وقف لإطلاق النار أم إعادة تجميع القوة واتجاه النار؟

سعدالله الخليل

لم يكن أكثر المتفائلين بوقف إطلاق النار على الأراضي السورية يتوقع صموده أكثر من 48 ساعة لاعتبارات عدة أولها تبدأ بالثقة المفقودة بين الأطراف المتقاتلة على الأرض، ولا تنتهي عند مصالح الفصائل المسلحة باستمرار القتال بالنظر إلى ارتباطاتها الإقليمية والدولية التي تدفع باتجاه المضيّ في خرق الاتفاق والسير في طريق إثارة المزيد من النيران على الساحة السورية.

صمد الاتفاق رغم الخروقات التي لا تزال في نطاق الحدود الدنيا كما أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن تسع خروقات لا ترقى إلى مستوى يثير الريبة والخشية حول مصير الاتفاق، وبالتالي فإنّ صموده في ظلّ موجبات الخرق الكثيرة يعدّ انتصاراً للاتفاق من جهة، ومؤشراً على قوة التفاهمات الدولية التي تسير في مناخات التهدئة السورية بعيداً عما يسرّب من خطط بديلة جاهزة لدى الجانب الأميركي في حال فشل الاتفاق تقضي بالتصعيد والتنسيق مع حلفاء واشنطن التقليديين في المنطقة ورأسي الحربة في الحرب على سورية منذ خمس سنوات يتمثل بتركيا والسعودية.

من نقاط القوة التي فرضها القرار الأممي الذي صادق على الاتفاق يتمثل القضاء على الحالة الضبابية في تحالفات الفصائل وتذبذبها بين مراكز القوى في المناطق التي تتواجد فيها وبات عليها الخيار بين الإعلان عن جاهزيتها لقتال تنظيمي «داعش» و«النصرة» أو إعلان البيعة لهما بما يخرجها من خانة من يشملها قرار التهدئة ووقف إطلاق النار، وما أحدثته التطورات من مواقف ملتبسة لحركة «أحرار الشام» والخلافات بين الجناحين السياسي والعسكري الميال للهدنة والعسكري الراغب بمبايعة «النصرة» لتجنّب الصدام مع الجبهة من جهة ولإرضاء الميول القاعدية لدى الحركة التي ترى في «جبهة النصرة» الامتداد الفكري والإيديولوجي لحركة «أحرار الشام»، وبالتالي فإنّ المعيار الذي يحكم التزامها مدى استعدادها لقتال «النصرة» خلال الأيام المقبلة، ما ينقل مسار الأحداث من وقف إطلاق النار إلى إعادة توجيهها، فالأطراف الموافقة على القرار لن تتوقف عن الأعمال القتالية ولن تركن إلى الكسل والتراخي، بل إلى تعزيز القدرات ورصّ الصفوف استعداداً لمعركة مقبلة كما تشهده الكثير من حالات وقف إطلاق النار بحيث تسعى الأطراف لإعادة ترتيب أمورها بانتظار الجولة المقبلة من المعركة، أما في الحالة السورية ففي ظلّ وجود تنظيمات لا يشملها قرار وقف إطلاق النار مثل «داعش» و«النصرة» ستكون المعركة مستمرة وعلى الأطراف تحويل المعركة بموجب الاتفاق إلى مواجهة تلك التنظيمات بما يجعل من الأيام المقبلة فرصة لتجميع القوى إلى حين توجيهها بوجه الأطراف الرافضة للقرار.

كما وضع القرار الجماعات المسلحة في خانة حسم خياراتها فإنّ ما ترصده غرفة العمليات في قاعدة حميميم من خروقات في تنفيذ الهدنة وما أعلنته عن تلقيها معلومات باعتداء مسلحين على مدينة تل أبيض ترافق مع قصف مدفعي ثقيل من الجانب التركي ومطالبة مركز المراقبة الاميركية بالإيضاح عن الحادث يضع الجانب الأميركي وحليفه التركي في موقف المطالب بتفسير إطلاق تلك القذائف من الأراضي التركية في خرق للهدنة، وبالتالي يضعهم في خانة المعرقلين والخارقين لتلك الهدنة، وهو ما تترتب عليه مسؤولية سياسية وقانونية.

بعيداً عما منحه وقف إطلاق النار من راحة نفسية وأجواء إيجابية في الشارع السوري سمح بالالتفات إلى الجانب الإنساني بشكل أكبر، فإنه على الأرض منح الفرصة الأكبر لإعادة تجميع القوى على الأرض وتوجيه النيران صوب العدو المشترك «داعش» و«النصرة» ووضع من لا يلتزم في محاربة الإرهاب في خانة حلفائه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى