وقف العمليات القتالية… هدنة إلى متى ومع مَن وهل تستمرّ؟

محمد ح. الحاج

ما يطلقون عليه عمليات قتالية أو عدائية على مساحة الأرض السورية مختلف كلياً عما حصل أو يحصل في أية بقعة أخرى من العالم عدا ليبيا والصومال، فوضى عارمة وأدوات متعدّدة التسميات والتبعيات والأهداف والغايات، وإذا كانت المجموعات التي أعلنت موافقتها على وقف العمليات الهدنة بلغ تعدادها العشرات، ومن رفض الهدنة أكثر من ذلك فأية قيادة بمواجهة القيادة السورية هي المسؤولة عن ضبط موقف هذه التنظيمات والعصابات بعد التوافق الروسي الأميركي وقرار مجلس الأمن الدولي بالإجماع في وجه الجموح السعودي ـ التركي؟

قبل موعد سريان الهدنة أعلنت الحكومة التركية قلقها من التطبيق، ولتؤكد عدم التزامها بادرت منذ اللحظات الأولى إلى خرقها بفتح الحدود أمام مجموعات من «النصرة» وتحت غطاء القصف المدفعي أدخلتهم باتجاه تل أبيض، وإذا كان المطلوب أولاً من الدول احترام الاتفاق فإنّ النظر إلى خرق مجموعات صغيرة تابعة لـ«النصرة» أمراً يستحق النظر رغم أهميته… هل تشكل تركيا عنصراً يُسسمح له ببساطة الخروج على القانون أو اتفاق دولي؟ واستطراداً أليس من حق القوات السورية الردّ بما يماثل كما نصت الاتفاقات؟ أم تكون الحدود هي المبرّر لعدم الردّ حتى بوجود خرق تركي فاضح؟ وما سبب الصمت الأميركي رغم التوثيق الروسي واعتراف الصحافة التركية دون مواربة؟ ونعلم أنّ الأقمار الأميركية العسكرية تراقب الموقف على مدار الساعة؟

أن يعلن النظام السعودي أنّ روسيا والقوات العسكرية السورية قد خرقتا وقف إطلاق النار أمر يبعث على العجب، لأنّ هذا الاتهام دون دليل وإثبات، وأنّ الطيران الروسي لم يتحرك، والقوات السورية لم تقم بالردّ على خرق جماعة «جيش الإسلام» الذين قاموا بقصف الأحياء المدنية في دمشق، واقتصرت عمليات الجيش على ملاحقة فلول تنظيم «داعش» على محور سلمية خناصر حلب، والردّ على هجمات «النصرة» في ريف حماه الجنوبي الغربي، وهي جماعات رفضت الهدنة ووجهت أتباعها لزيادة وتيرة هجماتهم التي تستهدف المناطق المدنية.

الاتهامات السعودية تقدّم الدليل القاطع على رغبة السعودية في حماية «جبهة النصرة» وملحقاتها وليس بعض جماعات «الجيش الحرّ» التي أعلنت التزامها بالاتفاق، كما أنّ بعض جماعات «الجيش الحرّ» أعلنت وقوفها إلى جانب «النصرة» وأصدرت ما يكفي من بيانات ترفض ولاية رياض حجاب رأس المجموعة السعودية للتأكيد بأنّ هذه القيادات لا أهمية لها، وأنّ أمراء حرب الجماعات الإرهابية ليسوا تابعين لأية قيادة خارج البلاد، وأنّ ما يقومون به هو التزام تجاه قيادات جماعة «الاخوان المسلمين»، وما أكثر الرؤوس في هذه الجماعة، بعضها تابع لتركيا، وبعضها لقطر، وقليل منها بقي على ارتباطه بالسعودية بعد إعلان موقف الأخيرة ضدّ تنظيم الاخوان.

من المنطق القول بأنّ أية جماعة تخرق اتفاق الوقف هي جماعة إرهابية غير ملتزمة وتندرج تحت أحد عنوانين «داعش» أو «النصرة» وكلاهما قد استثناهما قرار وقف العمليات، وليس مهما وجود جماعات أخرى تحت حماية أحد التنظيمين أو في مناطق تواجدها لأنّ مجرد هذا التواجد لا يعطي حصانة لأيّ من التنظيمين تمنع الجيش أو الطيران من استهدافهما، كما أنّ أية عملية تحرك من المواقع للتمدّد باتجاه ما أو عمليات التزوّد بالسلاح والذخائر هي حسب الاتفاق خرق لوقف العمليات طبقاً للشرط السوري وموافقة الدولتين راعيتي الاتفاق، وعلى هذا الأساس يقوم الجيش السوري بالردّ على عدوان فصائل «النصرة» أو توابعها في الأمكنة التي جرى فيها إاطلاق النار أو غارات الطيران.

انّ ضبط النفس بالنسبة للقوات العسكرية السورية تمّ تطبيقه تجاه الخروقات التركية بناء على الطلب الروسي، لكن ضبط النفس هذا لا يمكن أن يستمرّ كما لا يجب المطالبة به تجاه الجماعات التي تمارس العدوان على المناطق الآمنة كما تفعل كتائب الفاروق وهي من «الجيش الحرّ» وقد بايعت «النصرة» وشاركتها في العدوان على مناطق جنوب غرب سلمية مستهدفة مزارع المواطنين الآمنين ما يستدعي رداً حاسماً وحازماً يستأصلها جذرياً بعد أن ثبت أنّ المواطنين في مناطق انتشارها ضاقوا بها ذرعاً، وقام كثير منهم بطلب حماية الجيش، ومنهم من التحق به وهم مئات من الرستن ومحيطها، في الوقت الذي تقوم به فصائل أخرى بايعت «داعش» بمهاجمة نفس المنطقة سلمية – من الجنوب والجنوب الشرقي.

من المعلوم أنّ اتفاقات الهدنة المعروفة تكون بين جيوش نظامية وان كانت خطوطها متداخلة تسهل مراقبتها وضبط الخروقات وتحديد مسؤولية من يقوم بالخرق، الوضع على الأرض السورية مختلف، جيش نظامي وقوات رديفة له في مواجهة مئات التنظيمات والجماعات، وهذا ما يجعل مهمة المراقبين في غاية الصعوية، لجنة المراقبة هي الجهة الوحيدة التي يحق لها التقرير وتحديد عمليات الخرق ومسؤولية الأطراف، لكن هذه اللجنة والتي لا نعرف قوامها، رغم الإمكانات والتقنيات التي تخدمها يراودنا الشك بقدرتها على القيام بواجبها لأسباب موضوعية تتلخص في مساحة الانتشار الجغرافي للعصابات المسلحة التي تطلق عليها تركيا والسعودية تسمية «معارضات معتدلة»، وقد رفض الجانب الأميركي تحديد مواقعها ليس حفاظاً على سرية تواجدها من الناحية العسكرية بل بسبب عدم القدرة على التحديد لتداخلها مع تنظيمي «داعش» و«النصرة»، وبسبب تبعية بعضها لأحد التنظيمين، وهذا ما يدفع بتركيا والسعودية إلى توجيه أصابع الاتهام لروسيا والقوات السورية بخرق اتفاق الهدنة وهما ليسا طرفاً فيه، ولم يعلنا أيّ نوع من الالتزام أو التعهّد والقدرة على إلزام ما يدّعون أنها «معارضة معتدلة» تحظى بحماية ورعاية أي من الحكومتين.

في مقال سابق قلت إنّ هذا النوع من الاتفاقات غير قابل للاستمرار أو التطبيق لأسباب موضوعية وواقعية ولأنّ التنظيم الواحد، الحامل لمسمّى ما… «جبش الاسلام» مثلاً قد يلتزم بعضه بالهدنة في حين يخرقها البعض بتوجيهات من «النصرة» أو «داعش»، أو بسبب انعدام وجود القيادة الواحدة والتنافس على الزعامة، كذلك «أحرار الشام» وباقي المسمّيات.

رغم آمال السوريين بأن يكون الاتفاق بداية انتقال إلى مرحلة المصالحات الشاملة والحوار السوري السوري والخروج من عباءة التبعية والرعاية الخارجية إلا أنّ الشكوك تطغى على التفاؤل وتنبئ باقتراب عودة العمليات مع ارتفاع حدة التحريض التركي السعودي والتهديد بدخول مباشر للقيام بعمليات عسكرية برية تحت عنوان محاربة «داعش» بينما الغاية الأساس لم تتغيّر وهي إسقاط النظام السوري وفرض وصاية على السوريين وتنصيب عملاء للطرفين خدمة للعدو الصهيوني الذي يرفع شعار… «بقاء الأسد على رأس القيادة السورية يشكل الخطر الاستراتيجي الأكبر على الكيان الصهيوني!»

موقف يستحق القراءة جيداً برسم المعارضات ومن تقودهم مشاريع بني سعود والسلطنة العثمانية بقيادة أردوغان خدمة للعدو الصهيوني…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى