عون رئيساً: سليمان فرنجية أم إميل لحّود؟

روزانا رمّال

ليست مبالغة اعتبار السجالات القائمة في لبنان اليوم بين الكتل البرلمانية ورؤساء الأحزاب، والأجواء المشحونة فيه، والترقب الذي يسود المشهد، بعد الدعوة التي وجهها رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري إلى النواب لانتخاب رئيس جديد للبنان، بأنها سجالات غير مجدية. بل يبدو من السذاجة البناء أو التعويل عليها لحسم هذا الاستحقاق، أو اعتبارها مقدمة أو نافذة لاستدراج الحلول الخارجية بعد تعقّدها داخلياً، كما هو معروف عادة، عملا بمقولة: «إنّ الرئيس اللبناني لطالما جاء نتيجة تسوية إقليمية ـ دولية كبرى».

لكن غير المعروف أنّ الرئيس اللبناني لطالما كان من المكوّنات الرئيسية ونقطة الانطلاق المتفق عليها دولياً بين أجهزة استثنائية في دول معينة. بمعنى آخر «إنّ الرئيس اللبناني هو رجل ذو دور أمني ترسم حدوده رؤى استخباراتية بامتياز ليخدم مشاريع أمنية محددة ومرسومة ومدروسة، ويؤتى به وفق ما تتطلب المرحلة، فيتمّ اختياره بمواصفات واضحة شكلاً وكفاءة ومضموناً، علم ذلك أو لم يعلم، رضي بذلك أو لم يرضَ»، فمن الذي لطالما اختار رئيس لبنان وسيختاره؟

في بلد مكشوف أمنياً مثل لبنان، ليس خافياً على أحد أنّ أكبر عدد من أجهزة استخبارات عالم متمركزة فيه، ووفقاً لتقارير غربية عديدة، ليست بيروت نقطة جديدة كقاعدة رئيسية في الشرق الأوسط للعناصر الاستخبارية من كبريات فروع استخبارات الدول وأشدها حرفية واختصاصاً. هؤلاء يعملون في لبنان بصورة طبيعية ويخضعون للتدريب والتغيير دوريّاً. أهمّ هذه الأجهزة تابعة للولايات المتحدة الأميركية ولفرنسا وألمانيا وروسيا وإيران و»إسرائيل» والسعودية ومصر وسورية، كلّ منهم متمركز لسبب مختلف عن سبب الدولة الأخرى، فبينهم على سبيل المثال من هو متمركز لمراقبة أي حراك يستهدف «إسرائيل»، أي لحمايتها والتجسّس على من يهدّد أمنها، مثل حزب الله، وبينهم من يتمركز لتثبيت نفوذه القديم وحمايته، وبينهم من ينفذ عمليات أمنية محددة ويستعمله ساحة رسائل، وغيرها من الدوافع الأمنية التي عززت الحاجة إلى التمركز في لبنان.

بناء على ذلك، وللإشارة، فإنّ سدة الرئاسة اللبنانية هي المركز الأكثر ارتباطاً بأجهزة الدولة الأمنية والرئيس يتواصل مباشرة وترك للرئيس رغم تداخل الصلاحيات التنفيذية بينه وبين مجلس الوزراء والوزراء أن يتعامل بعلاقة خاصة مع رؤساء الأجهزة الأمنية الثلاثة أي، قائد الجيش اللبناني ومدير عام الأمن العام والمدير العام لقوى الأمن الداخلي.

هذه الأجهزة الرئيسية يجب أن يكون الذي يترأسها مدركاً ومتيقّناً أنّ الأمن في البلاد لا يقتصر على وجوده في الساحة فحسب، بل نسج كثر من المنتمين الى هذه المؤسسات والإدارت علاقات وثيقة بضباط استخبارات أجانب على أرض لبنان. لذلك لا يمكن للرئيس المقبل ألا أن يقيم معادلات تجاور ومساكنة عمل جميع هؤلاء ولا يمكن استبعاد فرضية أن كون معظم رؤساء لبنان «عسكريين» أو شبه عسكريين نسبة إلى زمن الميليشيات، ومن يتابع تاريخ الرؤساء اللبنانيين سيرى على سبيل المثال الآتي:

– الرئيس بشارة الخوري: الحقبة كانت بداية الترتيب الأميركي لدخول الشرق الأوسط ووراثة العهد الفرنسي الذي مثله إميل إده.

– الرئيس كميل شمعون: رجل وزير الدفاع ورئيس الاستخبارات الأميركية روبرت ماكنمارا تمهيداً لحلف بغداد وحرب 58.

– الرئيس فؤاد شهاب: رغم وطنيته وإصلاحاته المميزة كان تقاطعاً استخبارياً في قرار الترشيح بين الأميركيين والمصريين، ومعلوم دور السفير المصري التابع لاستخبارات عبد الحكيم عامر السفير عبد الحميد غالب في تعميم كلمة السر على النواب.

– الرئيس بشير الجميل: ثمرة تقاطع بين الاستخبارات الأميركية و»الإسرائيلية» والسعودية أعدها وأخرجها أوري لوبراني المنسق للأنشطة الأمنية «الإسرائيلية» في لبنان وبندر بن سلطان «مستشار رفيع في السفارة السعودية لشؤون الأمن مع روبرت ماكفرلين معاون مستشار الأمن القومي في عهد ريغان ، والمهمة مواكبة الاحتلال والاجتياح «الإسرائيلي».

– الرئيس أمين الجميّل: جاء بقرار سعودي لبندر بتفويض مشترك أميركي ـ إسرائيلي» بناء على مهمة محددة هي ملاحقة المقاومة ومنع اي نفوذ أي إيراني ـ سوري لدعم المقاومة.

– الرئيس رينية معوض: تقاطع معلوم أميركي ـ سعودي، والبعد الاستخباري هو إقامة توازن مع الوجود العسكري السوري بالحفاظ على السلاح في المناطق الخارجة على نطاق الدولة وكل من عسكر ميشال عون وسمير جعجع.

– الرئيس الياس الهراوي: كان ثمرة تلاقي سوري ـ اميركي، والمهمة تلاقٍ سوري ـ أميركي على إعادة بناء الجيش اللبناني.

– الرئيس إميل لحّود: كان تفويضاً أميركياً لسورية وكان مطلوباً رئيساً مع جيش لبناني ينسق مع حزب الله من دون مشاكل.

– الرئيس ميشال سليمان: القصة المشهورة تفيد بأن الاستخبارات المصرية كانت رشحته قبل سنة من موعد الانتخابات الرئاسية وكان حينها قائداً للجيش. وكان رئيس الاستخبارات المصرية عمر سليمان مفوضاً من الأميركيين في ذلك. أما المهمة التي اختير لأجلها ميشال سليمان فكانت إدارة الاستقرار البارد في انتظار خطة عمليات أميركية قيد الاعداد لم يكن معروفاً طبيعتها ولم يكن معلوماً من عمر سليمان أنها ستطيحه بما شهدناه لاحقاً.

وحدها حالة انتخاب الرئيس سليمان فرنجية كانت الحالة التي خرجت على السياق، باستثناء ردّ فعل التقليد السياسي على المكتب الثاني في عهد فؤاد شهاب فكان الردّ على عهده بالحرب الأهلية.

فرص العماد ميشال عون الرئاسية تبدو استعادة لإحدى فرضيتي سليمان فرنجية المستحيلة أو إميل لحود التي لا تبدو قد نضجت بعد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى