المحافظون الجدد بلسان بريطانيا

عامر نعيم الياس

دعا رئيس الوزراء البريطاني توني بلير الغرب إلى التصالح مع روسيا والصين للتفرّغ للحرب على الإسلام المتطرّف، وذلك عبر دعم «الإسلاميين المعتدلين ضدّ الإسلاميين المتطرفين». رئيس الوزراء البريطاني السابق ومبعوث السلام إلى الشرق الأوسط الذي دعا مراراً إلى التدخّل العسكري الغربي في سورية، وهاجم سياسات أوباما وكاميرون في هذا الصدد، يعتبر «التابع» المطلق للرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، إذ شاركه في احتلاله العراق وأفغانستان تحت لافتة «الحرب على الإرهاب»، لافتة ما زالت تداعب أحلام المحافظين الجدد حتى يومنا هذا، وتعود اليوم لتطرح بشكل رسمي مغلفةً بلبوس الحرب على الإسلام المتطرّف، وبلسان بريطاني يحاول اللعب على مخاوف الداخل البريطاني من الهجرة المعاكسة لـ«الجهاديين» من سورية تحديداً إلى بريطانيا، وتداعيات ذلك على الأمن البريطاني الداخلي.

الازدواجية الغربية في التعامل مع الملفات الكونية الهامة لا تقف فقط عند رؤى المحافظين الجدد، بل تتعدّاهم إلى رؤى النخب الحاكمة اليوم في الغرب وسياساتهم، فبالنسبة إلى ملف الإسلام السياسي، نجد أنفسنا اليوم في مواجهة طرحين مدمّرين:

الأول، يُطبَّق ويقوده الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء البريطاني ويقوم على تفريخ «الجهاديين» وإرسالهم إلى المنطقة لتدميرها والتخلص منهم فيها، من دون التدخل العسكري المباشر واحتلال الدول التي يتواجدون فيها، وهنا تشكل سورية الصورة الأمثل لهذا التوجه، وحتى مصر ودعم «الإسلام المعتدل» بشكل غير مباشر.

الثاني، المحافظون الجدد القابعون على يمين النخب الحاكمة في الغرب والذين يعملون على الدفع باتجاه استمرار «الحرب على الإرهاب» عبر الاحتلال ودعم التوجهات اليمينية في البلاد التي تُحتَلّ أو وضع بعضها تحت الوصاية، وهنا ركّز بلير على «التفرّغ لدعم الإسلاميين المعتدلين ضدّ الإسلاميين المتطرّفين».

صحيفة «غارديان» البريطانية قالت إن طرح بلير «حرب صليبية جديدة على الإسلام السياسي» وذلك في مقال للكاتب سيوماس ميلن الذي رأى أن خطاب بلير يدشّن «عودة المحافظين الجدد إلى الساحة عن طريق خليط قاتل بين دعوات التدخّل العسكري في الخارج والتي تنطلق من عقيدة صهيونية مسيحية وبين ممارسة المكارثية والاضطهاد في الداخل. سياسات لم تقدّم للعالم سوى أفغانستان والعراق وغوانتانامو وتفجيرات لندن والتلاعب بالعقول لدعم الطغيان والتدخل العسكري في الشرق الأوسط الذي كان السبب الأكبر وراء تزايد عدد المنتمين إلى الجماعات الإسلامية منذ عام 2001».

هل نحن في صدد مواجهة حرب على الإسلام المتطرّف بعد حرب جورج دبليو بوش على الإرهاب؟

من الواضح أن النخب الحاكمة في الغرب لا يميلون إلى هذا الأمر بل على العكس يسعون إلى بثّ «الفوضى الخلاقة» في المناطق التي يراد التحكم بها أو استنزافها بشكل غير مباشر، وعبر دعم المتطرّفين من أيّ مذهب كان، لكن بشرط أن يكون ذلك بعيداً عن التدخل العسكري المباشر. فالإمبراطورية الأميركية «تعبت بعد عشر سنوات من الحروب في العراق وأفغانستان» بحسب الرئيس الأميركي باراك أوباما، ولذلك فهي اليوم تدعم بعض الحركات اليمينية داخل أوروبا كأوكرانيا على سبيل المثال، في الوقت الذي تدعم فيه «ثوار جبهة النصرة والإخوان المسلمين» في سورية و«التجربة الناجحة بحسب تعبير الرئيس الأميركي للميليشيات الإسلامية المتحالفة مع القاعدة» في ليبيا، وتضييق الخناق على المؤسسة العسكرية في مصر بعد الثورة التي دعمها الجيش المصري على «حركة الإخوان المسلمين».

إذاً، كلمة السر والمشترك بين المحافظين والنخب الحاكمة اليوم في واشنطن ولندن هي «الإسلام المعتدل»، نعم المعتدل بمعنى المنضبط في الإطارين الاستراتيجي والتكتيكي لما يحاك للمنطقة، أما الخلاف فهو حول طريقة الدعم ليس إلا، بين حرب على «الإسلام المتطرّف» وتقديم الدعم «للربيع الثوري الديمقراطي الإسلام المعتدل».

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى