«اسحقوا عظام حزب الله»…
محمد شادي توتونجي
عجزت أميركا وحلفها المشؤوم عن النصر في سورية، كما رضخت لصمود إيران النووية وهُزمت هناك، وكلّ هذه الانتصارات ساهم حزب الله في صنعها، فلو أنه هُزم في تموز لانهار المحور بأكمله، وسقط معه الملف النووي الإيراني أيضاً، وكذلك الدور الكبير للحزب في هزيمة الحلف الصهيو ــــ تكفيري في دحر المشروع في سورية، فأصبح لا بدّ من تحطيم هذه الانتصارات عبر استهداف رأس حربة حلف المقاومة في المنطقة حزب الله.
فبعد القرارات الأخيرة التي اتخذتها أميركا وأوروبا بحصار حزب الله مصرفياً، بعد إعادة وضعه على قائمة الإرهاب الأميركية، وفي أول تعليق لها على خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله: «دول مجلس التعاون الخليجي تصنّف حزب الله إرهابياً».
وفي أول تعليق رسمي صهيوني، قالت وزيرة خارجية العدو السابقة تسيبي ليفني: «قرار دول مجلس التعاون الخليجي حول اعتبار حزب الله منظمة إرهابية هو أمرٌ مهم ودقيقٌ جداً».
كان متوقعاً جداً، ومحسوباً جداً مثل هذا القرار من قبل دول البترودولار العربي الملوّث بدماء العرب والمسلمين، لأنّ هذه الدول لم تكن يوماً إلا الخادم الذي يدفع لسيده الصهيو ــــ أميركي ليقبل به عبداً مطيعاً.
لا بل وننتظر أكثر من هذا القرار بعد إقراره من الجامعة العبرية، ومنظمة ما يدعى «منظمة التعاون الإسلامي» لتشكل غطاء «عربياً وإسلامياً» لضرب حزب الله بعاصفة حزم صهيوــــ تكفيرية بحجة أنه منظمة إرهابية والعمل على نزع سلاحه ضماناً لأمن الكيان الصهيوني، كما يمنّي بعض أقطاب الحلف المهزوم في لبنان أنفسهم من قادة المحاور الإرهابية التابعة للمحور الوهابي التكفيري المهزوم في المنطقة.
هذا الأمر ليس غريباً أبداً بل كان هو المشروع الأساس منذ قيام ما سمي بـ«الربيع العربي» والهدف واحد، بعد هزيمة الكيان الصهيوني في حرب تموز 2006، وكان لا بدّ من ضرب كلّ مَن ساهم بهذا النصر وتدميره من طهران إلى الضاحية مروراً بدمشق قلب هذا المحور، وكلّ من يظنّ غير ذلك فهو واهمٌ ومشتبه.
هذا القرار لم يأت مصادفة، فكلّ التقارير الصهيونية والمناورات العسكرية داخل الكيان الصهيوني باتت مبنية لمواجهة خطر واحد، وتحاكي سيناريو واحداً وهو هجوم من حزب الله لتحرير المستوطنات في الجليل، وهذا ما يؤكده أمران:
الأول عمليات الحفر التي يقوم بها الكيان الصهيوني على الحدود حول الجليل بخنادق كبيرة ومنحدرة وتعرية المنطقة من الأشجار لكشف تحركات عناصر حزب الله ورصدهم عندما يصدر الأمر للمجاهدين بتحرير أصبع الجليل.
أما الدليل الثاني، فأتى على لسان أحد قادة العدو حيث قال: «في ما سبق كانت المناورات التي يجريها جيشنا تحاكي ردّ اتحاد جيوش عربية، أما الآن فكلّ المناورات تجري تحسباً وخوفاً من حزب الله».
وكذلك لم يكن توقيت صدوره مصادفة، خصوصاً بعد أن كشفت القناة «الإسرائيلية» العاشرة عن زيارة وفد رفيع بقيادة شخصية صهيونية بارزة للسعودية، زيارة سبقتها زيارات وفود «إسرائيلية» للإمارات لإعلان افتتاح ممثلية مصالح «تجارية» للكيان الصهيوني فيها.
إذاً، المشروع واضح وقديم وهو «سحق عظام حزب الله»، كما طالب سعود الفيصل إبان حرب تموز، وقال حينها: «اسحقوا عظام حزب الله، فإننا لم نعد نطيق أن نرى نصرالله يطلّ علينا في الشاشات ويهدّدنا بإصبعه».
لتحقيق ذلك لا بدّ من اعتماد نظرية ساتلوف عن «الفوضى الخلاقة»، والتي كان أهمّ محاورها نزع سلاح حزب الله، حيث قال كبير الباحثين والمدير التنفيذي لمعهد واشنطن روبرت ساتلوف في دراسة حول سياسة الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط في 15 آذار 2005 بعنوان: «Constructive Instability» الفوضى البناءة التي اعتمدتها إدارة بوش الابن آنذاك والتي كان من أهمّ نقاطها نزع سلاح حزب الله، وجاء فيه ما يلي:
«إنّ الامتحان الأصعب الذي يواجه السياسة الأميركية الدولية في لبنان، يكمن في كيفية تطبيق البند المتعلق بانسحاب كلّ القوى الأجنبية من لبنان في القرار الدولي رقم 1559، خاصة مع ما يشاع عن دخول ما يقارب المئة من الحرس الثوري الإيراني وغيرهم من المدرّبين العسكريين إلى لبنان».
وما يشغل بال الأميركيين والمجتمع الدولي في هذا الخصوص هو كيفية تطبيق متطلبات القرار الدولي في ما يتعلق بنزع سلاح حزب الله، وتوسيع سيطرة الجيش اللبناني لتشمل كلّ المناطق بما فيها السيطرة على المناطق الجنوبية الواقعة بين لبنان وفلسطين المحتلة، خاصة أنّ خطورة حزب الله تكمن في امتلاكه صواريخ بعيدة المدى يمكن أن تصل تل أبيب وغيرها من المدن، وبانسحاب سورية من لبنان لم يعد بالإمكان أن تحمّل «إسرائيل» سورية مسؤولية التصرف غير المسؤول لحزب الله، وبالتالي فإنّ انتزاع هذه الصواريخ من يد حزب الله أمر ذو أهمية استراتيجية، يجب أن يترافق مع رحيل المستشارين العسكريين الإيرانيين عن لبنان، لأنّ برحيلهم تنقطع الإمدادات العسكرية عن الحزب.
هناك هدف آخر قصير المدى يجب تحقيقه، وهو وضع حدّ لحرية حزب الله في العمل كقوة عسكرية مستقلة في جنوب لبنان، إذ تفيد التقارير بأنّ قوة الحزب البشرية تقدّر بمئات عدة من العناصر الناشطة بشكل دائم، بالإضافة إلى احتياطي بشري يقدّر بثلاثة آلاف عنصر يمكن استدعاؤهم في الظروف الطارئة. وبناء عليه فإنّ تنفيذ هدف نزع سلاح الحزب بشكل كامل تقتضي بدايةً الحدّ من انتشار الحزب وحصره في قواعد ومراكز تدريب محدّدة، بعيدة عن الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة مسافة كافية لمنع الحزب من إطلاق صواريخ «كاتيوشا»، فهذه الخطوة ستحدّ من قدرات عناصر الحزب على التسلل عبر الحدود، وتسمح بنشر الجيش اللبناني في تلك المنطقة.
ومن المهمّ التفريق بين موضوع تفكيك سلاح حزب الله، الأمر الذي يجب أن لا تساوم عليه الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة، وبين تحوّل الحزب إلى قوة سياسية.
كما يجب التفريق بين قوة حزب الله السياسية وموضوع إدراجه على لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية، فمهما بلغت قوة حزب الله السياسية ومهما بلغ عدد أعضائه في البرلمان ليس هناك سبب ضروري لمراجعة الولايات المتحدة الأميركية قرارها إدراجه على لائحة المنظمات الإرهابية».
هنا لا بدّ لنا من تذكير الكيان المسمّى «دول مجلس التعاون الخليجي» بأنّ من يستخدم الأسلحة المحرمة دولياً ويقصف المساجد والأسواق والمشافي ودور العجزة والحضانة ومنازل المدنيين في اليمن المظلوم، وبدعم وغطاء جوي صهيوني، ثم يصدر قراراً يصنّف فيه حزب الله بالإرهابي لا ينطبق عليه إلا المثل الذي يتحدث عن تلك التي تحاضر في العفة.
كما نتوجه بالسؤال إلى جوقة عروبة لبنان والنأي بالنفس: هل تقتضي عروبة لبنان والتزامه بالإجماع العربي أن يُصنف الشريك في الوطن إرهابياً؟
وهل من الحرية والسيادة والاستقلال أن يُصنّف من حرّر الأرض إرهابياً من قبل المحور الذي تنتمون إليه؟
من المؤكد أننا لا ننتظر الأجوبة، لأنها معروفة مسبقاً عبر مواقفكم الفاضحة في حرب تموز وعبر تآمركم على شريككم في الوطن حينها، وحرصكم على إلحاق الهزيمة به و«سحق عظامه» ومحاولتكم إدخال بنود هزيمته على القرار 1701، وتبرؤكم منه وقت الحرب «لتنأوا بأنفسكم»، ومطالبة بعض أقطابكم اليوم بعاصفة حزم لبنانية لهزيمة حزب الله.