الرفيق نقولا قباني… احد مناضلي الحزب المميزين في الأشرفية
إعداد: لبيب ناصيف
عندما نتكلم عن الأشرفية، وقد تأسست فيها مديريات عديدة، وانتمى من أبنائها مئات من القوميين الاجتماعيين، لا يسعنا إلا التوقف أمام مجموعة من الرفقاء المناضلين الذين سطروا وقفات من البطولة والصمود، بعضهم تهجّر خارجها أثناء سنوات الحرب اللبنانية 1975 1990 ، وبعضهم بقي فيها مستمراً على إيمانه، وإن لم يتمكن في ظروف الحرب المجنونة، أن يمارس دوراً حزبياً علنياً.
من رفقائنا في الأشرفية، نذكر بكثير من الوفاء رفيقاً تميّز بنضاله وكان منزله بيتاً للعمل الحزبي وللقوميين الاجتماعيين، لم يعرف تراجعاً في إيمانه ولا في مواقفه النضالية، إنما بقي عاملاً ومسؤولاً ونابضاً بالحياة الحزبية، هو الرفيق نقولا قباني.
ولد الرفيق نقولا قباني في الأشرفية عام 1918.
اقترن من الرفيقة فكتوريا عبدالله من مواليد مغدوشة ورزق منها الرفقاء: مروان، وليد في كندا وأدونيس في لندن .
انتمى الى الحزب السوري القومي الاجتماعي أواخر الأربعينات من القرن الماضي. ومنذ ذلك التاريخ بقي نشيطاً، متولياً للمسؤوليات الحزبية، في الأشرفية، ثم في رأس بيروت إذ انتقل اليها مهجّراً.
نشط في مكتب الأنباء الذي كان يمارس عمله تحت غطاء «وكالة الصحافة اللبنانية»، فيما مهمته أمنية، ومنها التصدي لنشاط المكتب الثاني الشامي وعملائه في لبنان، في تلك الفترة النضالية والصعبة التي أعقبت اغتيال العقيد عدنان المالكي في دمشق، في نيسان 1955.
فتح الرفيق نقولا بيته في الأشرفية لعشرات العائلات القومية الاجتماعية المهجّرة من الكيان الشامي، كما عمل على توظيف العديد منهم بأسماء مستعارة، في المطعم الذي كان يديره في مطار بيروت، كما في وظائف أخرى متوفرة في المطار، بفضل الصداقات التي كان بناها مع المسؤولين فيه.
في حوادث عام 1958 كان الرفيق نقولا آمراً للقطاع الشرقي، مسؤولاً عن الزمر القتالية في الأشرفية، مما اضطره الى استئجار ثلاث منازل في محيط منزله من أجل إيواء الرفقاء المقاتلين. بعد أن انتهت الأحداث كلّفه مركز الحزب بالإشراف على إعادة تأسيس العمل الحزبي في كسروان وتفعيله. كان أيضاً وراء تأسيس وحدة حزبية في قرطبا.
عندما قام الحزب بثورته الانقلابية، وتعرّض الكثير من قيادييه للأسر أو تمكنوا من الوصول الى الأردن، فمغادرة العدد القليل منهم الى مناطق مختلفة عبر الحدود، نشط الرفيق نقولا في تلك السنوات الصعبة، وساهم في تأسيس خلايا للعمل السري .
كان أحد المراجع الحزبية للرفقاء وللمواطنين، وركنا من أركان الحزب في الأشرفية، مثيله في ذلك، الرفيق ادمون حايك، وبفضل نشاطه الإذاعي انتمى العشرات الى الحزب، من بينهم ابن أخته الرفيق نقولا نصير 1
عندما تهجّر من الأشرفية، منتقلاً الى رأس بيروت استمر على نشاطه الحزبي متولياً مسؤولية مدير المديرية فيها، منخرطاً مع رفقاء ومواطنين في «جبهة رأس بيروت الموحدة» التي ضمت العديد من فعاليات المنطقة، من مختلف طوائفها، وعائلاتها.
كان له حضوره في منطقة رأس بيروت، التي عرفت الحزب منذ أوائل سنوات التأسيس، بفضل ما تميز به من شخصية قوية، متماسكة، ومعطاءة، ومن حنكة وذكاء وقدرة على الحوار فالإقناع.
تولى الرفيق نقولا مسؤولية مكتب المطبوعات المركزي في الفترة 1975-1982 وكان له الدور الكبير في تأمين إيصال مجلة الحزب وكتبه الى فروع الحزب في الوطن وعبر الحدود، طيلة تلك السنوات الصعبة وعمل أيضاً في مؤسسة دار فكر، وكان مسؤولاً عن مطبوعاتها وعن مكتبتها في بناء مركز الحزب في منطقة فردان.
مواقف مميزة:
روى لنا ابنه الرفيق مروان قباني أن والده الرفيق نقولا كان ضَمَن مطعم مطار بيروت الدولي مع بدء العمل فيه مطلع الخمسينات من القرن الماضي. بفضل ذلك تمكن أن يقوم بدور مهم عندما قرر الحزب أن يستقبل أسلحة مرسلة من العراق، تمهيداً للقيام بانقلاب 2 على السلطة في الشام التي كانت، في تلك الفترة السوداء، تنكّل بالقوميين الاجتماعيين، تشريداً وسجناً وتعذيباً، فقد نظم حفلة عشاء راقصة في مطعم المطار في فترة هبوط الطائرة 3 وتوقفها لدقائق عند آخر المدرج، بحيث تمكن عشرات الرفقاء من انزال صناديق الاسلحة والذخيرة بسرعة فائقة، قبل ان تتابع الطائرة سيرها الى حيث يجب أن تتوقف.
الى هذه الحفلة دعا الرفيق نقولا المسؤولين الأمنيين والمدنيين في المطار. وقد تمكن مع من اختارهم من رفقاء ورفيقات، الى إضافة جو من المرح والغناء فإلهاء المعنيين. في هذا الوقت قام الرفيق رضا كبريت الأمين لاحقاً بإقفال اشكمانات سيارات الأمن العام والدرك بالبطاطا كي لا تتمكن من التحرك في حال انكشفت العملية. فيما قام الرفيق رفيق خوري 4 وكان مسؤولاً عن قسم الإنارة في المطار باطفاء الكهرباء في الوقت الذي بدأ الرفقاء بنقل الاسلحة الموضبة في عشرات من صناديق الخشب 5 .
وفاته:
في تشرين الأول 1985 خاض الحزب معركة تحرير طرابلس من القوى الظلامية التي سعت الى إنشاء إمارات فيها، وطرد القوى القومية والوطنية.
استشهد في معركة طرابلس عشرات الرفقاء بعد ان كانوا خاضوا اشرس المعارك الى جانب القوى الشامية، وتمكنوا من دحر القوى المعادية. من هؤلاء الشهداء الابطال الرفيق نظام الخالدي ابو حسن 6 عضو مديرية رأس بيروت الذي كان يحظى بحب الرفقاء له وإعجابهم بتميّزه القومي الاجتماعي.
شعر الرفيق نقولا بحزن كبير بفقدان رفيقه، لم يتمكن من السيطرة عليه لحظة إنزال جثمان الرفيق الشهيد الى مثواه الأخير. فقد هتف له بالتحية الحزبية وسقط جثة هامدة.
حصل ذلك في 15/10/1985.
الرفيقة فكتوريا عبدالله قباني
لا يصح ونحن نحكي عن الرفيق نقولا قباني إلا أن نذكر بتقدير عقيلته الرفيقة فكتوريا التي كانت له اليد اليمنى، والرفيقة الزوجة التي تحمل مع رفيق حياتها عبء النضال القومي الاجتماعي. لولاه لما تميّزت رفيقة مناضلة، ولولاها لما كان تمكّن من ان يؤدي كل تلك الخدمات للعمل الحزبي.
منذ انتمائها، وهي في السابعة عشر من عمرها، التزمت الرفيقة فكتوريا العمل المتفاني، فهي لم تتأفف، وبيتها في الأشرفية يكتظ بعائلات الرفقاء، النازحة من الشام، أو بالقوميين الاجتماعيين المقاتلين، مما كان يضطرها، من أجل الإشراف على دروس أولادها، أو تأمين مكان لإقامتهم، للانتقال الى منزل أهلها، أو أحد أشقائها.
يحكى أنها بعد الثورة الانقلابية، وانتقال العائلة الى بلدة الحدث، عمدت الى وضع مستندات حزبية في مكان آمن، وكانت، للتخفي، ترتدي ثياب نساء بدويات، وتنتقل كمن يرغب التوجه الى أحد المنازل، للعمل فيها.
الرفقاء في رأس بيروت يعرفون الرفيقة فكتوريا جيداً، في المستوصف 7 كما في مستشفى الجامعة الأميركية، تتفقد الرفقاء وتعتني بهم وتهتم بامورهم.
بقيت الرفيقة فكتوريا الى جانب زوجها الرفيق نقولا تحمل معه فرح النضال القومي الاجتماعي، حتى إذا وافته المنية استمرت ملتزمة، ونابضة بحياة الحزب.
الاسم: فكتوريا زيدان عبدالله
ولدت في مغدوشة، سنة 1925
وافتها المنية في بيروت وشيّعت الى مثواها الاخير بتاريخ 03/09/2005 بحضور حزبي وشعبي لافت.
هوامش:
1. نقولا نصير: شارك في الثورة الانقلابية 1961 1962. بعد أن خرج من الاسر تابع نضاله الحزبي وما زال رفيقاً مميزاً بالتزامه ومناقبه.
2. نظّم الحزب، عام 1956 مع قوى اخرى في الشام، عسكرية ومدنية، محاولة للقيام بانقلاب على السلطة القائمة، إلا انها اكتشفت وتعرّض العديد من الرفقاء، ومن القائمين بها، للاعتقال.
3. طلبت الطائرة القادمة من العراق إذناً بالهبوط، لحظة دخولها الأجواء اللبنانية، بحجة عطل طرأ على أحد محركاتها.
4. رفيق خوري: من بلدة صغبين البقاع الغربي .
5. حصلت عملية إنزال أخرى، للأسلحة، في منطقة «النبي عثمان». نأمل من كل رفيق يملك معلومات مفيدة عن موضوع انزال الاسلحة في مطار بيروت، او بواسطة المظلات في منطقة «النبي عثمان» ان يكتب الى لجنة تاريخ الحزب.
6. نظام الخالدي ابو حسن : من رفقاء الحزب الأبطال. والده، الامين محمود خالدي، ووالدته الرفيقة فاطمة البزري. كان ركنا للحزب في منطقة برج ابو حيدر- المصيطبة. وتولى مسؤوليات حزبية محلية، منها مسؤولية منفذ عام بيروت. اقترن الرفيق نظام من الرفيقة حنة ضاهر كفرحزير- الكورة .
7. كان للحزب مستوصف في منطقة رأس بيروت، أمنّ خدمات جلّى للقوميين الاجتماعيين وللمواطنين، خاصة في سنوات الحرب اللبنانية.