الانتخابات الرئاسية… صراع بين المقاسين الوطني والخارجي؟

د. أشواق أيوب عباس

ما إنْ أعلن رئيس مجلس الشعب السوري فتح باب الترشح رسمياً لرئاسة الجمهورية العربية السورية، حتى ثارت زوبعة من التعليقات والتصريحات السياسية، الرسمية منها وغير الرسمية. تصريحات تنطحت بها دول كبرى، مصحوبة بجوقة «المعارضين» من الخارج، ممن تفتقت مصالحهم السياسية عن مواهب جديدة تعكس حقيقة حجم الأزمة التي أوقعوا أنفسهم فيها، بعدما أوهموا العالم أنّ سورية هي التي تمر فيها. فما أنجزته الدولة الوطنية السورية، طوال فترة الحرب التي تدور على أراضيها، عرّى وعلى نحو لا يقبل الشك حقيقة ما يجري على الأرض السورية، ووضع القوى الإقليمية والدولية في موقف لا تُحسد عليه.

التصريحات الدولية، ونتحدث هنا تحديداً عن تلك التي صدرت من أميركا وفرنسا وبريطانيا حول أن إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها لا يعدو كونه «محاكاة هزلية للديمقراطية» وأن نتائجها لن تحصل على الشرعية والصدقية وأن اقتراع السوريين في هذه الظروف أمر غير منطقي… هي تصريحات تُظهر حقيقةً نوعية الديمقراطية التي تتشدق بها تلك الدول عندما تعطي نفسها بعقلية المستعمر الذي يبدو أنها لم تخرج منها بعد ولا تريد الخروج حق الوصاية على شعب بأكمله، وبالتالي تقرير مصيره السيادي والسياسي. رغم أن أبسط مبادئ الديمقراطية، مهما اختلفنا أو اتفقنا في مفهوم الفكرة الديمقراطية، هي أن يقرر الشعب بنفسه ما يريد. من هنا فإن «الديمقراطية الغربية الصحيحة» تفترض أن يحظى الرئيس السوري المقبل بموافقتها ومباركتها كشرط أساس ليكون ممثلاً للشعب السوري. افتراض يقوم على الإلغاء الكلي لمفهوم الشعب، والإقصاء الكامل لإرادته، تحت عناوين مصلحة الشعب السوري، والديمقراطية الصحيحة التي بات عليه أن يتعلمها ليُعترف بصحته العقلية والوطنية.

على ما يبدو، باتت الانتخابات الرئاسية تعني للقوى الخارجية وجوقة «معارضتها الخارجية» شأناً غير سوري تقرره هي في التوقيت والزمان المناسبين لها، وبالأسماء التي تراها مناسبة لسورية التي تريدها هي! أما الشعب السوري فهو خارج حساباتها. من هنا، المطلوب، على ما يبدو، رئيس جديد مفصل على مقاس مصالح وسياسيات القوى الغربية، وليس على مقاس الشعب السوري الذي يفترض أنه صاحب القرار في اختيار رئيسه، استناداً إلى المصالح الوطنية والشخصية القومية والوطنية للدولة السورية.

ما تعلنه «المعارضة الخارجية» يومياً من تصريحات ومواقف يُظهر حقيقةً مساعيها إلى تسويق نموذج «الديمقراطية» هذا. فإعلانها أن إجراء الانتخابات الرئاسية «لن يكون سوى مهزلة على المجتمع الدولي أن يرفضها» يعني أن الشعب السوري لا يملك القدرة الآن على تقرير مصيره، ولو حاول القيام بذلك فلن تكون مخرجاته الانتخابية سوى مهزلة، لذا على المجتمع الدولي والقوى الدولية أن تمنعه! وأن تشكل القوى الكبرى حكومة انتقالية وتعطيها الشرعية على الشعب السوري. أي أن الشرعية التي ستحصل عليها سيكون مصدرها القوى الكبرى، لا الشعب السوري «غير المؤهل» في نظرها بعد ليعطيها الشرعية لتحكمه! وهي تطرح في هذا السياق مبررات غريبة في أمرها، فبحسب المعارضة «لا يوجد في سورية الآن جسم انتخابي قادر على ممارسه حقه في الاقتراع»! ورغم عدم وضوح مفهوم هذا الجسم الانتخابي وهل يجب أن يؤتى به من الخارج، لأن الشعب السوري الموجود الآن على الأرض السورية لا «يرقى» بحسب ما تُطلقه «المعارضة الخارجية» إلى ممارسة حقه الانتخابي، يبرز سؤال: من الذي يملك الحق إذن في ممارسة حق اختيار رئيس الدولة السورية؟

إن النموذج «الديمقراطي» الغربي المُراد تعليمه للشعب السوري لا يتفق حقيقة مع المواطن السوري الذي ينظر إلى نفسه على أنه صاحب إرث سياسي وحضاري وثقافي ومدني لا يسمح للآخرين بتعليمه كيف يجب أن يفكر. لذلك تتصارع في الحقيقة شرعيتان واضحتان في الانتخابات الرئاسية السورية، شرعية غربية تؤديها جوقة «المعارضة الخارجية»، على ما أوضحنا سابقاً، وأخرى سورية، يملكها الشعب السوري المخول الوحيد بإضفاء الشرعية على انتخاباته الرئاسية. وعلى هذا الأساس، ينبغي أن تحظى الانتخابات الرئاسية السورية بشرعية واحدة فحسب، هي الشرعية الوطنية التي يمنحها الناخب السوري وحده، وليست تلك التي تحصل أوراق اعتماد أميركية أو فرنسية أو بريطانية أو سعودية أو تركية… أو سواها من الدول. أي أن الشعب السوري لا يقترع فقط في الانتخابات الرئاسية على شخص مرشحه لمنصب الرئيس، بل يخوض حرباً ضد قوى خارجية تريد أن تنتزع منه شخصيته السيادية عبر مصادرتها حقه في سيادته واستقلاله واختيار مستقبله السياسي. وهذا ما ينظر إليه كاعتداء سافر لحقوقه، وفي كونه صاحب الولاية الدستورية والسياسية والشرعية في تقرير مستقبله، وهي ولاية حصرية غير قابلة للمساومة أو الانتهاك.

الشعب السوري الذي كسب الرهان في حماية سيادة دولته واستقلالها طوال الحرب المجنونة على أرضه، لن يسمح لأحد بأن يحصّل في السياسة عما عجز عنه عسكرياً في الميدان. وهو بذلك أمام تحدّ جديد يتمثل في قدرته على إنجاز الاستحقاق الرئاسي رغم الظروف المركّبة التي يعيشها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى