«شعب يقرأ بلد يبرأ»… شعار في مواجهة التحدّيات

أحمد طيّ

مَن قال إنّ القاع مثلاً، تلك البلدة النائية عن الدولة في أقاصي البقاع الشمالي، لا يفوز مركزها الثقافي بجائزة المكتبة العامة المثالية في لبنان؟ ومَن قال إنّ بلدة آسيا النائية أيضاً عن اهتمامات الدولة في أقاصي الشمال، لا تفوز أمينة مكتبتها العامة بجائزة أيضاً؟ وبين هذين التساؤلين، سؤال ثالث لا بدّ منه: مَن قال إنّ المطالعة في لبنان غير آخذة في النموّ؟

مَن يرَ المشهد أمس في إحدى قاعات وزارة الثقافة ـ على ضيقها ـ يعرف أنّ في لبنان أناساً مهتمّين بنشر ثقافة القراءة والمطالعة، وأنّ في لبنان فاعليات ـ حكومية وأهلية ـ تهتمّ في أن يعود لبنان إلى خارطة الدول القارئة، لا إلى «كومة» الدول الأمّية.

أمس، كان الحدث في وزارة الثقافة مضاعف: إطلاق فعاليات الأسبوع الوطني للمطالعة، وتكريم المكتبات العامة المثالية، وما يجدر ذكره بالنسبة إلى هذين الأمرين، سيحتلّ مساحةً لا بأس بها في متن الخبر.

أطلقت وزارة الثقافة أمس، ممثلة بالمدير العام فيصل طالب، الأسبوع الوطني للمطالعة، تحت شعار: «شعب يقرأ… بلد يبرأ»، وذلك خلال مؤتمر صحافي عُقد في مقر الوزارة، بحضور رئيس المركز الثقافي الإسباني «سيرفنتس» لويس خافييه رويز سيرّا، رئيس مركز «غوتيه» الألماني في لبنان أوريتش نوفاك، رئيس المركز الثقافي البريطاني إدوارد نفارو، ممثل المركز الثقافي الفرنسي تييري كوينكتون، والملحق الثقافي في السفارة الرومانية دان ستانسكيو. كما حضر مدير دائرة الكتاب والمطالعة في الوزارة عماد هاشم، والمسؤولة الإعلامية أمل منصور، وعدد كبير من أمناء المكتبات العامة والناشطين فيها، إضافةً إلى ممثلين عن دور نشر وجمعيات مشاركة في هذا الحدث الثقافيّ السنوي، وإعلاميين.

وألقى طالب كلمة استهلّها بتحية إلى الكتاب والمكتبة والكاتب، ناقلاً تمنّيات الوزير ريمون عريجي بتحقيق المزيد من النجاح في النشاطات التي تتعاون فيها الوزارة مع المراكز الثقافية والمكتبات العامة والمكتبات الشريكة على الأراضي اللبنانية كافة، ومراكز المطالعة والتنشيط الثقافي والمؤسسات التربوية.

وقال: «مرّة أخرى، وعلى جري عادتها كل عام، تطلق وزارة الثقافة الأسبوع الوطني للمطالعة اعتباراً من 23 نيسان 2014، تحت شعار «شعب يقرأ بلد يبرأ».

إنها لمناسبة سعيدة ومحطة سنوية متجدّدة تهدف إلى إيجاد حيوية دافقة في المجالين التربوي والثقافي، بتركيز الضوء على المطالعة، ودعوة كل المعنيين إلى الاحتفاء والاحتفال بها، من أجل تعزيز حضورها وفاعليتها في البناء التربوي والثقافي».

وأضاف: «صحيح أن الاسبوع الوطني للمطالعة هو زمن للاحتفال، لكنه أيضاً مساحة مفتوحة للعمل في اتجاه إعادة الاعتبار إلى المطالعة، في منظومة العناصر المكونة للانسان ببعديه الأفقي والعمودي، وصولاً إلى إغناء وجوده الحيّ بأسباب حضوره الفاعل وإسهامه في حركة التقدم والنهوض، على قاعدة الإدراك الواعي للواقع واستشراف آفاق المرتجى، بإحساس عميقٍ بالمسؤولية والإقدام، للمشاركة في تشكيل الصورة الفردية والجماعية وجعلها أكثر ثراءً وعمقاً وألقاً».

وأشار طالب إلى أن «المطالعة تواجه تحدّيات كبرى بسبب توسّع دائرة التأثير المتأتية من الثورة الالكترونية، وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي، وإمكان الحصول على المعرفة بأيسر السبل، وتأثير إيقاع الحياة السريع، وتنامي سلطان الصوت والصورة، وضعف الإعلام التعريفي والتسويقي للكتاب، واستخدام الهواتف المحمولة للتواصل والتفاكر، فضلاً عن أوضاع اجتماعية لا تساهم معطياتها في توفير المناخ المؤاتي للاهتمام بالقراءة. لكن الأهم من كل ما تقدّم، قصور التربية عن مقاربة الكتاب وشؤون المطالعة بشكل صحيح. فالكتاب، في غالب الأحيان، ليس رفيق الأهل وجليسهم، وبالتالي لا يُدرَّب الأولاد على القراءة وسرد القصص، ولا تُشترى لهم الكتب التي يحبّون مواضيعها في المناسبات المختلفة، ولا يشجّعون على إنشاء مكتبة صغيرة في غرف نومهم».

وتابع: «إذا تحولنا إلى المدرسة نجد أن جهودها منصبة على تحقيق النجاح في الامتحانات المدرسية والرسمية، فضلاً عن الانصراف عن اعتماد التعلم الذاتي البحث عن المعرفة في بطون الكتب ، وعدم إيلاء الأنشطة اللاصفية وعدم العناية باستثمار المكتبة المدرسية وتوظيف موجوداتها في خدمة عمليات المطالعة، وعدم جعل المطالعة نشاطاً منظماً يخضع للتقويم كغيره من الأنشطة المدرسية، وعدم الاهتمام بإصدار مجلات مدرسية ومجلات حائط والعمل على نشر بعض موضوعاتها في الصحف المحلية وتخصيص الجوائز لمن يكتب أفضل بحث أو مقالة أو قصة قصيرة أو قصيدة أو أفضل ملخص لكتاب مقروء».

تضافر جهود

وشدّد طالب على دور الآخرين، وقال: «لا ننسى في هذا النطاق مسؤولية الجمعيات والأندية الثقافية في عملية التشجيع على المطالعة. إن مسؤولية التربية على المطالعة تبدو اليوم أكثر إلحاحاً من أيّ وقت مضى، بالنظر إلى تداعيات الثورة الالكترونية على النشء، على رغم أن هذه الثورة لا تتحمّل وحدها مسؤولية تراجع منسوب القراءة، إذ لو كان الأمر كذلك، فكيف نفسّر إقبال الناشئة في بلاد الغرب من حيث أتت هذه الثورة على المطالعة، ليس في بيوتهم أو ومكتباتهم فقط، بل حتى في وسائل النقل المترو، الباصات، القطار ولو كانت مدة الرحلة عشر دقائق لا غير، لأن هؤلاء اكتسبوا عادة المطالعة منذ الصغر في بيوتهم ومدارسهم.

المهم إذاً أن نحسّن إكساب أولادنا عادة المطالعة، والعادة طبيعة ثانية كما يقال، وأن نضع الكتاب في زجاجات الحليب لأطفالنا كما يقول المثل الفرنسي «Mettez leur un livre dans le biberon».

عندئذ، لا خوف على القراءة من التراجع، وإن تغيرت أو تعدّدت الوسائط والوسائل. فالكتاب مستمرّ استمرار الإنسان في وجوده الحي، بأفكاره وأحاسيسه وأحلامه وذاكرته ورؤاه، وستبقى الكلمة نهجاً للتقدّم والنهوض وساحة وعنواناً للحراك الثقافي الحيّ في لبنان».

وألقى كل من سيرّا ونوفاك ونفارو وكوينكتون وستانسكيو، مداخلات مقتضبة عن أهمية هذا الاسبوع الذي تنظّمه وزارة الثقافة كل عام، واكدوا توفير الدعم لمثل هذا الحدث الذي يعود بالفائدة على كل فئات المجتمع اللبناني، معدّدين النشاطات التي تشارك مراكزهم في تنظيمها.

دروع

وفي ختام المؤتمر الصحافيّ، كرّمت وزارة الثقافة المكتبة المثالية، وأمين المكتبة المثالي لعام 2013، وعدداً من المكتبات التي اجتهدت خلال العام المنصرم، فسلّم فيصل مكتبة القاع مممثلة بأمينتها أولغا التوم، درع المكتبة المثالية، كما سلّم فيوليت عطية ـ أمينة مكتبة آسيا ـ درع أمين المكتبة المثاليّ، وتسلّمت مكتبة سبعل العامة درعاً تقديرية أيضاً، كما تسلّم القيّمون على مكتبات: جبيل، وصيدا، وحارة حريك، وبنت جبيل، وبرجا شهادات تقدير.

تحدّيات وعراقيل

نعم، في لبنان أسبوع وطنيّ للمطالعة، وهو كناية عن احتفالية سنوية دأبت وزارة الثقافة والمكتبات العامة ودور النشر على تنظيمها في شهر نيسان، لتقريب النشء من الكتاب، وإيقاظ حسّ المطالعة لديه، وإيقاد شغف القراءة في داخله، لكن دون هذه المهمة تحدّيات كبيرة، وصعوبات تواجهها وتعرقلها.

ومن بين هذه العراقيل، ضعف القدرة المالية لدى وزارة الثقافة، وعدم رفدها بالأموال اللازمة لتضع يدها بيد المهتمين من أجل النهوض بشأن الكتاب في لبنان.

ومن العراقيل أيضاً، إصرار بعض الجاهلين، الذين لا يتابعون، ولا يرتادون المكتبات العامة، ولا حتى مكتبات البيع، إصرارهم على الترويج لتدنّي حسّ القراءة لدى اللبنانيين، ولهؤلاء نقول: يمكنكم أن تزوروا أكثر من 130 مكتبة عامة في لبنان، ويمكنكم أن تتقصوا أنشطة الأسبوع الوطني للمطالعة لتعرفوا أنّ لبنان ينهض في هذا الشأن، وأن «تشمّروا عن زنودكم» وتنخرطوا في صنع هذه النهضة بدلاً من النقد العشوائي.

ومن العراقيل أيضاً، ضعف القدر الدعائية لهذا النشاط الوطني الجامع المنفلش على كامل خارطة لبنان، فلا قنوات تلفزيونية تغطّي فعالياته، ولا الصحف كلّها تهتم بأخباره، ومن هنا دعوة صادقة إلى الزملاء الإعلاميين، لأن يساهموا في هذا الحدث الوطنيّ، بدلاً من تسليط الضوء على أمور أخرى حفظها اللبنانيون عن ظهر قلب.

تحدّيات كثيرة قد لا يكفيها تحقيق صحافيّ واحد تواجهها المطالعة في لبنان وأسبوعها الوطنيّ، ومن الآن حتى نصل إلى شعبٍ يقرأ ليبرأ الوطن، يبقى أن ندعو اللبنانيين جميعاً إلى زيارة أقرب مكتبة عامة إليهم، والاستفادة من نشاطات هذا الأسبوع، متعةً وتسليةً وإفادةً وغنى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى