقت واشنطن التعاون بين وكالة «ناسا» في برنامج الفضاء ومؤسسة الفضاء الروسية، باستثناء النشاطات المتعلقة بمحطة الفضاء الدولية الروسية، والأخيرة بنتها موسكو وتفيد منها أميركا في الأبحاث العلمية المتقدمة. ومع كل هذه الانتقائية الفجّة غير الأخلاقية في واشنطن لن يطرد الروسي «شريكه» الأميركي من محطته، وعلى قاعدة أنّ البحث العلمي هو ملك للبشرية جمعاء، يظهر الموقف الروسي قيمة علمية وإنسانية مضافة تدلّل على قوّة ورقيّ وتسامٍ إنسانيّ لدى الفدرالية الروسية ونموذجها الأخلاقي والعلمي المتنامي والراقي.

لم تكن روسيّا في حاجة إلى سنوات لتعيد ترتيب بيتها الداخلي وآفاقه الخارجية، لتسجّل عودة بقوّة إلى واجهة المسرح الدولي. أذكر كمتابع ما بعد احتلال بغداد في 9 4 2003 قول وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس كانت مستشارة للأمن القومي آنذاك ردّاً على جبهة الممانعة الأوروبية للتدخل الأميركي السافر في العراق والمتشكلة آنذاك من فرنسا وروسيا وألمانيا: «علينا أن نعاقب فرنسا ونسامح ألمانيا ونهمل روسيا»!.

استطاعت موسكو أن تخرج من المخاض العسير غير المكتمل الذي دخلته مع انهيار حلف وارسو وتداعي الاتحاد السوفياتي السابق خلال أربع سنوات فحسب، بحسب قول الدكتورة رايس الآنفة، مثبتة خطأ هذا القول، فهي لم تفهم حقيقة الفدرالية الروسية جيداً، رغم أنها تُعتبر خبيرة في الشؤون الروسية، فالشعور القومي الوطني الروسي والمستند إلى إرث الاتحاد السوفياتي وإلى قوة روسيا العسكرية والنووية الاستراتيجية وإمكاناتها الاقتصادية والطبيعية، مع وجود زعيم قومي روسي هو فلادمير بوتين ذو الرؤية الواضحة والذي يفكّر ويعمل في الاتجاه الصحيح، أفشل ما كانت ترجوه وتتمناه واشنطن من انهيار كامل للدولة الفيدرالية الروسية. فلوضع الروسي في الشرق الأوسط آفاقه الخاصة. موسكو حاضرة بقوّة على سائر الجبهات: من إيران المستهدفة كخاصرة ضعيفة لروسيّا، ومن اليمن المستعر والمشتعل والمقسّم، إلى فلسطين المحتلة التي تتعرّض قضيتها في هذا الأوان العربي للتصفية والانهاء عبر مفاوضات عبثية، ومن مياه الخليج المسلوبة السيادة أميركياً، إلى سورية التي تتعرّض لحرب كونية سافرة، إلى لبنان الساخن مروراً بالعراق الذي يتعرّض لحالات مخاض عسير، ومحاولات العبث عبر بعض أطراف من العربان المرتهنين للخارج، الى أوكرانيا كمجال حيوي روسي ذي أثر على سلامة الأمن القومي الروسي، موسكو تعود بقوّة ودبلوماسيتها تظهر دينامية متنامية حيال الأزمات التي تهز المنطقة. وأضحت موسكو بشكل متجدّد وجهة رئيسية للتعامل مع هذه الأزمات، وعادت مرة أخرى إلى المياه الدافئة في الخليج والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط.

تحوّلت موسكو في عهد بوتين، لثلاث فترات رئاسية، إلى طرف نشيط يقدم مقترحات ويدافع عنها، فالدبلوماسية الروسية تسعى جاهدةً وبثبات إلى استعادة مواقع النفوذ التقليدية لدبلوماسية الاتحاد السوفياتي السابق، من خلال التخلي عن العامل الايديولوجي والتركيز على عامل المصالح الاستراتيجية في المقام الأول، معطوفاً على ما يمكن أن توفره موسكو بفضل موقعها كقوّة عظمى ذات دور رئيسي في مجلس الأمن الدولي وفي الرباعية الدولية للسلام في الشرق الأوسط، رغم أنّ ملف السلام أضحى ملفاً «إسرائيلياً» داخلياً تنهيه الأخيرة مع الجانب الفلسطيني فحسب، ولم يعد ملفاً أميركياً رئيسياً مثلما تروّج بعض وزارات الخارجية العربية.

وتتمّ عودة موسكو على الجبهة الدولية والجبهات الإقليمية الأخرى على أساس الإفادة من الصعوبات التي تعانيها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان وسورية ولبنان واليمن وإيران، ما يمنحها صك تواصل وانفتاح على تلك الأطراف التي لا تتعامل معها واشنطن، إذ تفيد موسكو وتوظف بؤر النزاعات والملفات الساخنة لإسماع صوت مختلف عن الصوت الأميركي والغربي عامة، ما يجعلها مسموعة ومقبولة لدى الجانب العربي لوقوفها إلى جانب حقوقه المشروعة، وأقلها إقامة دولته على الأراضي المحتلة لعام 1967 وعودة القدس الشرقية لتكون عاصمة تلك الدولة وعودة اللاجئين والنازحين إليها، فروسيا اليوم لاعب نزيه وحقيقي وعادل في كواليس الصراع العربي – «الإسرائيلي» وجوهره القضية الفلسطينية، كما هي لاعب نزيه وعادل وحقيقي في تداعيات ما يُسمّى بـ«الربيع العربي»، ودورها الحقيقي والفاعل والمتصاعد في الحدث السوري، للحفاظ على الدولة السورية وعلى الأمن والسلم الدوليين.

فراغ في الميزان الأممي

تقول المعطيات النظرية في علم العلاقات الدولية إنّ التوازن الإقليمي مرتبط دوماً بالتوازن الدولي وبتنزيل هذه الحقيقة إلى الواقع الميداني، فقد كان التوازن الإقليمي الخاص بمنطقة الشرق الأوسط مرتبطاً بالتوازن الدولي الخاص بنظام القطبية الثنائية خلال فترة وجود القوتين العظميين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق ، لكن بعد انهيار القطبية الثنائية وانفراد واشنطن بالزعامة محاولةً الهيمنة على النظام الدولي، بدا واضحاً أنّ منطقة الشرق الأوسط شهدت على أساس اعتبارات التوازن الدولي حدوث فراغ في الميزان الأممي بسبب غياب القوّة السوفياتية التي انهارت وعدم تقدم روسيا أو الصين لملء الفراغ في الميزان الدولي، وصعود قوّة «إسرائيل» في ميزان القوى الإقليمي، وهبوط قوّة الأطراف العربية في ميزان القوى الإقليمي، مع الأخذ في الاعتبار حالة انقسام سادت في المنطقة العربية، فأكد ما يسمى بـ«محور الاعتدال» في المنطقة – الذي انهار تماماً – على ضرورة المضي قدماً في القبول بالنفوذ الأميركي وتقديم التنازلات للمشروع «الإسرائيلي» – الأميركي – الغربي. وعلى الطرف الآخر، أكد ما يُسمّى بـ«محور الممانعة» في المنطقة على ضرورة المضي قدماً في الاعتماد على الإرادة العربية والقدرة الذاتية ومبادئ العدالة والحقوق المشروعة، كوسيلة لمواجهة المشروع «الإسرائيلي» الأميركي الغربي في المنطقة الشرق الأوسطية.

رسائل جديدة

إن جهود روسيا الفدرالية بمواقفها المختلفة إزاء الحدث السوري وإزاء إيران وبرنامجها النووي السلمي وإزاء الدور التركي المتلون والملفات الأخرى كافة في المنطقة ومنها الملف الأوكراني، بما فيها ملف التسوية السياسية… تمثل جهود روسيا الاستراتيجية والتكتيكية هذه رسائل جديدة تحمل الإشارات الآتية:

تعود روسيا إلى منطقة شرق المتوسط، لملء الفراغ الذي خلَفه انهيار الإتحاد السوفياتي، وردع النفوذ الأميركي في المنطقة عن طريق التأكيد على أنّ أميركا لن يكون في وسعها الإنفراد الكامل بممارسة النفوذ على المنطقة، وردع «الأسرائليين» عن مغبة اعتماد استخدام القوّة الغاشمة المرفوضة، ودبلوماسية العمل من طرف واحد عن طريق وضع «الإسرائليين» أمام روادع على النحو الآتي:

موسكو لاعب دولي مؤثر في الساحة الأممية، لأنّ لها دوراً كبيراً في إدارة الصراع الدولي الدبلوماسي في مجلس الأمن الدولي واللجنة الرباعية، وموسكو قادرة على تعزيز قوّة الأطراف الأخرى وإعادة نظام سباق التسلح الذي سبق أن شهدته المنطقة على النحو الذي يضعف التفوق العسكري النوعي «الإسرائيلي» الراهن، ولموسكو خريطة طريق جديدة في الشرق الأوسط، إذ تتحدث المواقف الروسية عن نفسها، فموسكو تسعى حالياً إلى معاقبة الولايات المتحدة الأميركية عن طريق لعب دور معاكس لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط، رداً على دور واشنطن المعاكس في أوكرانيا ومنطقة البلقان وشرق أوروبا ودفاعاً عن مصالحها الاستراتيجية عبر الحدث السوري. والذين يتبنون وجهة النظر هذه يلمحون بطريقة أو بأخرى إلى الفرضية القائلة باحتمال أن تؤدي ضغوط موسكو على «إسرائيل» وواشنطن في الشرق الأوسط، بعد ضم القرم الى روسيّا عبر استفتاء شعبي نزيه، إلى عقد صفقة بين موسكو وواشنطن تتراجع بموجبها واشنطن عن استهداف النسق السياسي السوري، وتقدم تنازلات لموسكو في ملفات نشر برنامج الدفاع الصاروخي والقواعد العسكرية الأميركية وغيرها. وفي المقابل تتراجع موسكو عن ملفات الشرق الأوسط غير الاستراتيجية، وعدم استهداف المصالح الأميركية، وخاصة في جورجيا، على ان يكون ذلك بالتفاهم معها.

لكن على العكس تماماً، توحى التحركات الروسية أنّ ثمة «خريطة طريق روسية دولية « وأن موسكو تتقفّى معالمها الرئيسية، فالتحركات الروسية المعاكسة لأميركا شملت:

منطقة الخليج العربي، إذ سبق للرئيس الروسي فلادمير بوتين زيارتها. ومنطقة الشرق الأدنى حيث ثمة صعود روسي معاكس لأميركا في أوكرانيا بعد ضمّ القرم، وأرمينيا حيث تفيد المعلومات بأن موسكو أرسلت منصات صواريخ الى منطقة نارغوبي كارباخ على الحدود المتنازع عليها بين أرمينيا وباكو بموافقة الحكومة الأرمينية، وهذا يشي بشيء ما ازاء نظام أذربيجان الموالي للغرب وأميركا، كذلك في منطقة القوقاز والقفقاس، إضافة إلى الموقف الروسي المتجدد والثابت والداعم للنسقين السوري والإيراني.

منطقة آسيا الوسطى

استطاعت موسكو أن تضعف الوجود الأميركي في آسيا الوسطى عن طريق الاتفاقيات الثنائية مع دولها الخمس، تركمنستان وأوزبكستان وكازاخستان وطاجيكستان وكيرغيزستان. أما في منطقة الشرق الأقصى فإن تحركات روسيا في ملف الأزمة النووية الكورية الشمالية أدّت إلى إضعاف الموقف الأميركي المتشدد في المنطقة، ويضاف إلى ذلك انخراط روسيا بكين ضمن منظمة تعاون شنغهاي كمنظمة إقليمية، استطاعت أن تفرض نفوذها الجيويوليتيكي على الإقليم الأوراسي الذي يضم روسيا والصين ومنغوليا ودول آسيا الوسطى، وأجمعت النظريات الاستراتيجية على انّه يمثل مفتاح السيطرة على العالم باعتباره يمثل منطقة القلب الاستراتيجي لخريطة العالم.

من ناحية أخرى، إن انخراط روسيا في أجندة الصراع العربي – «الإسرائيلي» ضمن جهد شامل ونوعي، بالإضافة إلى ما ذكر سابقاً في متن المقال، يهدف من ناحية أخرى إلى مكافحة ومواجهة انخراط واشنطن المتزايد في إقليم أوراسيا آسيا الوسطى، القوقاز، القفقاس والبدء في التحركات المتعلقة بالملف النفطي، مع كل من مصر والجزائر وغيرها من البلدان الشرق الأوسطية النفطية، لبناء قوّة ناعمة نفطية روسية لجهة بناء تحالف نفطي روسي – شرق أوسطي.

حتّى الآن، ترى التحليلات الأميركية إلى أن التحركات الروسية في الشرق الأوسط تهدف إلى معاقبة أميركا، لكن الواضح هو أنّ التحرك الروسي قد يكون جزئيّاً بسبب هذه المعاقبة. وما لم تنتبه إليه التحليلات الأميركية حتّى الآن هو أنّ روسيا باشرت التصدي للسلوك الأميركي في ملف كوسوفو ومنذ البدء وقبل أكثر من خمس سنوات من الآن، عن طريق استخدام الملف الجورجي وتداعيات هذا الاستخدام الروسي المشروع من وجهة نظر موسكو، باعتبار أنّ ذلك يمسّ أمنها القومي ومجالها الحيوي، والآن استخدام الملف الأوكراني بعد ضم القرم.

قوى صاعدة

عبر فعلها وصبرها، تقول موسكو للولايات المتحدة الأميركية: نجمك آفل بسرعة، وحضارتك ستستقرّ في مزبلة التاريخ عبر حركته، والفراغ ستملاْه قوى جديدة صاعدة، والنظام الدولي الجديد المتعدد القطب، سيولد من رحم الأزمات ومن رحم متاهاتك السياسية والعسكرية والاقتصادية والعلمية الفجّة، والعالم استعاد عبر ميكانيزمات فعله ميزة العالم المتعدد القطب، وهذا ما يدركه الجميع.

Mohd ahamd2003 yahoo.com

www.roussanlegal.0pi.com

محامٍ وعضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى