العلاقات اليمنية ـ السعودية: المستقبل الغامض

فهد المهدي

تتزايد الحوادث وتشتد وتيرتها يوماً فآخر في اليمن، فمنذ عزل الرئيس السابق علي صالح واليمن في تراجع أمني مخيف ينذر بأخطار كارثية على المنطقة، فحين كانت اليمن في أزمات كثيرة اقتصادية وسياسية واجتماعية وفكرية، إلخ، متأرجحة بين السكون والانفجار في ظل الحكم السابق ، هي الآن في انفجار دائم، يلمسه المواطن اليمني يومياً سواء من خلال سياسة الداخل المتمثلة بالحكومة بقيادة الرئيس الجديد عبد ربه منصور، الذي كان نائباً للرئيس السابق علي صالح، أو من خلال الحوادث المتراكمة في الشارع اليمني كلّه، ولم تقتصر الحوادث على الداخل اليمني فحسب، بل ظهرت قوى إقليمية ودولية لتغذية هذه الأزمات على نحو علنيّ وسافر، ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.

تعتبر السعودية أبرز القوى الإقليمة التي تمسك بخيوط اللعبة اليمنية، سواء بإدارتها للحكومة اليمنية تحت عناوين «الحلول» مستندة إلى قوى عالمية للضغط على الحكومة اليمنية واستغلال نقاط الضعف فيها اقتصادياً وسياسياً، أو من خلال حلفائها التقليدين في الجيش اليمني والقبيلة والإعلاميين والسياسيين. وذكرت مجلة «فورين أفيرز» الأميركية «أن السعودية سعت دوماً إلى جعل الحكومة المركزية في اليمن ضعيفة ومنقسمة، فوجود يمن قوي وموحّد قد يتسبّب بالمشاكل للعائلة السعودية المالكة». فالسعودية تعتبر اليمن مصدر خطر ويجب التعامل معه بحذر شديد، لذا ترى أنها يجب أن تتحكم في زمام السلطة في اليمن وأن يكون لها القول الفصل في الشأن اليمني.

لكن حساباتها تكاد تكون هباء منثوراً بسسب ظهور قوى جديدة على الساحة اليمنية وأبرزها «الحوثيّون» المنتشرون بشكل كبير على الحدود السعودية ويشكلون في نظر السعوديين خطراً جسيماً على المملكة، فحين لم يستطع الرئيس السابق إزالة هذه القوة من خلال ست حروب خاضها معهم مدعوماً من السعودية، أصبحت الأخيرة متوجسة خيفة من هذه القوة المستجدة على الساحة اليمنية وحصدت في الآونة الأخيرة ثقة كبيرة فدخلت بقوة في المشهد السياسي اليمني.

وما زاد الأمر تعقيداً للمملكة ظهور تقارير سرية حول وجود احتياطي نفطي هائل في المنطقة الواقعة بين الجوف ومأرب وصحراء الربع الخالي. وزاد تأكيد هذه التقارير التحرك الأميركي ببعث خبراء إلى حقول مأرب في اليمن الشمالي ـ حينها سارعت السعودية لاحتواء التحرك الأميركي من خلال احتواء النظام اليمني التابع لها والمدعوم منها، وبذلك أبعدت هاجس اكتشاف مناطق جديدة للنفط، وجعلت اليمن مكتفية بما تنتجه من نفط وتعود عائداته إلى قوى عسكرية ومشائخ متنفذين في اليمن ومعظمهم حلفاء للمملكة.

من ناحية أخرى، تريد السعودية أن تكون اللاعب الرئيسي في إدارة أزمة اليمن، بعد خلع الرئيس اليمني السابق من خلال حلفائها داخل اليمن والتي ربتهم على يديها لسنوات عديدة، رغم أنها فقدت حليفين قويين لها في الساحة اليمنية هما الرئيس السابق المدلل لديها علي صالح بعدما أدركت الرياض أنه بات يشكّل تهديداً للاستقرار بدلاً من أن يكون حامياً لها، وحزب الإصلاح «الاخواني» والذي كان حلفاً ايديولوجياً مهماً لنشر الفكر الوهابي المتطرف إذ كانت السعودية المسيّر والداعم لهذا الحزب «الإخواني» لفترات زمنية عديدة يتبعونها أتباع الغراب و»من يكن الغراب له دليلاً يمر به على جيف الكلابِ» لكن هذه العلاقة بدأت تتقلص شيئاً فشيئاً وزادت حدتها بعد الحوادث التي وقعت في الساحة المصرية وسقوط «الإخوان» من دائرة حكم مصر، وشروع بندر بن سلطان في سياسة جديدة تتمثل في ضرب الإسلام السياسي في المنطقة وضمنه «إخوان» اليمن وجناحه العسكري «القاعدة» الذين أصبحوا خطراً على المملكة السعودية .

كذلك فقدت السعودية الكثير من تأييد المواطن اليمني الذي كان يعتبر المملكة بمثابة الحضن الدافئ له، تبدت ملامحه حين طُرد الكثير من اليمنيين من السعودية أثناء الغزو العراقي للكويت في 2 آب 1990، وازدات وتيرته بعد اتخاذ المملكة سلسلة من القرارات لتنظيم سوق العمل وترحيل ألوف اليمنيين العاملين والمقيمين في السعودية بطريقة بشعة ولا إنسانية في تعتيم إعلامي ودولي.

من ناحية أخرى، بسبب تدخل السعودية العملي في شن هجمات بسلاحها الجوي أثناء الحروب التي كانت تشن على الحوثيين من قبل الرئيس المخلوع ، جعلت من نفسها قوة عملية في تدمير قرى يمنية كثيرة وقتل من فيها وتهجير أهلها، والتهديد المتكرر للحوثيين، وتشويه صورتهم عبر وسائل إعلامها وعبر منابر مشائخ الفتنة، بل ودعم الميليشات التكفيرية القاعدة في اليمن لشن هجمات على الحوثيين من خلال إثارة الفتنة الطائفية والنعرات المذهبية، والهجوم المسلح للمناطق الموجودين فيها، وما سلسلة الاغتيالات والتفجيرات التي في الساحة اليمنية وإشعال الفتنة بين شمال اليمن وجنوبه إلاّ لأجل أن تتآكل اليمن من الداخل وبذلك إدخاله في حروب داخلية لا تنتهي، وبذلك تنتهج سياسة «فرق تسد».

لذا يمكن أن نتساءل عن طبيعة العلاقة المستقبلية التي تواجه البلدين ؟ وعن الأطر التي ترسم هذه العلاقة، خاصة بعد الانقسام الحاصل في المنظومة اليمنية والتغيير الحاصل في البيت الملكي السعودي؟ وهل يا ترى ستشهد المنطقة صراعاً مسلحاً على الحدود اليمنية السعودية؟ أعتقد أن العلاقة تُرسم ملامحها من خلال القوة النافذة على الأرض والمسيطرة، وأن للوعي للمصير المحتوم من قبل الساسة والمتنفذين في اليمن له دوراً في رسم هذه العلاقة التي من شأنها أن تدخل اليمن إما في استقرار وأمن، أو في حروب أهلية تنذر بصوملة اليمن عرقياً ولبننته طائفياً، وبقاء اليمن مستقبلاً بعيدأ عن السرب الخليجي يضاعف تفاقم أزمة العلاقة اليمنية السعودية فقد تتحول اليمن الى سلاح ضد السعودية، خاصة مع تفاقم الأزمة الاقتصادية داخل اليمن، وعدم التسوية الحدودية بين اليمن والسعودية في المناطق ذات الثروة النفطية الهائلة ما قد يتسبب مستقبلاً بمواجهات دامية بين البلدين الجاريين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى