المملكة وطوابير الاعتذار
عُلا فحص
أَثبتت الأحداث الأخيرة على المستوى الإقليمي والتي أدَّت إلى أن تقوم المملكة العربية السعودية بتصعيد ديبلوماسي ضدّ لبنان، مدى تبعية العديد من الأطراف اللبنانية للسياسة الخليجية.
فبعد أن كان هناك حديث عن مكرمة سعودية سَمِعَ بها اللبنانيون وهماً في الأروقة الديبلوماسية أيام حكم العاهل السعودي السابق الملك عبدالله بن عبد العزيز، اعتبرت العائلة الحاكمة في المملكة أنّ لبنان حكومةً وشعباً لا يستحق أيّ مكرمة ملكية منها والتي هي عبارة عن هِبة مالية وصلت الى مليارات أربع تذهب لتسليح الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية.
تذرَّعت المملكة أنّ إلغاء المَكرُمة سببه أنّ الحكومة اللبنانية لم تستطع أن تُحِدّ من دور حزب الله وأن تقُصّ من جناحه ومن التأييد الشعبي الكبير له، مُتَّهِمةً إياه بعرقلة جلسات مجلس النواب ومنع استكمال نِصابه بمقاطعته الجلسات المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية.
هذا في الشكل، أما في المضمون، فلا يخفى على أيّ متابع الضغط الكبير الذي تعاني منه المملكة بسبب سياساتها الخارجية مع محيطها وبخاصة المستنقع الذي أغرقت نفسها به في حربها مع اليمن.
والمملكة نصَّبَت في العديد من المراكز القيادية فيها أمراء شباب يتنافسون في ما بينهم كمحاولة لإبراز أنفسهم ومدى قيادتهم الحكيمة للأمور، هذة القيادة وبسلطة الثروة البترولية تحت لواء العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز وقعت في مغامرة «عاصفة الحزم» ثم «إعادة الأمل» التي أنهكت قدراتها العسكرية في العديد والعتاد وجعلتها تعاني ضائقة اقتصادية خانقة وغير مسبوقة من جهة.
من جهةٍ أخرى، لجأت المملكة الى تحريك الداخل اللبناني بعودة الرئيس سعد الحريري إلى لبنان الذي أيَّد ودعم ترشيح الوزير سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية اللبنانية، الأمر الذي رآه العديد من المحللين على أنه لَعِب على وتر بث الخلاف بين حلفاء الثامن من آذار، وخاصةً بين الجنرال ميشال عون والوزير فرنجية وحزب الله.
تسارعت الأحداث باستقالة الوزير أشرف ريفي الذي توعّدَ حزب الله بقلب الطاولة، واندفعت قوى 14 آذار وحلفاؤها ومؤيدو السياسة السعودية بقيادة الرئيس سعد الحريري إلى رصّ طوابير الاعتذار من المملكة العربية السعودية في سفارتها الديبلوماسية في لبنان.
وفي حين كانت الوفود المُعتَذِرَة تَعتلي منابر السفارة السعودية مؤكدة على مقام المملكة الرفيع سارعت كلّ من قطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة والكويت الى دعوة رعاياها لمغادرة الأراضي اللبنانية وعدم السفر الى لبنان الا للضرورة القصوى لما في ذلك من خطر يتهدّد حياتهم.
وأكدت جميع هذه الدول المُتضامِنة مع موقف المملكة من لبنان، إضافة للطوابير اللبنانية المُعتَذِرَة، على شبه إجماع خليجي حول الموقف السعودي من الحكومة اللبنانية، في حين لم تبادر هذة الدول إلى هكذا إجماع حول أيّ من القضايا العربية المصيرية المُحِقَّة وأولها القضية الفلسطينية.
كنا نودّ أن نسمع عن إجماع عربي حول القضية الفلسطينية ودعم مقاومتها بالفعل وليس بالدّعاء المُزيَّف من نفس هذة الدول الخليجية التي تنادت على إجماع خليجي منغلق عن كلّ ما يمت إلى القضايا العربية المُحِقَّة بصلة.
ليست العروبة في الانسلاخ عن المحيط العربي وقضاياه العروبية وإشغاله بحروب وهمية داخلية تُعزز المذهبية وتكرّس الفكر التكفيري وتؤسِّس له.
ليست العروبة عدم التنادي إلى إنشاء سوق عربية موحدة ودعم المقاومة ضدّ «إسرائيل» ودعم القضية الفلسطينية.
ليست العروبة ولا الوطنية مشاهد طوابير الاعتذار اللاهثة إلى توقيع وثيقة الذلّ تضامناً مع المملكة العربية السعودية مخافة أن يطاول قرار إلغاء المَكرُمَة جميع المكارم الأخرى للأصدقاء في لبنان.
ليست العروبة إذلال الأشقاء بإلغاء هِبَة مالية متكابرة لم ولن تُسمِن أو تُغني من جوع، وبمعاقبة مقاومة أعزَّت أهلها ونصرت كرامة شعبها وأرست معادلة التوازن لبلد سيّد، حُرّ ومستقِلّ!
مقاومة جعلت الشعوب العربية المُضطهدة تتغنّى بها وترفع رأسها صارخة… سجِّل أنا عربي!
باحثة وأكاديمية