8 آذار: عصيان مدني أبيض على مرشح الحرب الورقة البيضاء تربح على جعجع بـ10 أصوات

كتب المحرر السياسي

عاش اللبنانيون فرحة لن تكتمل اليوم مع الآمال التي نسجوها على تواتر المعلومات عن توافر النصاب لجلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فقد جرى الالتفاف على المناخ الضاغط الذي نجح في إطلاقه البطريرك بشارة الراعي لفرض مشاركة نيابية تحقق النصاب للجلسة الأولى، بترشيح معلوم سلفاً أنه يتكفل بتطيير فرص الانتخاب.

ترشيح جعجع الذي رافقه إطلاق برنامج رئاسي، حظيَ بترحيب وتشجيع وإشادة من رئيس الجمهورية ميشال سليمان، عبّر عن خروج شاذ على فهم الوظيفة الميثاقية للرئاسة، حيث الرئيس الذي لا يملك السلطة التنفيذية، ولا يُنتخب من الشعب مباشرة على أساس برنامجه، هو ضامن توازن السلطات وحامي الدستور وميثاقية تشكيل الحكومات وبرنامجه الوحيد هو قسمه الدستوري.

مواصفات الرئيس يحدّدها القسم فقط، والصلاحيات الممنوحة للرئيس لا تسمح له بتطبيق طموحات وبرامج تركها الدستور للحكومة التي اعتدى عليها المرشح جعجع، كما اعتدى عليها ترحيب الرئيس سليمان ببرنامج المرشح، وعبّر كليهما عن ضعف دستوري في الثقافة الميثاقية، بدا مفهوماً أن يصيب جعجع ومستغرَباً أن ينكشف وجوده عند رئيس حالي للبلاد في آخر أيام ولايته الرئاسية.

مع الاعتداء الصارخ على الدستور بطرح برنامج رئاسي، اعتداء مماثل على الحكومة ورئيسها وما فيهما من إخلال بالميثاق الذي يوزّع الصلاحيات والأدوار بين الطوائف، والمستغرب الثاني يصير تبني تيار المستقبل الذي يقدم نفسه حارساً لدور وصلاحيات رئاسة الحكومة لهذا الترشيح بالبرنامج أو الترشيح المبرمج.

لكن يبدو أنّ تيار المستقبل ورئيسه اللذين عبّرا بقلة انتباه، عبر تبني الترشيح عن جوهر نظرتهما الدونية إلى رئاسة الجمهورية، وفقاً لما يُقال عن أنّ فلتات اللسان تظهر بواطن النفوس، فالاستهتار بآمال اللبنانيين برؤية رئيس يخرج من جلسة الانتخاب، عبر تبني مرشح معلوم سلفاً أن لا أفق له ولو بالمنام بأن يكون رئيساً، لا يعني إلا هذا الاستخفاف، الذي يغدو بسيطاً أمام الاستهتار بالرئاسة نفسها، وبكلّ من تعنيهم ميثاقياً كمقام وموقع، عندما يقدم للرئاسة مرشح يختصر خطاب تفسير تبنيه على لعبة سداد فواتير وإبراء ذمم، وبعد الجلسة الأولى نرى! وكأن رئاسة الجمهورية هي دفتر ذمة مفتوح بين القوات والمستقبل وليست مقاماً أسمى من أن يُستخدم لهذه الحسابات الصغيرة، التي تتسع لها الكثير من الفرص الثنائية بين أي فريقين.

الأمر يتعدّى الخطأ إلى الخطيئة بشراكة فرقاء الرابع عشر من آذار، وخصوصاً حزب الكتائب الذي فقد فرصة إدّعائه تقديم رئيسه مرشحاً توافقياً، لمجرّد مشاركته في لعبة إبراء الذمة بتبني ترشيح جعجع.

الخطيئة لا تقتصر على تبني مرشح لن يرى الرئاسة يوماً في أحلام اليقظة ولا في المنام، بل بتبني مرشح ينبش كلّ الذاكرة السوداء للحرب، ويقطع الوصل مع نصف اللبنانيين ومحكوم قضائياً بأحكام مبرمة بالإعدام، لا يلغي وجودها خروجه بعفو خاص، وموضوعها ثبوت مسؤوليته عن جرائم قتل أدين بارتكابها بحق قامات لبنانية كبيرة، أبرزها الرئيس الشهيد رشيد كرامي وداني شمعون.

نتيجة الصدمة السلبية للترشيح والتبني والتشجيع كانت تضعضع فرص حصول جعجع على أصوات الرابع عشر من آذار مع هزة طرابلسية لم تهدأ تردّداتها ليل أمس، بقرار عدد من النواب من المستقبل وخارجه يتقدمهم النائبان محمد الصفدي محمد كبارة باحترام الخصوصية الشمالية المتمثلة بمسؤولية جعجع عن اغتيال الرئيس الشهيد رشيد كرامي، بعدم منح أصواتهم لجعجع، مما سيضيف إلى الورقة البيضاء أو الأوراق اللاغية عدداً من الأصوات.

النائب وليد جنبلاط ردّ على الصدمة السلبية بتسمية مرشحه هنري حلو كتعبير عن تكريس مواصفات المرشح القادر على الحوار مع كلّ الأطراف من موقع الخيار الجنبلاطي، ولو لم يكن يملك حظوظ الحصول على الأصوات التي تجعل فرص وصوله إلى بعبدا واردة، وحلو سيحصل على أصوات كتلة جنبلاط والثنائي الشمالي الرئيس نجيب ميقاتي والنائب أحمد كرامي، لكنه سيخسر صوتيْ مروان حمادة وفؤاد السعد المتحمّسين جعجعياً ولو بيأس يحكمه البرود أو فرضته يبرود.

الثامن من آذار كما يبدو، على رغم الغضب من الخروج الميثاقي لقوى الرابع عشر من آذار بتبني مرشح حربي أو مرشح المجلس الحربي، قد توافقت على عدم طرح مرشحها الجدي في التداول طالما لم يصبح رسمياً مرشحاً توافقياً، التزاماً منها بالروح الميثاقية للرئاسة وموقعها ودورها، اللذين يقفان وراء نص الدستور على نصاب الثلثين، فالقاعدة صارت أنه من دون أصوات وازنة تدعم الترشيح في كلّ من الطوائف الرئيسية لا يجوز وضعه في التداول، بالتالي يجب الردّ بهدوء وبروح السلم الأهلي والميثاق على العدائية والاستهتار والاستفزاز واللاميثاقية لسلوك الرابع عشر من آذار، وليس مقابلة الاستفزاز بمثله ولا مواجهة إبراء الذمة بإبراء ذمة، لذلك توافقت قيادات الثامن من آذار على إعلان العصيان المدني في وجه مرشح الحرب بالورقة البيضاء، التي تدعو إلى صفحة بيضاء تواجه العداء، وليست بالتالي بالتأكيد راية الاستسلام البيضاء التي كان يشتهيها جعجع، عبر اجتياح «إسرائيلي» جديد يكرّر تجارب سابقة لا يزال لبنان يدفع أثمانها الغالية، فقد لفت الانتباه ما قدمه جعجع في برنامجه من ربط للبنانية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا بتوثيقها من قبل الدولة السورية، في تبنّ كامل للطلب «الإسرائيلي» وتبرئة مشهودة لـ»إسرائيل»، وإسقاط لحق لبنان بمقاومة الاحتلال ضمناً، وهذه أثمان لا يقدمها مرشح رئاسي لعدو البلاد مجاناً.

الحصيلة المتوقعة اليوم هي حصول جعجع على تسعة وأربعين صوتاً مقابل ثلاثة أوراق ملغاة لن تلتزم بالورقة البيضاء كما عبّر النائب نقولا فتوش، وثلاثة غياب يتقدمهم سعد الحريري ومرافقه عقاب صقر، وستون ورقة بيضاء مقابل ثلاثة عشر صوتاً لحلو، ليفوز التوافق بقوة ما تجمعه من تفوّق الورقة البيضاء.

جلسة الانتخاب اليوم: عملية «جسّ نبض»

لذلك، فمن المؤكد أن الجلسة النيابية العامة التي ستعقد اليوم لانتخاب رئيس للجمهورية لن تخرج بأي شيء حاسم في ما يتعلق بالرئيس الجديد، بل إن الجلسة الأولى ستشكل «بروفة» انتخاب لا يمكن البناء عليها لما ستؤول إليه الأمور في الجلسات اللاحقة، خصوصاً أن أكثرية الكتل النيابية تذهب إلى الجلسة وهي مدركة سلفاً أن ما سيحصل من عملية تصويت لصالح بعض المرشحين بما فيهم رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع لا يشكل مؤشراً لاتجاهات المعركة الرئاسية وما سترسو عليه الاتصالات في المرحلة اللاحقة.

وفي اعتقاد مصادر سياسية عليمة أن عدم كشف أكثرية الكتل عن مرشحيها الجدّيين، يشير بوضوح إلى أن عملية جوجلة الأسماء لم تبدأ حتى الآن، وأن كل الأمور مرهونة بالمعطيات الإقليمية والدولية التي لم تتبلور بعد. بينما يقتصر دور الكتل النيابية والقوى السياسية على تظهير ما يمكن أن ترسو عليه التوافقات الخارجية، وتحديداً حول شخصية الرئيس الجديد.

وتعتقد المصادر أن المسار الجدّي حول تظهير شخصية الرئيس العتيد لن تبدأ بالظهور قبل 15 أيار المقبل في حال ظهور معطيات خارجية تساعد على انتخاب الرئيس ضمن المهلة الدستورية، ولذلك فكل الجلسات المرجح انعقادها قبل منتصف الشهر المقبل لن تشهد اكتمالاً للنصاب، لأن هناك كتلاً عدة لن تعمد إلى إكمال النصاب طالما لم يجرِ الاتفاق على رئيس بين أكثرية الكتل.

ترشيح جعجع ينتهي جدياً بعد جلسة اليوم

إذاً، فعند الثانية عشرة والنصف أو الواحدة إلا ربعاً من ظهر اليوم تنتهي ورقة سمير جعجع الرئاسية على حد تعبير مراجع بارزة، إذ بات من المؤكد أن الورقة البيضاء ستفوز على جعجع بالتصويت على رغم مساندة «المستقبل» و»14 آذار» له في الاستحقاق الرئاسي باكراً، وتطوى صفحة من الحلم الذي اخترعه وصدّقه.

سيناريو الجلسة

وعشية جلسة الانتخاب بدا المشهد السياسي واضحاً:

أولاً: الجلسة ستنعقد مكتملة النصاب في الدورة الأولى من دون مقاطعة أحد.

2 ـ سيجرى الاقتراع في الدورة الأولى من دون انتخاب رئيس للجمهورية باعتبار أنه لن يكون هناك مرشح حاصل على الثلثين.

3 ـ الرئيس بري مستعد لإجراء دورة ثانية وثالثة ورابعة في الجلسة نفسها إذا ما كان النصاب متوافراً، وهناك احتمال إما أن يطير النصاب وهو المرجح، أو أن يبقى الوضع على ما هو عليه من دون التمكن من إحراز النصف زائداً واحداً.

وفي كل الحالات فإن محضر الجلسة سيُختم في النهاية من دون انتخاب رئيس جديد.

أما نتيجة الاقتراع فهي مرجحة على الشكل الآتي:

ـ ينال جعجع ما بين 45 و 50 صوتاً وذلك محصّلة تأييد «المستقبل» والكتائب و»القوات» وبطرس حرب ودوري شمعون وروبير غانم، مع الإشارة إلى أن هناك احتمالاً قوياً بتغيير أو عدم تصويت بضعة نواب من «المستقبل» وربما من الكتائب لصالح جعجع، مع العلم أن قوى «14 آذار» أعلنت بعد اجتماعها مساء أمس تبنّي ترشيح رئيس «القوات».

ـ أوراق بيضاء ستبلغ بين 57 و 60 صوتاً، وهي تضم أصوات كتلة بري، كتلة الوفاء للمقاومة، تكتل التغيير والإصلاح والمردة والطاشناق وطلال ارسلان والقومي والبعث. ويُتوقع أيضاً أن يضع في الصندوق ورقة بيضاء ميشال المر ونايلة تويني وربما محمد الصفدي الذي أعلن أنه سيأخذ في الاعتبار خصوصية طرابلس، أما نقولا فتوش فأعلن أنه لن يضع ورقة بيضاء.

أما جنبلاط فقد رشح هنري حلو الذي يتوقع أن ينال 13 صوتاً مع إعلان كل من نجيب ميقاتي وأحمد كرامي أنهما سيصوتان لمصلحة حلو.

وفي المعلومات التي توافرت لـ»البناء» مساء أمس من مصادر في «14 آذار»، أن عدداً لا بأس به من الأصوات داخل هذا الفريق لن تصب لمصلحة جعجع، ورجحت ألاّ يصوت أكثر من نائب في تيار «المستقبل» لمصلحة جعجع، فقد يعقد نواب طرابلس بمن فيهم ميقاتي وكرامي والصفدي ونواب من «المستقبل» اجتماعاً قبل الجلسة صباح اليوم، لتقرير الموقف من الجلسة وما إذا كان نواب المستقبل في المدينة سيصوتون لمصلحة جعجع أم ضده.

امتحان «14 آذار» بعد الجلسة؟

وقالت مصادر في «14 آذار» إن حزب الكتائب سيصوت لجعجع في جلسة اليوم وحتى في الجلسة الثانية في حال اكتمال النصاب لكن بعد ذلك لا يمكن الاستمرار في التصويت لمصلحته، وتساءلت ما هي العبرة من أن يستمر جعجع في ترشحه طالما ألا إمكان، لا بل هناك استحالة لحصوله على النصف زائداً واحداً، وتأمين نصاب الجلسة، ولاحظت المصادر أن تيار «المستقبل» لا يستطيع الاستمرار في تبني ترشيح جعجع وقالت إن هناك نوعاً من التفاهم الضمني بين «المستقبل» وحزب الكتائب على عدم الاستمرار في دعم ترشيح جعجع طالما أن هناك استحالة في تأمين الفوز له.

وفي المعلومات أن حزب الكتائب اضطر للسير بالتصويت لصالح جعجع نتيجة الضغوط التي مورست عليه من تيار «المستقبل» وتفادياً لانفراط عقد «14 آذار» لأن عناد جعجع كان سيؤدي حكماً إلى انفراط هذا التحالف لو اتخذ حزب الكتائب موقفاً مغايراً للموقف الذي اتخذه أمس.

طرابلس… تنديد بترشيح قاتل كرامي

وشهدت طرابلس أمس ما يشبه الانتفاضة استنكاراً وتنديداً لدعم تيار «المستقبل» وبعض نواب المدينة دعم قاتل الرئيس رشيد كرامي لرئاسة الجمهورية، ونفذ أنصار الرئيس عمر كرامي تظاهرة حاشدة في المدينة.

في كل الأحوال فالجلسة التي تعقد قرابة العاشرة والنصف أو أكثر ببضع دقائق ستكون جلسة علنية إنما التصويت سيتم عبر صندوق اقتراع من خلال تصويت النواب بورقة يدوّن عليها اسم المرشح أو ورقة بيضاء توضع في صندوق ثم يصار بعد ذلك إلى فرز الأصوات وعدّها، ومن ثم الإعلان عن النتيجة إذ من المؤكد ألا يحصل أي مرشح على الثلثين ليقوم بعد ذلك الرئيس بري بعقد جلسة ثانية إذا توافر النصاب وهو ثلثا عدد أعضاء المجلس أي 86 نائباً وإما رفعها في حال فقدان النصاب وهو الأمر الأكثر ترجيحاً.

الاتصالات الجدّية تنتظر المؤشرات الخارجية

ومن التوقعات أن الاتصالات الجدية لمسار الانتخابات الرئاسية سيبدأ بعد جلسة اليوم، حيث ستظهر الأمور بوضوح بعد عملية التصويت، بالتالي استحالة فوز أي مرشح من دون حصول توافق بين أكثرية الكتل النيابية على مرشح توافقي، خصوصاً أن كلاً من فريقي 8 و14 آذار لديهما القدرة العددية على تطيير نصاب جلسات الانتخابات، بحيث لن يتمكن أي منها على تأمين حضور 86 نائباً من دون توافق مسبق على اسم الرئيس العتيد.

ووفق المعطيات فإن اسم العماد ميشال عون يبقى من الأسماء الأكثر ترجيحاً للتوافق حوله وإن كانت الأوساط السياسية تعتقد أن مثل هذا التوافق يتطلب وجود رغبة إقليمية ـ دولية على انتخاب رئيس توافقي خلال المهلة الدستورية. ولذلك ترى الأوساط أن الأمور ستبقى في مرحلة «شدّ الحبال» بين الأطراف الداخلية، طالما لم تظهر مؤشرات على وجود مثل هذه الرغبة الخارجية لإنجاز الانتخابات قبل 25 أيار من خلال انتخاب رئيس توافقي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى