جعجع… جلسة «العلاج» الكبرى وما بعدها

محمد شمس الدين

طبقت القوانين المرعية. عقدت جلسة انتخابات رئيس الجمهورية اللبنانية وجرت العملية بسلاسة. ظهر الجميع بمظهر ديمقراطي راعى فيه أصول النظام البرلماني كلّها، و مارس كلٌّ حقه في الترشح والإنتخاب، وبينهم من استغل الثغر الموجودة في القانون ليترشح، والبعض الآخر استغلها للطعن وتحقيق سياسته متجنباً دورة ثانية مباشرة تمهيداً لجلسة حددها رئيس البرلمان الأسبوع المقبل.

لن يتغير شيء حتى اليوم لناحية الشكل، لكن المتوقع تطيير النصاب ما لم يتم الوفاق على اسم الرئيس مع الاستعانة بـ»صديق» من الخارج، بعدما فشلت الدعوة إلى لبننة الاستحقاق. وما حصل بالأمس يشهد على ذلك. لكن ترشح سمير جعجع وسقوطه المسرحي تحدّى جميع الظروف، ربما لخدمة وضعه النفسي بعد سلسلة الأزمات التي عاشها الرجل ويعيشها على هذا الصعيد نتيجة ثبوت حالة «الجزارة» عليه والتي لحقته إلى داخل البرلمان حيث أُسمع أسماء بعض ضحاياه. هذه الحالة المرضية حاول «القواتيون» أن يعالجوها من خلال ابتلاء الشعب اللبناني برئيس لطالما شكل عنواناً للاحتراب والدم والطائفية والانقسام والتقسيم والمناطق المعزولة، وغيرها من مفردات الحرب البشعة التي ضربت اللبنانيين في جذورهم.

ما يمكن أن يُضم إلى علامات «العلاج النفسي» الذي يتلقاه جعجع، هو ما أنشأه في منزله في معراب من مجسم يحاكي زنزانته التي شغلها في وزارة الدفاع مع كامل المؤثرات الصوتية، وحتى ترداد الأغاني التي كان ينشدها خلال فترة سجنه، وذاك ما ظهر به على شاشات التلفزيون، كأسلوب علاج معروف يقوم على مواجهة المشكلة بحسب الاختصاصيين في هذا المجال، في محاولة لتخطي الآثار النفسية. وبهذه الحالة يكون لبنان بأسره ساهم بشكل كاف في العلاج إذا سلمنا جدلاً بأنّ عليه أن يتحمل مسؤولية ما إزاء ما حصل لجعجع على مدى أكثر من عشر سنين.

على «المرشح» جعجع الذي وعد أنه سيكمل المشوار بشكل أو بآخر أن يكتفي بهذا القدر، ويقتنع بأن وصوله إلى الرئاسة اللبنانية دونه عقبات كبيرة تصل إلى حد الاحتراب، وهو الأمر الذي يتذاكره المجتمع السياسي في البلد من دون التصريح به علناً، كما عُبِّر عنه قبل جلسة الانتخاب في الشارع الممتد من أقصى شمال لبنان إلى أقصى جنوبه في حالة أنست الناس خلافاتهم ووحدتهم ضد مشروع «رئيس» حاول اقتحام عقدهم الاجتماعي، متجاوزاً بصلافة من سامحه ومن لم يسامحه على أفعاله.

إلاّ أن النتيجة التي حققها جعجع لجهة عدد الأصوات فإنها يجب أن تبقى موضع حذر وتساؤل، لا سيما من الذين منحهم حق الاختيار عنه وكي لا تقع أي مفاجآت إذا بقيت المواقف الإقليمية المتشنجة على حالها بحيث يندفع داعمو هذا الخيار إلى ما لا تحمد عقباه في لحظة سياسية حرجة على خلفية النزاع حول سورية.

ما أسفرت عنه جلسة الإنتخاب أمس هو أن لا اتفاق بين التيار الوطني الحر بمرشحه العماد ميشال عون، وحزب «المستقبل» بممثله سعد الحريري، ما يعني أن الجنرال لم يحظ حتى الآن بالرضا «الملكية». ومن ناحية ثانية، فإن ما أعلنه رئيس «جبهة النضال» وليد جنبلاط، بعد ترميمها، خلال إطلاقه مرشحه إلى الرئاسة هنري حلو، حول تمسكه بـ»إعلان بعبدا»، كاستراتيجية للمرحلة المقبلة، يعني أيضاً أن لا اتفاق بينه وبين حزب الله، ناهيك عما أكد عليه من مواقف حيال مشاركة الحزب في القتال في سورية، ليُستنتج أن ما يحصل في هذا البلد ستشكل نتائجه الناخب الأول لرئيس الجمهورية اللبنانية.

في هذه الحالة، يكون التوافق الإقليمي الدولي حول الرئاسة اللبنانية عاد إلى «مربعه الأول» فتتشارك سورية ومحورها من جهة، والمملكة العربية السعودية من جهة أخرى، صوغ رئيس تباركه الولايات المتحدة الأميركية، في مقدمة موضوعية لتسوية قد تكون ممكنة بعد ذلك.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى