تركيا تحاول ضبط علاقاتها بين مصر و«إسرائيل»
د. هدى رزق
لم تكن إشارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى إمكانية عودة الدفء إلى العلاقات مع «إسرائيل»، والقول إنها ستعود بالفائدة على دول المنطقة، سوى نتيجة عوامل عدة، فضلاً عن توسط الولايات المتحدة منذ نهاية العام 2013 لدى تركيا لإعادة الحرارة إلى هذه العلاقة بعد سقوط المشروع الإخواني في مصر.
يعود توتر العلاقات بين البلدين إلى العام 2010 إثر اقتحام البحرية «الإسرائيلية» أسطول الحرية الذي كان متوجّهاً إلى غزة، حيث قتلت 9 مواطنين أتراك. كان الرئيس التركي قد أشار إلى إمكانية إعادة العلاقات في حال اعتذرت «إسرائيل»، وقدمت تعويضات، إلى أهالي ضحايا الاقتحام، الأمر الذي حصل بالفعل إثر تدخل الرئيس أوباما لدى نتنياهو، لكن شرط رفع حصار «إسرائيل» البري على غزة بقي عالقاً بين البلدين.
العوامل التي ساعدت على إعادة هذه العلاقات عديدة بدءاً من شعور تركيا بالعزلة السياسية التي تعانيها في المنطقة، ومحاولة تخفيض عدد الخصوم بعد أن خسرت بعض دول المنطقة إثر «الربيع العربي»، إلى «خطر» النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة، خصوصاً في سورية، تحديداً بعد الاتفاق النووي بين إيران ودول 5+1. والتواجد الروسي العسكري المباشر في سورية منذ نهاية سبتمبر 2015، كذلك الحاجة المتبادلة في ملف الغاز الطبيعي، بعد العقوبات الروسية الاقتصادية على تركيا. واكتشاف حقول غاز على الشواطئ الفلسطينية، حيث تتجه «إسرائيل» للسيطرة عليها واستثمارها، فإعادة العلاقات سيمكّن تركيا من تخفيض نسبة اعتمادها على الغاز الروسي، كذلك ستجد «إسرائيل» ممراً لعبور الغاز إلى الدول الأوروبية. يُضاف إلى كلّ هذه العوامل رغبة تركيا في تسجيل إنجاز سياسي لها من خلال إسهامها بتخفيف الحصار عن قطاع غزة، مما قد يعزز الدور التركي في الشأن الفلسطيني.
والجدير بالذكر أنه برغم الأزمة الدبلوماسية بين تركيا و»إسرائيل»، فلقد زاد حجم التبادل التجاري بينهما منذ سنة 2010، أيّ السنة التي وقع فيها حادث «مافي مرمرة» وحتى سنة 2014 بنسبة 69.5 ، ما يعني أنّ المصالح التجارية لم تتأثر.
وكان الرئيس التركي قد استقبل في شهر شباط الماضي رئيس «مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية في أميركا»، مالكولم هونلاين المقرّب من نتنياهو وشارك في مساعي المصالحة. كان اللقاء بين القيادة التركية والقيادة اليهودية، قد ضمّ قادة أميركيين من منظمات يهودية، كذلك اعتبرت الصحف «الإسرائيلية» أنَّ التقرير والصور اللذين نشرهما القصر الرئاسي التركي عن اللقاء مع الزعماء اليهود، اعتبرا عملية تهيئة الرأي العام التركي للمصالحة مع «إسرائيل».
وفيما أشارت بعض المعلومات اثر اللقاءات المتواصلة بين مسؤولين أتراك و»إسرائيليين» إلى قرب التوصل إلى اتفاق بين الطرفين يُنهي الخلاف القائم بينهما، يشمل موافقة «إسرائيل» على إقامة ميناء في قطاع غزة يربطها بالعالم الخارجي، أكدت تركيا بأنه من شروطها الأساسية لإعادة تطبيع العلاقات مع تل أبيب مع وجود رقابة دولية على عمل الميناء بهدف تخفيف الحصار المفروض. رحّب أحد مسؤولي حركة حماس بالأمر، واعتبر أنّ تركيا قطعت شوطاً في المفاوضات، وانه لا بدّ من رفع قبضة الاحتلال عن القطاع وإقامة ميناء ومطار له، وقال إنه لن يتمّ إدخال أيّ سلاح عبر الميناء. وأكد أنّ تركيا تسعى إلى إعمار ما دمّرته الحرب، وإلى حلّ مشكلة الطاقة الكهربائية المزمنة، وإعادة تأهيل البنى التحتية المنهارة من مياه وطرق.
طلبت مصر من «إسرائيل» تقديم إيضاحات حول المفاوضات التي تجريها مع تركيا والتي ترمي إلى تطبيع العلاقات بينهما، ما يؤكد عدم موافقة مصر على إعطاء تركيا دوراً في غزة. نفى أحد المسؤولين «الإسرائيليين»، وجود أي مفاوضات لإقامة ميناء بحري لقطاع غزة، لا سيما أن الحكومة المصرية عارضت الأمر بشدة، خصوصاً إنْ كانت حماس هي التي ستسيطر عليه.
مطالب مصر واضحة، سيفتح الجانب المصري معبر رفح فقط عندما يتمّ تسليم السيطرة على المعابر الحدودية من حماس للسلطة الفلسطينية، وهذا ينطبق أيضاً على الميناء، وبالتالي فإنّ مصر ستؤيد إنشاءه فقط في حال كانت السلطة الفلسطينية هي التي تدير تمرير البضائع إلى داخل القطاع. أما موقف السلطة الفلسطينية فهو يتطابق مع الجانب المصري.
يبدو أنّ «إسرائيل» قد تردّدت إزاء هذه الفكرة، ما دفع حماس لمطالبة الحكومة المصرية بتخفيف الحصار، وفتح معبر رفح بشكل دائم ومستمرّ، والتخفيف من معاناة سكان القطاع.
بالرغم من ذلك تسير عملية التطبيع بين «إسرائيل» وتركيا على قدمٍ وساق، وقال وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو، إنه «قد تعلن حكومتا تل أبيب وأنقرة في الأيام القريبة، التوصل إلى اتفاق تطبيع العلاقات». وأوضحت «إسرائيل» أنّ المسار التركي «يبعث على الأمل في مسألة نقل الغاز الطبيعي، من شرق المتوسط إلى أوروبا»، مشيرة إلى «ضرورة تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وإسرائيل» للبدء بتنفيذ هذا المشروع.
تقدّم تركيا مصالحها الحيوية على مبادئها الايديولوجية الإسلامية التي سارت عليها في الفترة السابقة، عندما اختلفت مع «إسرائيل» لكنها اليوم تحاول ترميم سياستها الخارجية بالانفتاح على مصر، حيث أعلنت الخارجية التركية عزمها دعوة مصر لحضور القمة الإسلامية الثالثة عشرة لمنظمة التعاون الإسلامي التي ستعقد في اسطنبول بين 10 و 15 نيسان المقبل.
طرح هذا الموضوع تأثير الوساطة السعودية على العلاقة بين البلدين المتخاصمين. بعدما حاول الملك سلمان بن عبد العزيز الضغط في هذا الاتجاه، لكن مصر اشترطت من أجل تصحيح العلاقات مع تركيا تعامل الأخيرة معها كدولة كبرى في منطقتها، وذات ثقل كبير في الشرق الأوسط والعالم، والابتعاد عن التدخل في الشأن المصري. أكدت تركيا رغبتها في استعادة علاقاتها مع مصر التي قالت إنه ليس هناك ما يسمّى شروط، وإنما هناك معايير دولية إذا تحققت ستعود العلاقات إلى طبيعتها تلقائياً.
وجود هذه المؤشرات قد لا يعني بالضرورة أنّ الأمور كلّها ستحلّ بين عشية وضحاها. فالسعودية ضغطت على مصر من أجل إعادة النظر في موقفها، وتركيا تلهث وراء تصحيح علاقاتها. فالسعودية تسعى من وراء هذا الصلح إلى تثبيت نفسها كـ»قوة سنّية إقليمية».
هل يمكن لتركيا ومصر أن تتصالحا على القاعدة السياسية نفسها وخدمة الأهداف السعودية؟ يبدو أنّ تركيا تريد الخروج من عزلتها، تريد أن تتفق مع مصر بشأن غزة، ولا تريد خسارة الإخوان وحماس، بل تثبت مكانتها السياسية على الخارطة الفلسطينية. أما «إسرائيل» فهي حاولت التوسط بين مصر وتركيا لإزالة حدة التوتر بين البلدين، حتى يتمّ تقليل معارضة مصر لتدخل تركيا في قطاع غزة.