ماذا بعد الهدنة في سورية؟

جمال محسن العفلق

دخلت الهدنة في سورية يومها الثالث والخروقات المسجله ليست بالشيء المهم وفق أوساط عسكرية تعتبر أن خرق الهدنة لا يكون برشقات رصاص هنا أو هناك، فأكثر الجبهات الساخنة سابقاً تعيش اليوم هدوءاً حذراً يمنع انهيار وقف إطلاق النار، رغم أنّ المستفيد الحقيقي من هذه الهدنة سيكون الجماعات المسلحة التي تشير التقارير إلى اتصالات ساخنة تجريها الرياض مع هذه الجماعات واعتبار هذه الفترة هي فترة تجميع القوة وتخطيط لما بعد الهدنة، حيث الإعلام السعودي لم يتوقف عن التشكيك بالهدنة واستمرارها، أو بصيغة أكثر دقة ما زالت السعودية تعلن أمنياتها من خلال الإعلام في انهيار الهدنة وعودة الاقتتال. وهذا لأسباب يعلمها المقرّبون من مركز القرار السعودي كما يعلمها المتابعون للشأن السعودي، وخصوصاً أن السعودية بسياستها غير المفهومة تضرب بكل الاتجاهات ولا تحسب العواقب لما تقوم به.

ففي اليمن ما زالت المراوحة في المكان تطغى على العمل العسكري الذي تورطت به السعودية وما الانتصارات من الجو إلا عمليات تسويق لجيش لا يستطيع التقدم أمتاراً على الأرض وهذا بحدّ ذاته سيكشف مدى خطأ القرار السعودي في حرب اليمن ومدى التورّط في ذلك المستنقع الذي لن تخرج منه السعودية مهما طالت الضربات الجوية إلا خاسرة بنك الأهداف المقرر انتهى ويعاد اجتراره. ولم يبق في ذلك البلد الفقير إلا أكوام من الحجارة والبيوت المهدمة ستعيد الضربات الجوية قصفها.

أما في الشأن السوري ستكشف الهدنة وما سيحدث بعد هذه الهدنة من تسويات إذا لم تنهار حقيقة الموقف السعودي وسيكتشف العالم أنّ المملكة كانت تضخ المال في بناء هيكل الجماعات الإرهابية التي تدير المعارك، ولن نختلف على تسمية تلك الجماعات فكلّ من يحارب الجيش السوري والشعب السوري إرهابي وهذا شيء أصبح في يقين كلّ مواطن سوري، ولهذا لا تريد السعودية استمرار الهدنة فاستعراضات النصر تحتاجها المملكة اليوم للداخل والخارج، واحتراق صورة البطولة التي يروج لها الإعلام السعودي ستنكشف، ما سيؤدي بالنهاية لفتح حوار داخلي في المملكة قد يصل إلى مرحلة المواجهة للبحث عن الذي يتحمل نتائج تلك القرارات المبالغ المدفوعة في هذه الحرب ليست بالشيء القليل وتلك المليارات التي حرم منها عبر أغنى بلد وتعيش نسبة لا بأس فيها منه تحت خط الفقر سيولد حالة جديدة تحاول المملكه تأجيلها ولكن لن تستطيع منعها. فالواضح أن سياسة المملكة المتبعة تريد إخضاع الخصوم وبالأحرى هي لا تعترف بالخصوم وفق مبدأ كل من يخالفنا هو عدو لنا، وهذا الأمر كان واضحاً في موضوع لبنان ووقف الدعم بمليارات طالما تحدّث عنها تيار المستقبل كلما أراد التقرب من جمهوره، وما تبع القرار السعودي من محاولات الأتباع في لبنان إشعال فتيل الفتنة من خلال مهاجمة المقاومة والحديث عن حرمان لبنان من الهبة السعودية وطبعاً الأمر جاء بقرار سعودي يريد إشعال منطقة جديدة تمده بأخبار انتصارات إعلامية.

لهذا نجد الجبير يردد ما قاله الأميركيون عن وجود خطة ب وهو يعلم تماماً أن مثل هذا الخطاب هو مجرد عبث بالعقول إلا إذا سلمنا بأمر أنّ الأوروبيين وعلى رأسهم فرنسا ومعهم الأميركيون جاهزون اليوم لحرب عالمية ثالثة تحرق المنطقة بما فيها وتغير وجه العالم الى الأبد. وهذه الرغبة قد نجدها عند الفرنسيين الذين يغازلون جبهة النصرة وداعش وان كانوا يدعون غير ذلك، فالهدف من الاستعراض الإعلامي الحالي هو تبييض صورة الجماعات الإرهابية وهي الجماعات نفسها التي تمثل عملياً أجنحة للقاعدة التي يدعي العالم أنها تصدر الإرهاب، فحقيقة ما تريده تلك الدول أن لا تستمر الهدنة في سورية لأن ما بعد الهدنة لن تتحمل نتائجه كل من السعودية أو تركيا وخصوصاً أن كلا البلدين غرقا في الحرب السورية ولم يحصلوا على أي شيء، فتركيا التي كانت تحلم بضم حلب الى الأراضي التركية تجد نفسها اليوم وجهاً لوجه مع أكراد سورية المدعومين من روسيا وأميركا وسورية، وهذا أمر لن ينتهي إذا ما استمرت الحرب في سورية. أما السعودية التي كانت تعمل على ضرب ما تسمية الامتداد الإيراني وضرب المقاومة في لبنان لتفريغ الساحة اللبنانية لأتباعها تقف اليوم كما «إسرائيل» أمام تطور قوة حزب الله حيث استفاد الحزب من تجربته من المعارك في سورية واستطاع خلال السنوات القليلة الماضية أن يخيب آمال السعودية و»إسرائيل»، حيث كان الهدف توريط الحزب لإضعافه ولكن الواقع اليوم يتحدث عكس ذلك، فلجأت السعودية إلى الإعلام من خلال محاولة تشوية صورة الامين العام للحزب علها تجر جمهور المقاومة الى الشارع.

إن السوريين يترقبون صمود الهدنة وإذا ما انهارت فلن يكون بمبادرة من السوريين أو الجيش السوري إنما من الجماعات المأجورة التي قد تقدم على أي مغامرة شأنها تقويض الهدنة والعوده للقتال. ولكن إذا ما استمرت الهدنة ووصل السوريون الى الانتخابات البرلمانية فهذا يعني أن الحكومة القادمة ستكون حكومة إعادة الإعمار وترسيخ المصالحات وهذا إذا ما تم سيكون السوريين ودعوا حرب طويلة صدرت اليهم من السعودية وتركيا و»إسرائيل» وآخرين جربوا تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد وصناعة حدود الدم للمنطقة، وما سينتج عن نجاح الهدنة لن تحصد ثماره سورية فقط بل هناك تبعات كبيرة ستتعرض لها المنطقة حيث سيعاد النظر بما يسمى الجامعة العربية وسوف تختفي كيانات المعارضة السورية في العواصم الأوروبية ولن تتحمل الرياض بقاء ما يسمى مجموعة الرياض من المعارضة السورية وترحيلهم سيكون قسرياً إذا لم يرحلوا من تلقاء أنفسهم، فنجاح استمرار الهدنة اليوم بيد المشغلين للجماعات الإرهابية وأبواقها وبيد أميركا التي تقف اليوم عاجزة أمام هذه الحرب التي كانت أطول بكثير من المتوقع فمروع الشرق الأوسط الجديد كان ممكن التطبيق بحرب خاطفة تبدّل ميزان القوة أما اليوم فلا يمكن لهذا المروع أن يرى النور رغم الحديث عن فدراليات هنا أو هناك.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى