الخطة «ب»: نواة السياسة الخارجية الأميركية
عامر نعيم الياس
لم تكن الخطة «ب» على الدوام غائبةً عن السياسة الخارجية الأميركية، البعض يحاول أن يقول إنّ الخطة «ب» معناها الخطة البديلة، فمجرّد وجود خطة «أ» تقتضي بالمنطق وجود خيار آخر يتوجب العمل عليه في حال فشل الخيار الأساس.
ربما هذا يصحّ في الحالة السورية حول الهجرة واللجوء، والعيش في زمن الحرب، حيث باتت الخطة «ب» هاجساً مسيطراً على ما سواه حتى باتت الخطة الوحيدة، وبهذا المعنى لم تعد بديلة بل حتمية.
إنّ ما يتعلق بالسياسة الخارجية الأميركية في سورية ودول العالم وخاصةً منطقتنا التي ابتُليت بالقدر الأكبر من التواجد الأميركي السياسي والعسكري خلال العقدين الماضيين، وبحربين متتاليتين على الإرهاب القديم «القاعدة»، وحالياً الجديد «داعش»، يقوم على أساس بقاء التلويح بالقوة كخيار يهدف إلى تخويف الجميع والتسليم الأبدي بفكرة «القيادة الأميركية للعالم» التي لم تفارق خطابات أيّ رئيس أميركي منذ ما قبل انهيار الاتحاد السوفياتي في تسعينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، وفق معادلة تقوم على أساس أنّ «السياسة الأميركية تستند إلى التلويح باستخدام القوة، والتي إنْ غابت عن الخطاب السياسي الخارجي الأميركي، أو تمّ التراجع عنها، فإنها ستحوّل الدبلوماسية الأميركية إلى طريقة لإبرام التفاهمات فقط، وليس محاولة فرضها بالقوة العسكرية الأميركية».
في سياق ما سبق يندرج كل التهديد والوعيد لسورية في ما يخص الخطة «ب»، فبعد وزير الخارجية جون كيري، جاء دور القائد السابق لحلف شمال الأطلسي، جيمس ستافريديس، الذي تحدث عن خطة «تستثني روسيا» للدخول البري إلى سورية «من البوابة الأردنية»، وأن هذا الحديث دار بين الملك الأردني والرئيس الأميركي قبل أيام خلال زيارة عبدالله الثاني الأخيرة إلى البيت الأبيض، فيما خرج وزير الخارجية السعودي ليتوعّد بـ«الخطة البديلة» بالتزامن مع انطلاق مناورات «رعد الشمال» التي تعتبر الأكبر في تاريخ الخليج.
إنّ الموقف السعودي الأخير لا يندرج في سياق سياسة التلويح بالقوة وتبادل الأدوار كما السياسة الأميركية والأطلسية، بل في سياق التمنيات بخرق الهدنة والانتظار حتى نهاية ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما من أجل عدم تحمّل تبعات أي اتفاق روسي أميركي حول سورية يبدأ بتكريس مسار الحلّ السياسي بشكل لا مفرّ منه. فالهدف إبقاء الأمور على ما هي عليه، وإشغال القوى الكبرى بالتناقض القائم بين البيت الأبيض ومصالح حلفاء واشنطن، وهنا يحضر مثال الصراع الكردي التركي ليلقي بظلاله على الموقف في سورية، وعلى الموقف من وقف الأعمال العدائية الساري منذ السبت الماضي.
إنّ الموقف الأميركي من سورية تغيّر منذ العام 2013 واتخذ مساراً مختلفاً، وفي هذا السياق تنقل صحيفة ليبيراسيون الفرنسية عن دبلوماسي غربي في الأمم المتحدة قوله «لا يستطيع أحد من المسؤولين الأميركيين تغيير موقف الرئيس أوباما من سورية، الرجل لديه تصوّر خاص ولن يتغيّر»، فما بعد أيلول من العام 2013 ليس كما قبله، وسورية تراجعت في سلم أولويات الإدارة الأميركية التي لم تعد مهتمة بما يجري فيها، على عكس السعودية وتركيا وقطر، الذين ربطوا مصيرهم بمصير تطورات السياسة والميدان في سورية.
هو اختلاف الأولويات، ومسار سياسي روسي أميركي محصّن بقرارات أممية حول العملية السياسية 2253 و2254، وقرارات التكريس وقف إطلاق النار 2268، هذا الأخير الذي تمّ الإعلان عنه بطريقة حملت في ثناياها رائحة العالم ثنائي القطبية ما قبل العام 1989. هذا هو المسار الحقيقي الملموس أو ما يسمّى الخطة «أ»، وما سواه من خطط بديلة لا تعدو عن كونها ضرورة في الخطاب السياسي الغربي عموماً والأميركي خصوصاً، فضلاً عن توظيفها في الملف السوري من أجل الضغط على موسكو تارةً، واحتواء غضب المتشككين داخل الإدارة الأميركية وفي صفوف الحلفاء تارةً أخرى.
كاتب ومترجم سوري