أوكرانيا والعلاقات الأميركية ـ الروسية

حميدي العبدالله

كانت الأزمة الأوكرانية، الصاعق الذي فجر العلاقات الأميركية الروسية والذي أعاد العلاقات بين روسيا والغرب إلى ما كانت عليه إبان الاتحاد السوفياتي، إن لجهة العقوبات أو مستوى التوتر السياسي، علماً أنّ كثراً من المحللين كان يتوقع أن لا يصل تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا إلى هذا المستوى لأنّ روسيا اليوم غير الاتحاد السوفياتي، روسيا اليوم هي نظام رأسمالي ولديها مصالح مشتركة مع الغرب، حتى وإنْ كان ثقل هذه المصالح مع الشركات الأوروبية، لكن من المعروف أنّ الشركات الرأسمالية هي شركات مساهمة عابرة للحدود القومية، وللأميركيين حصص كبيرة في الشركات الأوروبية، ناهيك عن أنّ الاقتصاد العالمي في ظلّ العولمة بات أكثر ترابطاً وباتت المصالح متشابكة وليست متجاورة ومتنافسة على غرار ما كانت عليه الحال في عصر القوميات.

راهنت الولايات المتحدة والحكومات الغربية في تصعيدها للصراع مع روسيا والوصول إلى هذا المستوى من التدهور على الحكومة الأوكرانية الموالية للغرب. لكن الحكومة الأوكرانية تواجه الآن أزمة كبيرة وخطيرة تحرج الولايات المتحدة والحكومات الغربية وتضعها في موقف صعب، بل أكثر من ذلك أنّ خطط الغرب في مواجهة روسيا بالاستناد إلى أوكرانيا لم تعد خطط واقعية، وتكشف حالة الاضطراب الشديد التي تمرّ بها أوكرانيا الآن وما ترتب عليها من انعكاسات اقتصادية، سواء على الاقتصاد الأوكراني، أو على الاقتصاد الأوروبي في ضوء العقوبات المتبادلة بين روسيا والغرب، إن أوكرانيا ليست مؤهلة لأن تكون الدولة الحامية للنفوذ الغربي في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، وإذا ما استمرّ رهان الحكومات الغربية، والإدارة الأميركية على وجه الخصوص، على أوكرانيا، فإنها تراهن في الواقع على سراب. اليوم النخبة والشعب الأوكراني منقسم على نفسه، وهذا الانقسام ليس فقط بين النخبة في المقاطعات الشرقية التي أعلنت انفصال أمر واقع عن أوكرانيا، بل أيضاً في المقاطعات الغربية، وفي العاصمة الأوكرانية كييف. وهذا الانقسام الذي يتحوّل إلى اضطرابات عسكرية وغير عسكرية يجعل الدولة والحكومة الأوكرانية أضعف من أن تشكل مصدر قوة للحكومات الغربية وللإدارة الأميركية، وعبئاً عليها، ليس فقط عبء سياسي في ضوء حالة اللااستقرار التي تعيشها المقاطعات الغربية الآن.

ما الذي تفعله الولايات المتحدة والحكومات الغربية إزاء هذا الواقع، وهل تعيد النظر بسياساتها ورهاناتها الخائبة، وتسهّل إعادة توحيد أوكرانيا على الأسس التي تطرحها موسكو، أم تواصل سياسة المكابرة مع ما يترتب على ذلك من نتائج وتداعيات تؤثر سلباً على الاستقرار في أوروبا كون أوكرانيا تقع على التخوم بين أوروبا وآسيا، وتشكل جزءاً لا يتجزأ من منطقة الأوراسيا. سؤال صعب الإجابة عليه مسبقاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى