السعودية تقطع طريق التسوية مع إيران حول لبنان

روزانا رمّال

تقف الاستحقاقات الداخلية اليوم على موقف أو تموضع يعيد المشهد إلى ما كان عليه قبل إعلان الحملة المنظمة على حزب الله من المملكة العربية السعودية، فالملف الرئاسي الذي لا يزال يراوح مكانه توقف عند ترشيحين أحلاهما مرّ بالنسبة للمملكة، فالاثنان أيّ العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية يحسمان ضرورة التعاون وحتمية اقتسام السلطة بين حلفائها وحزب الله، هذا ما لم تكن تطمح إليه المملكة في ما لو كانت أجندتها في إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد قد نجحت.

تدرك السعودية انّ إعلانها القطيعة مع الحكومة اللبنانية هي رسالة قطيعة سياسية رسمية مباشرة، خصوصاً في توقيت تعيش فيه البلاد غموضاً في ملف الرئاسة من جهة وتحريكاً خجولاً له مترافقاً مع أزمة حكومية مفتوحة من جهة اخرى، وفي هذا الاطار تعلن المملكة موقفاً واضحاً من نيات عدم التعاون لجهة إيصال مرشح الى رئاسة الجمهورية، وبالتالي فانّ ايّ مرشح من المرشحين الرئيسيين ليس في وارد ان يحصد مباركة السعودية حالياً غير الجاهزة حتى الساعة لمصالحة لبنان الرسمي الذي وصفته منابرها الإعلامية الرسمية بأنه لا يفهم إلا بالقوة وان اللبنانيين يعضّون اليد التي تمتدّ الى مساعدتهم.

تسحب المملكة العربية السعودية يدها من الملف الرئاسي اللبناني وتسحب معها أيّ إدخال للبنان في تسويات مقبلة كانت قد لاحت في الأفق عبر إحدى المبادرات الرئاسية حسب مصدر متابع للازمة، وبالتالي فانّ المأزق الحاصل اليوم يشكل مأزقاً آخر يعمّق الهوة بين إيران والسعودية من جديد، فلبنان كان من المفترض أن يشكل شعرة الأمل في التفاهم حول صيغة داخلية تقرّب وجهات النظر الإيرانية والسعودية في هذا الإطار.

يعمل الرئيس نبيه بري بشكل مركز على الحفاظ على الحوار، ويتابع عن كثب طاولة الحوار التي تجمع تيار المستقبل وحزب الله، فقد أنقذه أكثر من مرة بحسب المتحاورين انفسهم، وهو عراب هذا الحوار بامتياز لكن بري يحرص أيضاً على سلامة العلاقة اللبنانية السعودية، وهو يشجع على بذل ما هو ممكن من اجل إعادتها الى سابق عهدها، فكلّ ذلك بالنسبة إليه يرخي المزيد من التسهيلات على الملفات الاقليمية التي تؤدّي كتحصيل حاصل الى بث انفراجات داخل البلاد فتقلع من خلالها سكة الحلول.

المساعي اللبنانية الى ترميم العلاقة لم تعد قادرة على إنجاز شيء، فلا قرار يعيد المملكة عن موقف استراتيجي بهذا الحجم وهنا لا داعي ابداً من ان توهم الرياض اللبنانيين بأن قرارها نابع من خلاف داخلي مع الحكومة اللبنانية، لانه موقف أكبر من أن يترجمه تصريح قابل للتصحيح او التعديل وقد تمّ ذلك. قدّمت السعودية موقفاً مسبقاً من التأكيد على عدم استعدادها للمصالحة. وبعد بيان الحكومة المعدل أجابت بمنع رعاياها من السفر الى لبنان لتتبعها دول الخليج عدا سلطنة عمان.

عودة السعودية عن موقفها من دون حصول حدث وازن يوضع في رصيدها المعنوي والسياسي يعني تراجعاً ومزيداً من الإقرار بالفشل أو التسرّع بالمواقف السياسية الخارجية ما سيعود على صورتها بالضرر ليبقى الأهمّ أنّ عودة السعودية عن قرار القطيعة مع لبنان يعني تراجعاً في وجه إيران وحلفائها في لبنان وخضوعاً لما فرضته رؤيتهم للموقف اللبناني ولحساسيات البلاد التي لم تقتنع فيها السعودية حتى الساعة.

يوسّع الموقف السعودي في لبنان بشكل مباشر الهوة بين إيران والمملكة، ويكاد يشكل الهدف الأساس بالحساب السعودي، ما قد يؤشر إلى المزيد من التعقيدات في الداخل اللبناني إذا لم يحصل أيّ خرق على مستوى العلاقة بين طهران والرياض في القريب العاجل، فلبنان الذي لم يتأثر بالأزمة السورية بما يشكل بالنسبة إليه مأزقاً اجتماعياً او حيوياً، من المرجح أن يتأثر أكثر بالأزمة التي تتصاعد بين إيران والسعودية، بسبب ما يمتلكه الطرفان في البلاد من نفوذ سياسي وحلفاء مباشرين.

التصعيد السعودي في لبنان يأتي بعد مرور سنة على حربها على اليمن من دون إحداث خروق عسكرية أو سياسية تُذكر، فتحريك العملية السياسية في اليمن يتطلب تعاوناً إيرانياً أساسياً بشكل يمكن السعودية من الحفاظ على ما يحفظ لها مكاسبها وتفوّقها في المعركة، وهذا ما تستبعده مصادر سياسية إيرانية تشدّد على انّ الملف اليمني هو شأن داخلي، ايّ أنّ طهران غير مستعدة للتضحية بما من شأنه وضع خصوم السعودية في موقف مهين بعد الاعتداء والخسائر التي جعلت من فرصة التسوية أكثر تعقيداً. ومن الملاحظ انّ الهبة التي كانت مخصّصة للجيش اللبناني تم تجييرها الى الجيش السوداني الذي شكل مجموعات شاركت في الحرب على اليمن، ما يؤكد أنّ تسعير الموقف في لبنان مرتبط بأبعاد يمنية أولاً وبالبعد الخلافي مع إيران ثانياً.

وإذا كانت المملكة تضغط على إيران من لبنان، فتسحب يدها من ايّ تعاون في الحلول وتعطل المشهد وتربك حلفاءها قبل حزب الله الذي يكرّر انّ الوقت لمصلحته، فإنّ هذا يعني انّ خرقاً ايجابياً للعلاقة بينها وبين إيران لن يحصل من دون وساطات، حيث تشير المعلومات إلى انه وبعد تراجع فرنسا عن مدّ جسر العبور بمبادرة تقريب وجهات النظر التي أعلن عنها لوران فابيوس قبل استقالته، يبدو أنّ الحظوظ تتوجه حسب مصادر صحافية نحو مساعي لسلطنة عمان – وهي الوسيط الذي نجح بين الأميركيين والإيرانيين – بهذا الاتجاه فهل تنجح هي الأخرى ويخرج الموقف إلى النور أم تتراجع الآمال كما تراجعت النيات الفرنسية فيبقى لبنان مرتهناً لذلك الوقت؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى