الإفلاس السعودي
ناصر قنديل
– لمرة ثانية خلال شهر واحد تُقدم المملكة العربية السعودية على محاولة التصرف كزعيم مرتاح لوضعه في المؤسسات العربية التي أخرجت منها سورية، فتتقدّم على التوالي بمشاريع تصعيدية تتوقع أنّ ما لها من مهابة كافٍ لانتزاع السير بها، وللمرة الثانية تحصد الرياض بياناً يرضيها لكنها تكتشف بعد انفضاض الاجتماع وقبل أن يجفّ حبر البيان ما لا يرضيها، في المرة الأولى كان الموضوع قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران ووصل لمطالبة مجلس الأمن باسم مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، بوقف قرارات إلغاء العقوبات فنالت بياناً تضامنياً، لكنها نالت صفر إجراءات حتى من أقرب المقرّبين كتركيا وباكستان اللتين عرضتا الوساطة بين السعودية وإيران. وهذه المرة تخوض السعودية خطة الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي بمشروع مدعوم من مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لتصنيف حزب الله على لوائح الإرهاب، وهي تعلم سلفاً أنّ الموقف الروسي معلن وواضح برفض شديد لمجرد البحث في الأمر، لكن السعودية لا تقتنع فتحاول، وها هي تتوقف فتفرح في محطة وزراء الداخلية العرب لتحصد بياناً يُرضيها، لكن قبل أن يجفّ حبره تصدر مواقف تأكيد عراقية عن معنى رفض البيان والانسحاب من الجلسة، ثم بيان جزائري عن رفض السير بمضمون البيان، ويليه بيان تونسي عن عدم انسجام البيان مع السياسة التونسية وثوابتها، والحبل بدأ ولم ينته بعد. فمصر رغم الصمت، كما عمان، لن تُساير ولن تسير، وربما قطر، عدا لبنان وسورية طبعاً، فتبقى البحرين وجيبوتي والسودان، حسب كمية المال في الميزان.
– للمرة الأولى منذ خمسة عقود تعيش السعودية هستيريا سياسية تفقدها التوازن بالتزامن مع إفلاس سياسي، تكتشف معه محدودية قدرتها على الإمساك بالقرار العربي والإسلامي الذي كانت تعتبره في جيبها الصغرى، وها هي تكتشف أنها كحال الشاعر الذي كال مديحاً لأمير، وكلما أفاض قال لأمين صندوقه أعطه ألف دينار، ولما انتهت الليلة قصد الشاعر أمين الصندوق طالباً المال الذي قال به الأمير، فقال له أمين الصندوق، لا مال لك يا عزيزي، فأنت أسمعت أميرنا كلاماً تعرف أنه يعجبه، وهو أسمعك كلاماً يعرف أنه يعجبك. والسعودية تعرف أنها مع إفلاسها المالي وضعف نفوذها في المحور الذي تقوده واشنطن وضعف المحور نفسه، لم تعد تملك ما تمنحه للدول التي تريد استعادة زعامتها عليها إلا الكلام الزائف والوعود البراقة، ومثلما تدفع تقبض، تسمعهم كلاماً تعرف أنهم يحبّون سماعه عن مال سيأتيهم وعن دعم سيلقونه، فيسمعونها كلاماً يعرفون أنها تحب سماعه، وقبل أن يطلع الصباح ويجفّ الحبر يضطرون لإسماع غيرها كلاماً يعرفون أنه يحميهم ويُغنيهم.
– هل نتخيّل موازين القوى التي يظهرها الموقف من مواجهة طرفاها، هما: السعودية بكلّ جلالها وجلالة ملكها، سلمان الحزم، ومقابله حزب الله، وعباءة وعمامة الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله. والسعودية تضع ثقلها وعلاقاتها ومالها، والسيّد نصرالله لم يتصل بأحد ولا جنّد أحداً ولا تمنّى على أحد، ولا بذل جهداً مع أحد، وتكون الحصيلة السعودية الجدّية البحرين وجيبوتي، وتخرج دولتان مثل الجزائر وتونس فتنقل وكالات الأنباء «أعلن وزير الخارجية الجزائرية رمطان لعمامرة أن «السلطات الجزائرية تتبرأ رسمياً من قرار تصنيف «حزب الله» كمنظمة إرهابية الذي أعلنت عنه دول الخليج»، لافتاً إلى انّ «حزب الله» حركة سياسية تنشط في لبنان، والجزائر لا تتدخّل في الشؤون الداخلية للدول الشقيقة». ثم تنقل خبراً ثانياً فتقول «وزير الخارجية التونسي: قرار وزراء الداخلية العرب حول حزب الله لا يعكس موقف تونس، والبيان الصادر ليس له صفة إقرارية وعلاقة تونس بلبنان وإيران متطورة جداً وموافقة وزير الداخلية تأتي في إطار الإجماع العربي لا غير، ومثل هذه القرارات تصدر بالتشاور بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وتعلنه وزارة الخارجية وليس الداخلية».
– هل يكفي هذا لتكتشف السعودية إفلاسها؟ وهل يقيم المحسوبون عليها هذا الحساب؟ وهل هذا يفسّر عقلانية بعضهم؟ ولماذا تجاهل ولي العهد السعودي وزير الداخلية محمد بن نايف الدعوة لتصنيف حزب الله إرهابياً في كلمته أمام مؤتمر وزراء الداخلية العرب، ولم يُشِر إليه لا من قريب ولا من بعيد، فهل هذه هي كلمة السرّ التي التقطها المشنوق؟
– السعودية وفقاً لصندوق النقد الدولي فقدت ربع احتياطياتها وخلال ثلاث سنوات مع برميل نفط بخمسة وعشرين دولاراً ستفقد الباقي، واليوم ستتقدّم بطلبات قروض خارجية مجزأة على عشرة مليارات دولار كلّ طلب، بما مجموعه ستون مليار دولار، لكن السعودية فقدت كلّ مهابتها!