القانون الفرنسي لمكافحة الشبكات الجهادية: الاعتماد على النيات

عامر نعيم الياس

قدّم وزير الداخلية الفرنسي برنار كازونوف مشروع قرار إلى الحكومة الفرنسية يهدف إلى تعزيز صلاحيات قانون مكافحة الشبكات الجهادية الفرنسية الذي أقرّته باريس قبل شهرين من الآن، وبحسب تصريحات كازونوف لصحيفة «لوباريزيان» الفرنسية فإن الهدف من وراء مشروع القانون هو «منع مغادرة المراهقين الفرنسيين، ومكافحة الشبكات الجهادية التي تجنّد الشباب الفرنسي عبر الإنترنت»، مضيفاً إن «أكثر من 800 شاب فرنسي ذهب إلى مسرح العمليات الجهادي في سورية، بينهم 300 يريدون الذهاب وربما يغادرون غداً، 180 في الطريق إلى سورية، 100 يريدون العودة، و100 في طريقهم إلى العودة، بينهم عدد متزايد من النساء والأطفال».

صحيفة لوموند الفرنسية نشرت بعض بنود مشروع القانون الفرنسي منها:

– المادة 5 من المشروع تهدف إلى خلق مصطلح «عمل فردي ذو طابع إرهابي» في مواجهة الخوف المتزايد من ظاهرة «الذئاب المستوحدة».

– المادة 6 تتضمن حجب المواقع الإلكترونية التي تدعو وتحرض على الأعمال الإرهابية من دون الرجوع إلى القضاء.

– تجريم تمجيد جرائم الإرهاب، كما حصل في القانون الفرنسي عام 1881 الذي يجرم تمجيد جرائم الحرب والذي يحكم حرية التعبير في فرنسا. إن نص الفقرة يضع هذه الجريمة في خانة القانون الجنائي وهو أمر من شأنه أن يعطي دفعاً للمحققين القائمين على هذا نوع من القضايا، كما سيتم تشديد العقوبات، ترى «لوموند».

– المادة 12 من القانون المتعلق بجريمة القرصنة حيث يعدل القانون الخاص «بالتزوير والوصول إلى البيانات الآلية»، هذه الجرائم يمكن اعتبارها أنها ارتكبت من جانب عصابة منظمة، الأمر الذي يوفر للمحققين الوسائل لمكافحة الجريمة المنظمة.

وبحسب مصادر فرنسية فإن أساس هذا المشروع هو منع رحيل الفرنسي الذي يبدي رغبة في القتال بسورية، وإعطاء وزير الداخلية الحق في منعه مدة ستة أشهر إضافية تضاف إلى ستة أشهر هي المدة التي يسمح فيها القانون الفرنسي بفرض منع سفر على الأشخاص الذين يشتبه أنهم يخططون للسفر إلى مناطق خطرة، إذ تملك وزارة الداخلية الحق في منع مغادرة الأراضي الفرنسية «من يعتقد أنه سيقوم بأعمال في الخارج، وسيشكل خطورة في التعدي على السلامة العامة عند عودته». وعلى رغم أن التحرك الفرنسي هذا يعكس وفقاً للنظرة الأولى إلى المواد، عزم الحكومة الفرنسية على مكافحة ظاهرة الجهاديين الفرنسيين في سورية والذين يقاتل معظمهم في صفوف المجموعات الوهابية المتطرفة، خصوصاً أن داعش بات على أبواب أوروبا، إلا أنه يبقى مشوباً بالثغرات وعلامات الاستفهام التي تفرّغ هذا القانون من مضامينه وتجعله موجهاً لامتصاص خوف الرأي العام الفرنسي والأوروبي أكثر منه تحركاً جدياً يعتد به، حيث يمكن تسجيل الملاحظات الآتية:

كيف ستميّز الداخلية الفرنسية بين الشخص الخطير الذي سيرتكب أعمالاً إرهابية عند عودته من سورية، والشخص غير الخطير؟ هل سيجري ذلك استناداً إلى النيات؟! أم إلى معلومات استخبارية، أم إلى طبيعة المهمة في سورية والطرف المنوي الانضمام إليه وتعزيز قدراته؟

يحق لوزير الداخلية الفرنسي سحب جواز سفر المواطن المشتبه به، وبالتالي منعه من السفر خارج الأراضي الفرنسية وخصوصاً إلى سورية والعراق، ماذا عن منطقة شنغن الخالية من الحدود؟ حيث بمقدور الرعايا التحرك بحرية في دول الاتحاد الأوروبي كافة وصولاً إلى اليونان على الحدود مع تركيا، هذه الأخيرة التي تشكل المعبر الأساس والطريق المثلى لجهاديي أوروبا من أجل اللحاق «بالحرب المقدسة» في سورية.

هل وجهة الرعايا الفرنسيين والمرشحين للجهاد هي سورية، أم أن الوجهة في الغالب هي تركيا بهدف «السياحة في اسطنبول» ومن ثم تبدأ رحلة الإرهاب؟!

لا يزال البعد الدرامي حاضراً في القانون الفرنسي في ما يتعلق بظاهرة «الذئاب المستوحدة» حيث أضيف مصطلح إلى المادة الخاصة بمعالجة هذه الظاهرة، وهو «العمل الفردي ذو الطابع الإرهابي»، بمعنى مواجهة المتطرفين الذين يعملون منفردين على الأراضي الفرنسية بعيداً من أي تنظيم سياسي، وهنا يطرح السؤال، هل هذه الظاهرة موجودة فعلاً؟ هل قام مهدي نموش الذي اعتقلته السلطات الفرنسية في أيار الماضي بعد قتله أربعة أشخاص في هجوم على متحف يهودي في بروكسيل، بفعلته منفرداً، أم بعد عودته من سورية وقتاله في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية؟

البند المتعلق بحجب مواقع الإنترنت من دون الرجوع إلى القضاء، هل سيكون تطبيقه سلساً أم ستعترضه عقبات من المنظمات والأفراد المدافعين عن حرية التعبير؟ سؤال ينطبق على بند تمجيد الإرهاب، فالأزمة العالمية الحالية والاستقطاب جعل من داعش عند البعض ثورة، كما جعل الجبهة الإسلامية كتائب معتدلة!

في مطلق الأحوال فإن الخطة التي قدّمها وزير الداخلية الفرنسي لن تقر قبل الانتهاء من دراستها من اللجان القانونية نهاية الشهر الجاري، كما أن التحرك الأوروبي الجامع لمكافحة هذه الظاهرة لا يزال هو الآخر على طاولة النقاش حتى تشرين أول المقبل، وبحسب منسق مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي، جيل دو كريتشوف فإن «وزراء داخلية تسعة بلدان أوروبية هي بلجيكا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا والدنمارك والسويد وهولندا، قد اعتمدوا خطة تحرك لتحديد هوية الأشخاص الذين يسافرون إلى سورية ومنعهم من التورط في الإرهاب عند عودتهم»، فقط عند عودتهم وليس عند ذهابهم!

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى