أدب الشباب في مصر يُقرأ أكثر من أدب المكرّسين الكبار

كتبت حنان عقيل: ظهر في الآونة الأخيرة، تحديداً في السنوات الخمس الأخيرة، طوفان من الأعمال الأدبية الشبابية لعدد كبير من الأدباء الشباب الذين نجحوا في فترة وجيزة في الوصول بأعمالهم إلى جمهور القراء، بل نجحوا في اجتذاب العديد من الجوائز الأدبية الهامة.

تزخر المكتبات العربية اليوم بالعديد من الطبعات لروايات وضعها كُتاب شباب، واجتذبت الجمهور إليها في وقت قصير، ما جعل صدور الطبعات الثانية والثالثة وربما الرابعة منها ضرورة ملحة، في ظل ازدياد الطلب عليها، وهو ما حدث مع روايات مثل «هيبتا» للروائي الشاب محمد صادق و»2 ضباط» لعصام يوسف و»نيكروفيليا» لشيرين هنائي، التي تصدرت قائمة الكتب الأكثر مبيعا في المكتبات المصرية لفترات طويلة، فضلا عن عدد آخر من الأدباء الشباب الذين تمكنوا من نيل جوائز مثل جائزة ساويرس الثقافية فرع أدب الشباب وفي مقدّمهم محمد عبدالنبي وعمرو عاشور ومحمود عبد الغني وآخرون…

رغم أن وصول مثل هذه الأعمال إلى قائمة الكتب الأكثر مبيعاً فإن ذلك لا يعني بالضرورة أنّها الأفضل، بيد أن النجاح اللافت في الوصول إلى جمهور عريض من القراء وصدور العديد من الطبعات لروايات لكتّاب شبّان، لم يحظوا من الشهرة قدراً كبيراً مثلما حدث مع آخرين من كبار الأدباء، يجعل التساؤل حول أسباب نجاح أدب الشباب وإقبال القراء عليه في الآونة الأخيرة ملحاً، خاصة في ظل تراجع مبيعات العديد من الكتب الكلاسيكية لكبار الأدباء.

الأدب السائد

النموذج الأبرز في هذا الموضوع كان الروائي الشاب أحمد مراد، الذي نجح في الوصول بروايته «الفيل الأزرق» إلى القائمة القصيرة لجائزةBooker العربية، متفوقا بذلك على العديد من الكتابات الأدبية لكبار الكتاب مثل إبراهيم عبدالمجيد وأشرف الخمايسي من مصر، وغيرهم من الأدباء البارزين في العالم العربي الذين خرجوا من القائمة القصيرة لـBooker ليبقى فيها أديب وحيد من مصر هو أحمد مراد، فضلاً عن تصدره قائمة الكتب الأكثر مبيعا في السنوات الأخيرة برواياته «فيرتيجو» و»تراب الماس» و»الفيل الأزرق»، وأخيراً روايته الجديدة «1919» التي صدرت حديثاً لدى دار «الشروق»، وصدر منها العديد من النسخ الشعبية في وقت قصير.

الروائي الشاب أحمد عبدالمجيد يؤكد أن أدب الشباب هو السائد راهناً، قائلاً» «ربما لا أبالغ لو قلت أن 90 في المئة من الأعمال الأدبية المتوافرة في المكتبات الآن هي لكتّاب شباب، فالقراء بات لديهم نوع من الثقة في هذا الأدب، ولو نظرنا إلى قائمة أكثر الكتب مبيعا لوجدنا أسماء مثل أحمد مراد ومحمد صادق وشيرين هنائي وحسن الجندي وعمرو الجندي، وجميعهم أدباء شباب لا تتجاوز تجربتهم مع القراء بضع سنين». لا أميل إلى وضع تصنيف صارم لفصل الأعمال الأدبية وتصنيفها إلى أعمال كتّاب كبار أو كتّاب شباب، لكن عامة، العمل الجيد يفرض نفسه، فهناك أعمال شبابية تجاوزت في نجاحها الجماهيري أعمال كتّاب كبار مثل أعمال أحمد مراد مثلاً».

عن سبب نجاح أدب الشباب في السنوات الأخيرة، يضيف عبدالمجيد، مؤلف رواية «ترنيمة سلام»، التي وصلت إلى القائمة الطويلة في جائزة الشيخ زايد، قسم «المؤلف الشاب»: «امتلك الشباب أدوات كثيرة لم تكن متوافرة للأجيال السابقة مثل الإنترنت والكمبيوتر والفضائيات وغيرها، وبات سهلاً للشبّان الاطلاع على جميع التجارب الإبداعية في كل مكان في العالم والإفادة منها».

ذكاء القارئ

الروائي الشاب عمرو الجندي، مؤلف روايتي «313» و»9 ملي»، يرى أن نجاح الأدباء الشباب حصل تصاعدياً وسريعاً في السنوات الخمس الأخيرة، بعدما ارتفعت أسهم الشباب على نحو كبير، ونجحوا في بلوغ المراتب الأولى في المبيعات مصرياً وعربياً، فضلاً عن ظهور أسماء أثبتت نفسها في الفترة الأخيرة وأوضحت موضع ثقة للقراء، خاصة بعد ارتفاع نسبة القراءة على نحو ملحوظ. ويشير إلى أن وسائل الاتصال الاجتماعى كان لها دور في نجاح أدب الشباب قائلاً: «كان لوسائل الاتصال الاجتماعي نصيب الأسد في التواصل بين الأدباء الشبّان والقراء ما كان له تأثير إيجابي فالشاب أكثر اطلاعاً على تفكير الشباب والطرائق التي يقدر من خلالها على توظيف جهوده للوصول إلى القارئ»، موضحاً أنه لا يمكن اعتبار ذلك السبب الأوحد لنجاح أدب الشباب: «كان ذلك سبباً من الأسباب، إنما ليس السبب الرئيسي، فالأدب الكلاسيكي أو التقليدي ليس فيه إشباع لرغبات القراء، وبالتالي ظهور الشباب بأقلام مختلفة في أدب الرعب والأدب النفسي والبوليسي كان له عامل مهمّ، كما أن القارئ ذكي جداً وقادر على التمييز بين الأدب الجيد والسيّئ، وفي النهاية كان الأدباء الشباب بوابة لتعريف القراء بأهم صنوف الأدب لكبار الكتاب». ويشير إلى أن النجاح الذي حققه أدب الشباب في الآونة الأخيرة سيستمر بقوة، فالتنافس القوي بين الأدباء الشباب يخلق كل مرة أعمالاً أقوى وأفكاراً أعمق، والدليل حصد بعض الشباب جوائز مرموقة، ومنافستهم المستمرة لأدب الكبار، لافتاً إلى أن أدب الكبار لا استغناء عنه فهو في النهاية مرجعية لكل شباب الأدباء.

متعة فنية

الناقدة الأدبية أماني فؤاد توضح أن الحديث عن أدب الشباب يشمل قسمين، الأول هو الأدب الذي يكتبه أدباء شباب ويحتل صدارة الكتب الأكثر مبيعاً وليس فيه عمق فكري كبير، والثاني أدب يكتبه شباب يتسم بالعمق الفني والفكري ويجعل القارئ يفكر. وتضيف: «لست ضد وجود النوعين من الأدب، ففي العالم كلّه تتعدّد أشكال الأدب، فالتنوع ضرورة. «في ما يتعلق بالأدب الشبابي الأكثر مبيعاً، فإن كتب أحمد مراد هي المثال الأبرز لويتمتع بعدد من الصفات الجيدة مثل قدرته على اجتذاب جمهور من القراء الشباب الذي لم يكن مهتماً بالقراءة، وهو يتناول المواضيع الشيقة واليومية، وقدراً معقولا من الفن، كما يتميز بسهولة اللغة، لكنّه لا يحمل عميقاً فلسفياً وفكرياً كافياً ليكون أدبا متميزاً».

أما الأعمال الأدبية للشبّان فتتسم بقدر عال من الحرفية والفنية، وتؤكد الناقدة فؤاد أن هذا النوع الأدبي قادر على تقديم المتعة الفنية والعقلية في الوقت نفسه، كما أنه يطرح العديد من التساؤلات عند القارئ، ويساعده في التفكير في الحياة على نحو مختلف، ويثير العديد من القضايا الفكرية. وتعتبر أحمد عبداللطيف وطارق إمام وياسر عبدالحافظ وهاني عبدالمريد وهدرا جرجس من أبرز النماذح الشابة التي تقدم هذا النوع الأدبي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى